اليمنيون سلاطين البحار..و انصار الله يغلبون انصار الشيطان

محمد صادق الحسيني ||

دأبت الامبراطوريات الكبرى في العالم ، منذ القرن السادس  قبل الميلاد ، بانشاء قوات بحرية طمعاً في توسيع سيطرة تلك الامبراطوريات وترسيخ هيمنتها ، على محيطها اولاً ، ثم التوسع الى مناطق بعيدة عنها جغرافياً لاهداف ،  تسمى في العصر الحالي : اهدافاً جيوسياسية ، وذلك من خلال السيطرة على طرق التجارة الدولية ، في تلك العصور ، وما يرافق ذلك من سيطرة على بحار العالم ، الامر الذي فرض ولازال يفرض هيمنتها على تلك المناطق البحرية التي تصلها اساطيلها الحربية .
هكذا بدأت القوات البحرية الحربية في الظهور شيئاً فشيئًا ، بداية بالاسطول الاغريقي القديم ، الذي وصل الى قمة القوة ، والتوسع ، فاتسعت رقعة الامبراطورية الاغريقية حتى الى مصر وبلاد الشام واطراف الجزيرة العربية شرقاً والى غرب بلاد فارس وجنوب القوقاز وهضبة الاناضول والبحر الاسود الى الشمال قليلاً والى مناطق واسعةً من جنوب اوروبا .
علماً ان الامبراطورية الفارسية كانت قد سبقت الاغريق ، ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد ، الى فرض سيطرتها على مناطق واسعة من جنوب غرب آسيا ، إضافةً الى هضبة الاناضول من شمال شرق الامبراطورية الافريقية ،اي الجزء الاوروبي من تركيا حالياً ، الى جانب بلاد الشام وشمال افريقيا .
وقد اتبعت الامبراطورية الرومانية نفس الاسلوب ، في توسيع سيطرتها ونفوذها ، معتمدةً في ذلك على اساطيلها الحربية وقواتها البرية ، خاصة في وسط وغرب اوروبا ، التي سيطرت عليها تلك الامبراطورية ، من القرن السابع وحتى القرن الخامس ، قبل الميلاد .
بقيت مستويات التقنيات المستخدمة في صناعة السفن الحربية والاسلحة التي تحملها متقاربةً في المستوى حتى ظهور الامبراطوريات الجديدة ، في العصور الوسطى ، كالامبراطورية البريطانية ومن ثم الفرنسية وغيرها ، وصولاً الى بدايات القرن الثامن عشر ( سنة ١٧١٢ ) عندما اخترعت الآلة البخارية التي كانت تعمل على الفحم لتوليد الطاقة .
وهي الآله التي احدثت ، في العقود التالية ، ثورة صناعية كبرى في اوروبا والعالم ، شملت تطوير السفن الحربية وصناعة الاسلحة .

كما تركت هذه الثورة الصناعية أثرها الكبير ، ليس فقط على الجوانب الآنفة الذكر ، وانما على التكتيكات الحربية المستخدمة في المعارك البحرية ايضاً  ، او في دور السفن الحربية في عمليات الاسناد الناري للقوات البرية  على اليابسة او حتى في التعامل مع الاهداف الجوية ، التي بدأت تظهر ، في ساحات الحروب ،منذ بدايات القرن العشرين .
الى ان ظهرت انواع جديدةً من القطع البحرية الحديثة ، من مدمرات وبوارج حربية وسفن اخرى على سطح البحار  ، الى جانب الغواصات التي استخدمت على نطاق واسع جداً منذ بداية القرن العشرين ، الذي شهد اندلاع الحرب العالمية الاولى ( ١٩١٤ – ١٩١٨ ) ، حيث استخدمت خلالها السفن الحربية العملاقة ، من بوارج ومدمرات وسفن برمائية وسفن انزال وغواصات وغير ذلك ، على نطاق واسع .
ادى هذا الدور الكبير للاساطيل الحربية ، التابعه للامبراطوريات الجديدة ، والادوار التي أدتها والنتائج التي اسفرت عنها الحرب العالمية الاولى الى :

– تكريس حقيقة ان الدولة التي تملك العدد الاكبر من القطع الحربية هي الدولة الاكثر مقدرة على تحقيق الانتصار والحفاظ على سيطرتها ( مستعمراتها ) وفرض هيمنتها على العالم .
وكانت الولايات المتحدة الاميركية هي الدولة الاكثر اهتماماً بتطوير وتوسعة اساطيلها الحربية وتزويدها باسلحة أكثر حداثةً واكثر فتكاً .

ومن نافل القول التأكيد على ان امبراطوريات تلك الحقبة ، الامبراطورية الروسية والبريطانية والفرنسية والالمانية ، غير قادرة على منافسة الولايات المتحدة ، بسبب ضخامة الموارد الاميركية المتوفرة ، آنذاك كما الآن نسبياً .
الا ان الولايات المتحدة كانت ترى ان استمرار تفوقها  ، على تلك الامبراطوريات  ، وفي كل المجالات ، يعتمد في الاساس على قوة اساطيلها الحربية ، القادره على السيطرة على بحار العالم ، بهدف فرض الهيمنة الاميركية المطلقة ، على جميع البلدان المحيطة بهذه البحار والمحيطات .
وهو ما جعل واشنطن تعمل على توسيع اساطيلها الحربية ، خاصةً بعد الحرب العالمية الثانيه وانقسام العالم الى معسكرين : شرقي سوڤييتي وغربي اميركي .
حيث اعتمدت استراتيجية الولايات المتحدة ، ودول حلف شمال الاطلسي بعد انشائه سنة ١٩٤٩ ، على الدخول في سباق مع الحلف السوڤييتي ، حول عدد القطع البحرية الحربية ومعداتها العسكرية التي يجب ان تفوق عدد تلك التي يمتلكها الاتحاد السوڤييتي……. وبقيت الولايات المتحدة تحافظ على هذه العقيدة القتالية البحرية حتى بعد تفكك الاتحاد السوڤييتي ، حيث ان جهات صنع القرار الاستراتيجي في واشنطن ، اي شركات  التجمع الصناعي العسكري قد  ”  اخترع  ” عدواً وهمياً , تمثل في ما اسموه : الارهاب، الذي كان وسيبقى من صناعتهم  هم  انفسهم، لخلق مبررات لمواصلة التسلح .
وعلى الرغم من كل الحوادث والتطورات ، التي شهدها العالم خلال العقود الاربعة الماضية  ، فان الخطط والتكتيكات العسكرية ، المتعلقة بالحروب البحرية ، بقيت على حالها ، رغم التطور المضطرد في كل اوجه الصناعات العسكرية ، وغير ذلك الكثير  .
الا ان طوفان الاقصى ، الذي حدث في السابع من اكتوبر  في فلسطين ، وما تبعه من فتح جبهات الاسناد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ،  انطلاقاً من لبنان والعراق واليمن ، قد ادى الى تسونامي جرف معه كل المفاهيم العسكرية التقليدية ، بشكل عام  ،  وتلك المتعلقة بدور السلاح البحري في الحروب ، بشكل خاص .

كيف ذلك وبأي معنى ؟

اختارت حركة انصار الله اليمنية ، والقوات المسلحة اليمنية ، أحد اهم الاسلحة الاستراتيجية ، المتوفرة لديها ،  عندما فتحت جبهتها المساندة لقطاع غزة ، الا وهو :

سلاح الممرات البحرية

حيث اعلنت الجهات اليمنية المعنية ، ومنذ اول يوم لفتح الجبهة ، ان عملياتها العسكرية ،  الهادفة الى منع السفن الاسرائيلية  ،  او تلك المتجهة الى موانيء اسرائيلية  ،  من عبور مضيق باب المندب ، حتى وقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار وادخال المساعدات الى جميع اهالي القطاع المحاصر .
وفي مرحلة ثانية ،من عملية الاسناد اليمني لقطاع غزة ، قامت القوات المسلحة اليمنية بتوسيع حظر الابحار ليشمل خليج عدن والبحر العربي ، ثم انتقلت السلطات اليمنية المسؤولة الى  توسيع الحصار البحري ليشمل غرب المحيط الهندي ، لمنع السفن المشار اليها سابقاً ، من التوجه الى الكيان الاسرائيلي عبر رأس الرجاء الصالح  .

الامر الذي يعني :

اولاً : تمكن القوات المسلحة اليمنية ، ورغم الحرب الضروس التي شنت على اليمن ، من قبل الولايات المتحدة ، عبر اذنابها في السعودية وسائر الامارات ، لمدة تسع سنوات ، نقول : ان اليمن قد تمكن من ممارسة حقه السيادي ،على مياهه الاقليمية ومياهه الاقتصادية في المحيط الهندي ، بشكل كامل وطبقاً للقوانين الدولية الناظمة للحركة البحرية في العالم.
ثانياً : ان إنبراء الولايات المتحدة واعلانها عن تشكيل تحالف بحري دولي ، اطلقت عليه اسم حارس الازدهار ، في البحر الاحمر  ،  ثم انتقالها الى ممارسة العدوان المباشر على اراضي الجمهورية اليمنية ، بالاشتراك مع بريطانيا التي كانت تسمى العظمى ، لم يجدِ نفعاً ولم تنجح دول العدوان ، رغم تنفيذها مئات الغارات الجوية على محافظات عديدة في اليمن ، لم تنجح في ثني القوات المسلحة اليمنية من مواصلة عملياتها البحرية المساندة لقطاع غزة .
لا بل ان هذه الاعتداءات الجوية والبحرية على اليمن قد افضت الى توسيع القوات المسلحة اليمنية لعملياتها ، بحيث بدأت باستهداف القطع البحرية الاميركية والبريطانية في البحر الاحمر وخليج عدن والبحر اليمني .
ثالثاً : وهي العمليات التي قال عنها الادميرال الاميركي : برادلي كوپر / Bradley Cooper /  في برنامج : ستين دقيقة ، على قناة سي بي إس التلفزيونية الاميركية ، CBS  –  60 minutes  ، بتاريخ ١٨/٢/٢٠٢٤ ، قال :
انها العمليات الحربية ( ضد الحوثيين )  ، التي نخوضها منذ عقود ، لا بل حتى منذ الحرب العالمية الثانية  ،  حيث اصررنا الى نشر سبعة آلاف بحار اميركي في منطقة العمليات تلك .
رابعاً : ان المعنى الدقيق لتصريحات الادميرال كوبر  هو : ان الدولة التي تملك اكبر الاساطيل الحربية في العالم ، من حيث العدد والعدة ، لم تعد قادرة على فرض سيطرتها على الممرات المائية/ المضائق المائية ، التي تعبر منها طرق الملاحة الدولية ، وذلك نظراً الى التحولات الكبرى العميقة ، التي تشهدها القدرات والتكتيكات العسكرية لقوى المقاومة بشكل خاص ، والقوى المناهضة للهيمنة الاميركية على العالم بشكلٍ عام .
وهو الامر الذي اشار اليه الادميرال كور في هذه المقابلة ايضاً ، حيث قال انه لم يسبق لاحد ، بعد الحرب العالمية الثانية ، ان هاجم سفناً تجاريةً او حربيةً اميركية ، وهو يشير بذلك الى استخدام القوات المسلحة اليمنية لصواريخ باليستية ( في تطور غير معهود لاستخدام هذا النوع من الصواريخ ) وصواريخ اخرى ضد سفن اميركية مختلفة .
خامساً : وغني عن القول ، طبعاً ، ان كلام الادميرال كوپر  لم يأتِ من فراغ ، وانما هو مرتبط بتحولات هامة ، تجري على الصعيد الاستراتيجي لمستقبل سلاح البحرية ، في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول الكبرى .
اذ ان هذه المتغيرات الاستراتيجية العميقة ، التي فرضتها التكتيكات اليمنية في المعركة الحالية ، ضد العدوان على قطاع غزة وعلى اليمن نفسه ، كان لها بالغ الاثر على الخطط الاستراتيجية الاميركية ، المتعلقة بتطوير سلاح البحرية الاميركي .
فقد عاد النقاش والتحليل والتخطيط ، في وزارة البحرية الاميركية  ،  الى اجواء حيوية جدًا ، لا بل محمومة ، في ما يتعلق بمشروع تحديث هذا السلاح ، المسمى :  مشروع  فورس ديزاين ٢٠٣٠  /  Force Deseign 2030 /  ،  الذي بدأت مناقشته مطلع العقد الحالي ، الا انه واجه الكثير من المنتقدين ، لاسباب عديدة .
خاصةً وان المشروع ، والنقاش حوله وحول وظيفته ، يتركزان حول الدور المستقبلي لسلاح البحرية الاميركي ، في اطار المواجهات الاستراتيجية الكبرى ، على صعيد العالم .
وهذا يعني ان اليمن ، بقيادته العربية الثورية الحكيمة ، قد اصبح عاملاً فاعلاً في رسم وتحديد مسارات الاحداث الاستراتيجية   ،  في العالم اجمع وليس في المنطقة العربية فحسب ، بغض النظر عن الاتهامات ، التي يكيلها الادميرال الاميركي المذكور اعلاه ، للجمهورية الاسلامية في ايران ،حيث يتهمها بأنها هي من تزود حركة انصار الله بالصواريخ الباليستية والصواريخ الفرط صوتية المختلفة .

أياً تكن مزاعم امريكا ، فالقدر المتيقن ان انصار الله هم من باتوا يبزون امريكا في كل علوم الحرب وهم من يطلقون صواريخهم من بطون جبالهم فتغرق بارجات الفرنجة في البحر، وهذا تحول نوعي في حروب البحر، لم يسبقهم اليه احد.

بعدنا طببين قولوا الله

شاهد أيضاً

الاعلام العبري: المشكلة مع اليمن معقّدة للغاية “ليس عدواً عادياً”

ما زالت صواريخ اليمن ومسيّراته التى ضربت “إسرائيل”، ترخي بظلالها على “تل أبيب” وعلى مؤسستيها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *