بعد مرور أكثر من شهر على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تكبدت حكومة بنيامين نتنياهو خسائر فادحة على المستوى السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي، ما يمنعها من استكمال عدوانها لفترة أطول.
وقال مراقبان إن خسائر “إسرائيل” الاقتصادية ضربت جميغ القطاعات الصناعية والسياحية والتجارية، إضافة إلى سقوط منتظر لحكومة نتنياهو سياسيًا، وانعدام الثقة الجماهيرية في الداخل والدولية في الخارج بعد الكشف عن كذب الادعاءات بحق فلسطين، وبعد مشاهد الدمار والخراب والقتل للمدنيين في القطاع.
وقدرت وزارة المالية الإسرائيلية خسائر إسرائيل في حربها على قطاع غزة بـ 50 مليار دولار، فيما تستمر في الارتفاع، مع احتمالية انزلاق إلى ركود، وفقا لـ”العربية”.
قال الدكتور عماد عكوش، الخبير الاقتصادي اللبناني، إن استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة يستنزف الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير، وفي كافة القطاعات الاقتصادية، بدءًا من القطاع السياحي الذي توقف بشكل شبه كامل، بعد أن كان يضخ 7 مليارات دولار.
وبحسب حديثه “تشهد إسرائيل كذلك تراجع قطاع النقل الجوي والبحري والبري، بنسبة تتجاوز 70%، حيث هناك أكثر من 42 شركة طيران علقت رحلاتها إلى إسرائيل أو قامت بتقليلها إلى الحد الأدنى، كما تم تقليل رحلات شركات الطيران الإسرائيلية نتيجة ارتفاع كلفة التأمين ضد مخاطر الحرب، مما اضطر الحكومة إلى التدخل وتقديم ضمانات بقيمة 6 مليارات دولار للشركات المحلية”.
وأوضح عكوش أن القطاع الزراعي هو أيضا شهد تراجعًا كبيرًا، نتيجة توقف هذا القطاع في غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة عند الحدود مع لبنان، وهذه المناطق تنتج أكثر من 80% من الخضراوات، وأكثر من 40% من الفواكه ومنتجات الحليب والدواجن، مؤكدًا انعكاس الحرب على القطاع الصناعي في إسرائيل والذي تأثر بشكل كبير نتيجة استدعاء أكثر من 300 ألف من الاحتياط وهم بمعظمهم يعملون في هذا القطاع.
كيف تؤثر الحرب في غزة على الاقتصاد الإسرائيلي
ويرى أن هذه التأثيرات ظهرت بشكل كبير وانعكست على تدهور سعر العملة الإسرائيلية والتي وبالرغم من تدخل المركزي الإسرائيلي وبشكل كبير تجاوز 30 مليار دولار إلا أن انخفاضا في سعر الشيكل تجاوز 7%، إضافة إلى الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها بورصة تل أبيب وخاصة في المؤشر الرئيسي حيث تجاوزت الخسارة 20 مليار دولار، والخسارة الكبيرة في قيمة أكبر خمس مصارف تعمل في الأراضي المحتلة والتي تجاوزت 25 مليار دولار.
وأكد أن هذه الخسائر ستتزايد مع استمرار الأعمال الحربية والتي ستزيد عليها كلفة المجهود العسكري، مؤكدًا أن حكومة نتنياهو ليس لديها أي جهد على الاستمرار في المعركة لمدة تتجاوز الشهرين لأن انعكاسها سيتكرس من خلال الهجرة المعاكسة لكل من الإسرائيليين وللمستثمرين الذين سيبحثون عن أماكن أكثر أمانا لاستثماراتهم.
سقوط سياسي ودولي
بدوره، اعتبر الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، أن تل ابيب تعرضت إلى الكثير من الخسائر منذ عملية طوفان الأقصى التي هزت أركانها بشكل غير مسبوق للمرة الأولى، وعلى جميع الصعد البشرية والسياسة والاقتصادية وغيرها.
وقال في حديثه، إن الخسائر البشرية الإسرائيلية كبيرة جدًا، حيث قتل المئات من الجنود الإسرائيليين في هذه الحرب، وجرح الكثيرون، وبنيامين نتنياهو تحدث عن أرقام رسمية بإصابة 260 جنديًا 100 منهم في حالة خطيرة، وعشرات من القتلى، وخسائر فادحة في الأرواح.
وأكد أن الخسائر على المستوى الاقتصادي تتعلق بإصابة الشلل لكافة قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والتعليم والزراعة وكافة المرافق الحكومية منذ اللحظة الأولى لإعلان الحرب، إضافة إلى هروب رؤوس الأموال، حيث قدرت الخسائر الاقتصادية داخل إسرائيل بعد شهر من الحرب بـ 60 مليار دولار.
أما على مستوى البنية الاجتماعية، هناك هروب لأكثر من 120 ألف مستوطن كانوا يقيمون في غلاف غزة، حيث فروا من هناك إلى تل أبيب والداخل الإسرائيلي، أو إلى الخارج، إضافة إلى عدم ثقتهم في حكومة نتنياهو بسبب الإجراءات التعسفية والاستفزازية بحق المجتمع الإسرائيلي، من قبل المتطرفين الذين حاولوا الاستيلاء على سلطة القضاء من خلال القوانين التي يتم إقرارها في الكنيست.
وفيما يتعلق بالمستوى السياسي والدولي، قال شعث، إن نتنياهو وحكومته انتهوا سياسيًا منذ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والإطاحة بهم سياسيا مرتبط فقط بانتهاء الحرب، فيما عرف العالم أجمع كذب إسرائيل فيما يتعلق بقتل الأطفال واغتصاب النساء، وظهرت للعلن الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين من الأطفال والنساء، غير المسبوقة في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، التي تمنع قصف المستشفيات والمباني السكنية والتهجير القسري للسكان بالقوة وتعتبرهم جرائم حرب.
وأنهى حديثه قائلًا: “بات من المؤكد أن كافة الخسائر التي مني بها جيش وحكومة إسرائيل لا تمنحه مزيد من الوقت للبقاء على هذه الأرض، طالما أنه يتنكر للحقيقة وللقانون الدولي، ومقررات الشرعية الدولية التي تقر بشكل قطعي بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية”.
وشنت “إسرائيل” بدعم أمريكي وغربي هجوما بريا وجويا مدمرا على قطاع غزة بعد أن عبر عناصر من حركة “حماس” قطاع غزة إلى المستوطنات الإسرائيلية المجاورة في 7 أكتوبر الماضي، ما أسفر عن مقتل 1400 شخص واحتجاز نحو 240 آخرين كأسرى.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن عدد الضحايا في قطاع غزة وصل إلى أكثر من 11 ألف شهيد وأكثر من 27 ألف مصاب حتى اليوم الجمعة، نحو 40% منهم من الأطفال، وسط تصاعد الأزمة الإنسانية.
والأربعاء الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن عدد المدنيين الذين قتلوا في غزة يظهر أن هناك خطأ ما بشكل واضح في العمليات العسكرية الإسرائيلية.