جانب من مسيرة شهيد المحراب “السيد محمد باقر الحكيم” ( قدس سره)

أمة في رجل .. 
ليس من العدل والإنصاف بمكان ان ندعي ان ما سنكتبه عن الشهيد المرجع الديني اية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) سيكون وافيا ومحيطا بكل جوانب حياته ونشاطاته، وانما هي رؤوس اقلام، ومجرد إشارات فقط، لان الكتابة عنه (قدس سره) أمر لا يخلو من صعوبة ومشقة، فالرجل قد امتد نشاطه لاكثر من نصف قرن، كانت سنينه معبأة ومثخنة بالاحداث والتطوارات، حيث امتازت هذه السنين بصعود الخط البياني لقوة المرجعية وتعاظم نشاطها، وما تبعه من متغيرات على كافة الاصعدة والمستويات، وكان (رحمه الله) مرافقا لهذا الصعود وداخلا في عمقه، حيث انه كان أحد العقول المهمة في الجهاز المرجعي للامام الحكيم، واحد اهم مستشاري الامام الصدر ومنسقا فعالا بينه وبين الامام الخوئي واحد الداعمين بقوة لمرجعية الامام الخميني.

إطلالته على الدنيا
في الخامس والعشرين من جمادى الأولى عام 1358 هـ – 1939م، وفي مدينة النجف الأشرف أطلَّ على الدنيا شهيدنا المعظم المجاهد السيد محمد باقر الحكيم ليكون الولد الخامس(1) والابن البار لمرجع الطائفة الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم.

بين أحضان الحنان والعلم
في أحضان الأب يتلقى الطفل والفتى الحب والحنان، والتوجيه نحو التحصيل وطلب العلم، فتشربّت نفسه الزكية بمعاني الفضيلة والرجولة ((فقد كان الوالد ـ الإمام الحكيم ـ يغرس في نفسه ـ شهيد المحراب ـ واخوته روح التقوى الحقيقية من خلال التأكيد على عناصر الصدق والأمانة والورع عن محارم الله وتحمل المسؤولية تجاه الأمة وقضاياها المصيرية، وتجاه الحوزة العلمية وقضايا الناس وحاجاتهم، حيث كان يؤكد على نقاط رئيسية:

1ـ الإخلاص لله تعالى في العمل وتوخي الحذر منه.

2ـ المصلحة الإسلامية وما يهدي إليه العقل والحكمة، فكان يقول: إذا عرضت عليك قضية ورأى عقلك فيها المصلحة والفائدة فاعرضها على دينك فإذا رضي بها فافعلها، وإلا فاتركها.

3ـ رضا الناس وموقفهم من العمل ومراعاة مشاعرهم وعواطفهم

4ـ التأكيد على طلب العلوم الدينية والقيام بالوظائف الشرعية في مجال التدريس والتعليم والتبليغ الإسلامي.

5ـ بناء المكونات الأساسية للشخصية التي كان يراها في حرية التفكير والاستقلال في الإرادة والتوكل على الله والاعتماد على النفس والاستعداد للتضحية والفداء في أداء الواجب او خدمة الناس والمسلمين))(1).

في ظل هذه الأجواء المتشبعة بالروح الإيمانية والثقة العالية بالنفس نشأ شهيد المحراب (قدس سره).

في الأول من رجب الأصب فقد الإسلام والعراق رجلا كان شعلة من وعي وعلم وإيمان وبصيرة وثورة وحركة دؤوبة كان له فضل حمل ثورة العراق التي رعاها الإمام السيد محسن الحكيم وفجرها الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليهما لينطلق بها في مرحلة من أصعب المراحل في تاريخ العراق المعاصر، إن ظروف العمل الثوري التي خاضها الشهيد الحكيم (ره) كانت مليئة بالتحديات الداخلية والخارجية وكانت تتطلب وعيا كبيرا وهمة عالية و (حركة دؤوبة) وقدرة على إستيعاب وإحتواء الآخرين في أجواء ملبدة بالمماحكات والمؤآمرات وقلة وعي البعض وقصر نظرهم، وكانت هذه الخصال

والمزايا وغيرها الكثير متوفرة في شخص الشهيد الحكيم (ره) وهو يحمل ثقل المرجعية وإرثها وتاريخها وزعامتها وحكمتها وثورتها. الشهيد الحكيم (ره) أحد أبرز أنجال مرجع الطائفة الإمام السيد محسن الحكيم المبرزين جميعا بل لعلي أراه في مقدمتهم حضورا أيام مرجعية والده المقدس أو بعدها، وهو الذي كان في مركز الحوزة العلمية المباركة وفي مركز التحرك الإسلامي المقاوم، وفي مركز حلقة واسعة من العلاقات العامة مع مختلف الشخصيات والتوجهات والطبقات الإجتماعية وكان (ره) على الرغم من ثقل هذه المسؤوليات وتعددها قادرا على إدارتها بجدارة وبأفضل الطرق التي خرجت بنتائج مثمرة جدا.
آمن الشهيد الحكيم بقدرات العراقيين وقابلياتهم العالية كما آمن من قبل بتاريخهم الحافل بالتضحيات الجسام وكان يقدر معاناتهم وهو يلهج بذكرها بما يتحملون من آهات وأوجاع خصوصا في أعوام الحصار الإقتصادي الجائر، كان رضوان الله عليه يفصل بين الشعب العراقي المظلوم والنظام البعثي الظالم ويؤكد على هذه الحقيقة في كل مكان ومناسبة، ويطالب بعدم تحميل العراقي فوق طاقته فالعراقي يتحمل جور النظام وجوع الحصار وهو يحمل سلاح المقاومة بقوة وعزة وإقتدار ..

رحل الشهيد الحكيم رضوان الله عليه إلى جوار ربه راضيا مرضيا ليلتحق بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين والشهداء الميامين في الفردوس الأعلى ..

رحل (ره) ليلتحق مع من سبقه من الشهداء أخوته وأبناء عشيرته وربعه وجيرته ومن عمل معه على طول مسيرة جهادية حافلة .. لكنه ترك من بعده كما كل الشهداء رضوان الله عليهم إرثا كبيرا من الدروس والعبر، لقد ترك الشهيد الحكيم فكر الشهادة وسلوك الشهادة حيا بيننا وكان هو المثل في ذلك ..

تأتي ذكرى شهادة شهيد المحراب سماحة آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه ونحن أحوج ما نكون لفكره وسلوكه وهو: يرأب الصدع، ويطبب الجراحات، ويضع الأمور في نصابها الصحيح .. ونحن أحوج ما نكون: لإيثاره، وتواضعه، وتقديره لمصلحة العراقيين جميعا .. ونحن أحوج ما نكون إلى: طريقته وهو يطوي الشجى، ويغض الطرف عن كثير لكي تمضي المسيرة على ما يرام.
السلام عليك يا شهيد المحراب يوم ولدت في حجر المرجعية المباركة وترعرعت بين خمائلها العطرة فزهرت نبلا وشجاعة وعلما وعملا للإسلام العظيم والسلام عليك يا شهيد المحراب يوم أستشهدت إلى جوار جدك المرتضى على بقعة مباركة في يوم مبارك ومن أجل قضية مباركة وأنت تتعبد الله تبارك وتعالى بخدمة الناس وقضاء حوائجهم وإرشادهم إلى الطريق الصحيح والسلام عليك يا شهيد المحراب يوم تبعث حيا تقتص من الظالمين الذين ظلموك وظلموا آلك وشعبك .

شاهد أيضاً

السوداني يشدد على ضرورة توحيد مسارات العمل العربي والتنسيق المشترك لدعم السوريين

شدد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على ضرورة توحيد مسارات العمل العربي والتنسيق المشترك لدعم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *