يعد فهم ديناميكيات تدفق الدم داخل جسم الإنسان أمراً بالغ الأهمية لتشخيص وعلاج عدد لا يحصى من الحالات الصحية كالنوبات القلبية، ومضاعفات مرض السكري، ونمو الأورام على سبيل المثال لا الحصر.
ومع ذلك، فإن اكتساب نظرة ثاقبة لهذا النظام الحيوي، خصوصاً الأوعية الدموية العميقة والدقيقة، كثيراً ما مثّل تحدياً كبيراً في العلوم الطبية، خصوصاً تلك الأوعية المغروسة بعمق في الجسم.
وفي دراسة رائدة، طور باحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) تقنية ثورية تتيح التصوير غير الجراحي للأوعية الدموية العميقة وتدفق الدم داخلها. يمكن لهذا النهج المبتكر، الذي يطلق عليه التصوير المقطعي الضوئي الصوتي (PAVT)، أن يعزز بشكل كبير فهم وعلاج الحالات الصحية المختلفة، حيث يلعب تدفق الدم دوراً محورياً.
على نقيض التقنيات السابقة، يستخدم “PAVT” ضوء الليزر الذي يمتصه الهيموغلوبين في خلايا الدم الحمراء، ما يؤدي إلى انبعاث اهتزازات فوق صوتية منها. تنتقل هذه الاهتزازات إلى سطح الجلد، حيث تلتقطها أجهزة الاستشعار المتصلة بالكمبيوتر لإنشاء صور مفصلة للأوعية الدموية.
ويحقق “PAVT” دقة عالية من خلال اكتشاف الإشارات الصادرة عن توزيع خلايا الدم الحمراء في أعماق الجسم، ثم تقوم خوارزمية متكاملة بتتبع حركة هذه الخلايا، واستنتاج سرعة واتجاه تدفق الدم. تشبه هذه العملية كيفية مراقبة تدفق حركة المرور باستخدام سرعة الهواتف المحمولة على الطرق السريعة.
ويشير الباحثون إلى أن عدم التجانس في توزيع خلايا الدم الحمراء، والذي يرجع جزئياً إلى الطبيعة الهيكلية للأوعية الدموية، يسهل عملية التصوير. وهي تُقارن بين التقاء الأنهار ذات الصفات المائية المختلفة، حيث يمكن للجداول المختلفة أن تتدفق معاً، ولكنها تظل غير مختلطة لمسافة ما. تحدث هذه الظاهرة أيضاً في الأوردة، حيث ينضم الدم الذي يحتوي على محتويات مختلفة من الأكسجين، ولكنه يبقى غير مختلط فترة من الوقت، ما يسمح لنظام “PAVT” بتتبع مساراتهم المنفصلة.
علاوة على ذلك، فإن قدرة “PAVT” على التمييز بين خلايا الدم الحمراء المؤكسجة وغير المؤكسجة تمكّن من القياس الكمّي لاستهلاك الأكسجين، وهو مؤشر حيوي لعملية التمثيل الغذائي. ويقول ليهونغ وانغ، أستاذ الهندسة الطبية والهندسة الكهربائية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا إن “هذا يسمح بتحديد كمية استهلاك الأكسجين، وهو مقياس مهم لعملية التمثيل الغذائي”، ما يؤكد الآثار الأوسع لهذه التكنولوجيا.
وهذه الطريقة ليست جديدة تماماً على مختبر وانغ، المعروف بتطوراته في تقنيات التصوير الضوئي الصوتي. ومع ذلك، يتميز “PAVT” بقدرته على تصوير ليس فقط الأوعية الدموية وحالة الأكسجين الخاصة بها، ولكن أيضاً اتجاه ومعدل تدفق الدم بشكل أعمق داخل جسم الإنسان.
ويضيف وانغ أنه “الآن يمكن قياس التدفق المتجه، الذي يشير إلى معدل التدفق واتجاهه” معرباً عن دهشته عند رؤية صور تدفق الدم لأول مرة. ويرى الباحث الأميركي أن قدرة التكنولوجيا على التآزر بين الهندسة وعلم وظائف الأعضاء للتغلب على العقبات التي لم يكن من الممكن التغلب عليها سابقاً جديرة بالملاحظة بشكل خاص.