الخالص – جيزان الجول – جديدة الشطّ..!

محمد صادق الهاشمي ||

شرع مساء يوم رجال الأمن يحشون قاعات الزنزانات ، فيضيفون إلى أعدادنا أعداداً أخرى ، وهكذا في كلّ يوم ، فاكتظت الزّنزانت بل الممرّات. وضبّاط الأمن تتعالى أصواتهم وهم يسوقون السجناء الجدد بكلماتٍ نابيةٍ : «…كذا من أختك…خونة.. كلاب…. » ، حصل هذا في الأمن العامّة…. الشّعبة الخامسة .

لا أدري ما الحادث ؟ ، وكان الكلّ منّا يضرب الأخماس لأسداس ، ونترقّب أنْ ينزلوا بنا أيضا عذابات جديدة ، كما هو شأننا مع كلِّ وافدٍ جديدٍ .

أرهفتُ السّمع … سمعتهم يرددون: الأسماء التالية : «طارق، والحسينيّ ، والهاشميّ، وحجّي مهدي ، وحسن ،وحاجّ رفعت» ، جِيء بهم ، ضربوهم حتّى تمزّقت أجسادُ بعضهم ، وأخذت الدماء تشخب من أوردتهم ، ونحن نسمع صراخهم ، يطلبون منهم الاعتراف على شخصيّةٍ اسمها : «علي الحسينيّ الهاشمي»، وكان ذلك بالنّسبة لنا أشبه بالكلمات المتقاطعة ، إذْ لا ندري منْ هو المقصود و من ذلك الشّخص المطلوب.من هذا الرّجل المهمّ في نظر هؤلاء المجرمين ؟.

وكنّا نسمع سؤالين يرددهما رجال الأمن عليهم : ما هو دورك في المؤامرة؟ ، وأين «الحسينيّ»؟.

ثمّ انكشفت لنا الحيرة ، وحُلّ اللّغزّ الذي بقي خفيّا علينا لفترة ، حينما أودعوهم الزّنزانات معنا وانتشر خبرُهم بيننا : أنّهم ضبّاطٌ من القوّة الجوّية كانوا معتقلين معنا في زنزانات مغلقة ، ومنهم كسبة ومدنيين .

وكانوا يمارسون معهم التّعذيب والتّحقيق يوميّاً ، والصّمود منهم هو الصّمود ، كأنّهم جبال لا تهزّهم الرّيح العواتي .

وعرفت بعد ذلك أنّ هؤلاء المؤمنين كانوا من أهالي ديالى (الجيزاني والخالص ومن جديدة الشط وو) يريدون الانتقام والثأر لكلّ المحرومين والمظلومين ، وأنْ يخلّصوا العراق من الكابوس الرّهيب ، وقد نمى لديهم الحسّ الإسلامي والوطني ، وتعاظم الشّعور بالمسؤولية فقرروا مع «الحسينيّ ، والحاج أبو مهدي أو أبو زينب الخالصيّ (رحمه الله) المضي قدماً لإنقاذ العراق من حزب البعث، فتناخى الشّرفاء ضبّاطاً وفلاحين وكلّ القوى المؤمنة للقيام بثورةٍ وبعمليةٍ عسكريةٍ ، وكان أغلب هؤلاء من ديالى .

كان الرّأس المدبّر فيهم – فيما علمت – هو السيّد : «عليّ الحسينيّ ، والحاج أبو مهدي الخالصيّ (رحمه الله)».

وأتذكّر أنّ أحدِهم أنّه : كان كثير الشوق ليعرف خبر زوجته التي تركها حاملاً.

نعم كانت يد الأقدار وقرار البعث الكافر يستلّ أرواحهم رويداً ، ففي كلّ يوم يتعرضون إلى التعذيب المتكرر والسّياط وقلع الأظافر وإيقاف البعض منهم أيّاماً مسندين إلى جدار الموت، وآخرين معلّقين على السّقوف والدّماء تنهمر… والقيح يتجمّد… .

مضت أشهر وهم هكذا…. حتّى أنّ الأغلب منهم لا يمكنه أنْ يتناول شيئا بيده من شدّة ما وقع عليهم من تعذيب.

بعدها جاء ملازم (عدنان) ، ورائد (عامر) … وأخرجوهم. وكلمات : الخونة… أخوات الكذا… أولاد الكذا ، تنطلق من أفواههم القذرة بوحشيةٍ مرعبةٍ …كلّ هذا مع الهراوات… وانطلقت بهم اقدارهم إلى المجهول ، علمنا في ما بعد أنّه الرّحيل إلى الرّاحة الأبدية ، حيث المقابر الجماعية لقيادات الدعوة.

شاهد أيضاً

السوداني يؤكد دعم الحكومة لعمل المحكمة الاتحادية العليا لترسيخ سيادة القانون

أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الاثنين، دعم الحكومة لعمل المحكمة الاتحادية العليا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *