الشهادة والتسبيح

الشيخ محمد الربيعي

ونحن نجدد العهد عاما بعد الآخر بالوفاء والدعاء والاحتفاء بشهدائنا الأبرار ( ابو مهدي المهندس ، والحاج قاسم سليماني ، و شهداء المقاومة ) ، حماة الوطن ودرعه المتين وسيفه البتار الذى لا يتردد لحظة فى بذل الروح والدم فداءً لوطنه، لنحتفل بيومهم يوم الشهيد ونتذكر أبطالنا الكثر الذين أسلتمت أرواحهم لبارئها وتخلدت ذكراهم بقلوبنا وعقولنا وسجلات تاريخنا المشرفة.
محل الشاهد :
السؤال الذي احب اطرحة ان السيدة فاطمة الزهراء ( ع ) لماذا جعلت مسبحة ذلك التسبيح ( تسبيح الزهراء ( ع ) ) المهدى لها من ابيها الخاتم محمد ( ص ) من خرز مصنوعة من طينة قبر الحمزة بن عبد المطلب ( ع ) ؟!
استنتاجا بسيطة من بابا الاطروحة نقول :
والذي يعني ان السيدة الزهراء ( ع ) ارادت ان يكون هناك رمزاً نتخذ منه قدوة ، واسوة حسنة في تطبيق مضمون التسبيح ، فهو الفداء ، والتضحية … وهنا تجد فاطمة الزهراء عليها السلام حين اخذت درس هذا التسبيح من أبيها الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، انطلقت به إلى قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عليه السلام وحين وصلت إلى القبر ، جلست تصنع حبات لمسبحتها من تراب قبر الشهيد ، اجل .. فاطمة تصنع مسبحة من تراب قبر الحمزة من اجل ان تعبق حبات هذه المسبحة برائحة الشهادة ، وتتضوع بعطر الشهيد الذي أقدم الفداء والتضحية ، من اجل الحق ، من أجل ان يحيا الإنسان في أمن وطمأنينة ، من اجل ان يعبد الناس رب العالمين في حرية ودون اكراه .. من اجل اعطاء الناس حرية وحقا وعدالة اجتماعية .. من اجل ان يندحر الظالمون ، وينهزم المستكبرون ويذل الطغاة في الأرض .
وفاطمة الزهراء ، هنا تعطي الصلاة بعدا جهاديا تربويا ، انها تعطي العبادات ابعادا توعوية تزيد في رشد الأمة ، وتنقص من غبائها وبلادتها ، نعم انها مسبحة للصلاة ، ولكنها ليست مسبحة جامدة فيها حبات من الطين … كلا .. انما هي مسبحة مصنوعة من تراب ممزوج بدم الشهادة ونور الولاية .. وهذا هو الذي يجعل للصلاة معنى وقيمة ووزنا .
ومن هنا جاءت فكرة السجود على تربة الحسين عليه السلام في الصلاة وذلك حتى نتذكر دائما ان الصلاة لا تقوم في الأرض إلاّ بدماء الشهداء حيث : لا يسلم الشـرف الـرفيع مـن الاذى * حــتى يــراق عـلى جـوانـبه الدم…..
محل الشاهد :
من كل ذلك نخرج بحصيلة نافعة مفادها :
ان الشعائر الفارغة لا تؤدي دورا نافعا في الحياة … بخلاف الشعائر المليئة بالمضمون ، والمحتوى فانها تبني الحياة وتسعد القلوب ، وتربي النفوس ، وهي بعد ذلك قائمة على التقوى ، وملاكها طهارة القلوب وصفاء النفوس .
ولهذا نجد الزهراء ، حولت الشعائر الاسلامية إلى سلوك يتحرك في اعماق الإنسان ، وبين يديه ومن خلفه .. ان فاطمة حركت الشعائر في القلوب واعطتها قوة دفع كبيرة يوم استطاعت ان تحرك العواطف ، وكثيراً من المشاعر ، وتغذي العقول بفصاحتها وبلاغتها وقوة بيانها . فهي لم تحرك مشاعر الذين عاصروها ، بل وأيضاً استطاعت ان تؤثر في كل الاجيال ، وفي الشعوب كافة بحيث اصبح اسمها رمزا للفداء والتضحية والبطولة والعظمة . نعم ، عندما يكون للشعار مضمون ، فهذه كانت نظرة الزهراء الثاقبة في التسبيح .
نجد ان الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام قد حاولت هذا الشعار إلى سلوك يومي ، وذلك عندما علمها أبوها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا التسبيح ، ذهبت إلى قبر الحمزة بن عبد المطلب .. وأخذت تصنع من تراب قبره حبات لمسبحتها لتدير بها هذا التسبيح . ومعنى ذلك انها اعطت الشعار محتوى ومضمونا ، ومعنىّ ، أي انها جعلته شعارا حيا ، وليس مجرد كلمات تتحرك بها الشفاه واللسان ، دون ادراك ولا اسيتعاب .
ان التسبيح هو تنزيه الله عن البعث ، انه تسبيح يؤكد الحكمة التي اقامهاالله عزوجل عليها الكون والحياة والإنسان .. والشهادة هي قمة هذه الحكمة .. أي ان الشهيد قد بلغ حداً من الحكمة والكمال ليس بعده حد .. وهذه هي الفلسفة ،والرشد ، الذي تريده الزهراء ، انه امتزاج بين التسبيح وبين دماء الشهداء . ان الصلاة من دون دم الشهيد لا تساوي شيئا . او قل ؛ لولا الشهداء لما قام لهذا الدين عمود ، وحمزة هو سيد الشهداء ، طبعا قبل واقعة الط ، وقبل مجيء يوم عاشوراء ، فلما جاء يوم عاشوراء ، يوم الحسين ، اصبح الحسين عليه السلام هو سيد الشهداء ، كما انه سيد شباب أهل الجنة ، وسيد الاحرار في العالم ، انه احتكاك فكري ، وحضاري بين التسبيح وبين دماء الشهداء ، وهذا هو الفارق الذي تنفرد به الحضارة الاسلامية عن غيرها من حضارات خاوية فارغة ، ونحن حينما نصلي على تربة الحسين ، فاننا نقيم هذا المعنى في القلوب ، وهو : ان الصلاة لا تقوم إلاّ بالشهادة ، وذلك نخاطب الحسين في الزيارة ؛ اشهد انك قد أقمت الصلاة » أي اشهد انك بشهادتك قد أقمت الصلاة ، وحفظتها من الضياع ، وانت قد أقمت الصلاة بأهدافها ومبادئها قبل مصرعك ، وقبل يوم شهادتك ..

وهنا اود ان اتوقف معكم لحظات نتأمل من خلالها هذا الحديث العظيم اذ لا شك ان ذهابها إلى قبر سيد الشهداء الحمزة بن عبد المطلب الذي هدّ مصرعه قلب النبي فقال في تأبينه : ما وقفت موقفا أغيظ علي من هذا الموقف حيث كانت هند زوجة ابي سفيان قد قامت بأبشع جريمة يمكن ان تقوم بها امرأة في مثل وضع هند آكلة الاكباد ، اذ شقت صدر الحمزة واخرجت كبده وارادت ان تمضغها فحولها الله إلى حجر في فمها فلفظتها ، ثم فلفظتها ، ثم جدعت انفه ، واذنه ، وقطعت اعضاءه وشوهت صورته النورانية بوحشية وحقد يظهران نكسة الشر في طبعها ، والدناءة والخباثة القابعة في داخلها ، والمعروف ان الحمزة بن عبد المطلب ، ويوم شهادته في احد ، كان صائما فأفطر في الجنة مع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح على روحه الطاهرة ، فهو يومذاك كان يمثل قمة الشهادة ، وسيد الشهداء ، لانه قتل يوم احد ، وأحد قبل يوم كربلاء بقرابة خمسين عاما من الزمن ، ومعنى ذلك الحمزة كان سيد الشهداء بحق ودون منازع ، فماذا يعني بالنسبة لنا ذهاب فاطمة إلى قبر الحمزة سيد الشهداء احد ؟ … ان فاطمة عندما تذهب إلى قبر الحمزة ، وتصنع مسبحة من التراب الممزوج بدم الشهادة ، فانها تعطينا درساً بليغا في ان اشعار وحده لا يبني مجتمعا ، ويقيم امة ، وانما لابد للشعار من محتوى عملي ، ومنهج تطبيقي ، وبكلمة .. لابد للشعار من ممارسة فعلية وذلك ان الشعار لابد له من هدف يتجه نحوه ، ومن دون هدف ، يغدو تافها لا يثير دهشة احد ، ولا يشد انتباه احد ، ولايربط على قلب احد .
واقبح ما يكون ان يرفع الإنسان شعارا يخالفة ، ويعمل ضده ، يقول القرآن الكريم في هذا المضمار : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم ) ، ولذلك كان ولايزال ملاك الشعائر وتطبيقها .. واصبح تعظيمها يعني العمل بها .. ولا يطبقها إلاّ من امتحن الله قلبه للتقوى ( ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ) .
وللفائدة أقول :
إنه لا فرق بين الشعار والشعيرة في هذا الموضوع بالذات .. فالشعار جمعه شعارات والشعيرة جمعه شعائر ، وكلها تصب في نهر واحد ، لأنّ الغاية من ذكرها هنا تحقيق غاية سامية ، وهدف شريف رباني واذا كان الشعار وحده لا يبني مجتمعا خاصة ، اذا كان خاليا من محتوى ، فان اهداف الشهادة هي المضمون الجيد للشعار ، وهي المحتوى الراقي لشعائر الله والتسبيح معناه التنزية لله من كل عبث في الكون
والحياة والإنسان ، واذا كان التسبيح معناه التنزيه ومعناه معرفة الله ، فمن ـ يا ترى ـ ينزه الله ، ويعرف اكثر من الشهداء ؟ ان الشهيد يشكل قمة حضارية عالية في معرفة الحق سبحانه وتعالى ، ولذلك صنعت فاطمة حبات المسبحة من تراب اقدس شهيد هوى إلى الأرض بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويكفي ان الزهراء حين تصلي وتسبح الله في صلاتها ، تتمثل صورة الشهادة في انصع اشكالها ، واروع معانيها امام عينيها وكفى بذلك فخراً وتربية وارتفاعا في سماء الجد ، وآفاق السماحة والشجاعة ، والفصاحة والمحبة في قلوب المؤمنين ، من هنا جاءت فكرة السجود على تراب كربلاء ، لأن ّ تراب كربلاء تضمن جسد الحسين عليه السلام .. ومن هو الحسين ؟ الحسين بن رسول الله … الحسين اب فاطمة .. الحسين الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « حسين مني وأنا من حسين احب الله من احب حسينا » علما بان الرسول قال : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » . فالسجود على الأرض وترابها سنة شريفة متبعة في سيرة النبي الاكرم .. ونحن عندما نسجد على قطعة من تراب كربلاء ونحتفظ بها في جيوبنا فان ذلك يرمز إلى شيئين :
الأوّل : اننا نطبق سنة شريفة جارية ، وهي السجود على الأرض وفقا لتعاليم الحبيب المصطفى .
والثاني : اننا نتذكر الحسين دائما الذي كان اقرب الناس إلى قلب جده رسول الله ، والذي كان يوم عاشوراء يلبس جبة النبي ، وعمامته .. والقرآن الكريم يقول : ( ما أتاكم الرسول فخذوه ، ومانهاكم عنه فانتهوا ) .
وقد أتانا النبي بالحسين وأهل بيته ، فقال : « حسين مني وانا من حسين احب الله من احب حسينا » . فكما ان الزهراء ، تريد ان تجعل اهداف الشهداء نصب عينيها حين تصنع سبحة لها من تراب قبر الشهيد ، كذلك نحن نريد ان نتذكر اهداف الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ حين نصلي على قطعة من تراب ارض كربلاء المقدسة .
اذن ففاطمة الزهراء بذهابها إلى قبر الحمزة ، اعطت شعيرة للتسبيح هذه دفقا معنويا ، وحياة ، وعطاء تربويا ، لا حدود له ، هذا بالاضافة إلى انها علمتنا كيف نتعامل مع شعائر الله ، وكيف نحول الشعار إلى
سلوك عملي نمشي به في الناس
فاطمة الزهراء عليها السلام لتدرك جيداً ان هذا الشعار الذي اخذته من النبي لايمكن حفظه إلاّ بالتضحية ، والشهادة ولذلك قامت بخطوة تكريمية للشهداء ، وهي انها جعلت من تراب قبر الشهيد حبات لمسبحتها ، لتدير عليها هذا المنهج الملائكي النوراني الذي سمي : تسبيح الزهراء

فسلام على الشهداء السعداء بدائرة وساحة القدسية بمدح سيدة النساء ..
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه

شاهد أيضاً

وزارة الداخلية : إصدار أحكام الإعدام بحق (82) تاجر مخدرات في العراق

كشفت وزارة الداخلية تفاصيل عملية الردع الرابعة الخاصة بمكافحة المخدرات والتي أطاحت بـ116 متاجرا دوليا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *