بعد طوال انتظار وتذبذب بالأسعار، يخفق الدولار في اختبار الدينار، لتتمكن الحكومة مؤخرا من السير باتجاه دعم الدينار وفرض السعر الرسمي، خطوات باتت منتظرة في الشارع العراقي وسط ترقب مستمر لبورصة الأسعار التي تشي بسيطرة جديدة على الدولار، حيث أعلنت الأجهزة الأمنية، اليوم الإطاحة بـ”أخطر المضاربين” الذي يتحكم بعشرات ملايين الدولارات.
الأمن الوطني يعلن القبض على “أخطر المضاربين” الذي يتحكم بعشرات ملايين الدولارات
قال جهاز الأمن الوطني، اليوم الأربعاء، إنه ألقى القبض على ما وصفه بـ”أخطر المضاربين” والمهرّبين للدولار في العراق، فيما أشار إلى أنه كان يتحكم بعشرات ملايين الدولارات يوميًا.
ووفق بيان صادر عن الجهاز واطلعت عليه” الغدير”، فإنه “تنفيذًا لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء – القائد العام للقوات المسلحة بمتابعة ملف تهريب العملة والمضاربة بها واستكمالًا لسلسة العمليات النوعية والضربات الموجعة التي ينفذها جهاز الأمن الوطني ضد عصابات الجريمة المنظمة التي تسعى لتخريب الاقتصاد الوطني، والإضرار المباشر بحياة وأمن المواطنين، وبعد جهد استخباري وميداني نُعلن عن إلقاء القبض على أحد أخطر المتورطين بملف تهريب العملة عبر إدارته لأكثر من مصرف ومؤسسة مالية”.
وقال الجهاز في بيانه، إنّ “العملية جرت وفق إجراءات قضائية أصولية بعد محاولة المتهم الهروب إلى خارج البلاد”.
ويمتلك المتهم ـ وفق البيان ـ “عدة مصارف لديها تعاملات مع العديد من شركات الصيرفة، كانت تتحكم بتداول عشرات الملايين من الدولارات يوميًا خارج السياق القانوني”.
جهاز الأمن الوطني دعا كافة المواطنين إلى دعم حملته في “ملاحقة المتلاعبين بالاقتصاد الوطني من خلال الإبلاغ عن أية حالة مشبوهة عبر الاتصال بالخط الساخن المجاني 131، أو عبر المنصات الرسمية للجهاز”، مؤكدًا على التعامل “مع المعلومات بسرية ومهنية عالية”.
وبعد التواصل مع جهاز الأمن الوطني، تعذر عن ذكر اسم المتهم، لحين إكمال التحقيقات معه.
وبحسب خبراء، فإن هناك مجموعة من المضاربين لديهم تنسيق وتعاون فيما بينهم وهم من يسيطرون بسعر صرف الدولار سواء بالصعود أو النزول.
*من هم المضاربون؟
تتوالد فئة جديدة في سوق التجارة العراقي، وهم كبار المهرّبين والمضاربين بسعر صرف الدولار في بغداد والمحافظات الأخرى.
وتحول موضوع سعر صرف الدولار الى معركة بين الدولة التي تصر على إكمال إصلاح النظام المالي والمصرفي من جهة، ومجموعة من المضاربين والمهربين من جهة اخرى، وفقا لوصف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.
والمضاربون بالدولار هم الأفراد أو الكيانات التي يشترون ويبيعون الدولار أو العملات الأجنبية بصورة سريعة ومتكررة بهدف تحقيق ربح من تقلبات أسعار الصرف.
وتشمل هذه الكيانات البنوك، والشركات المالية، والمستثمرين الفرديين، وحتى بعض المؤسسات الحكومية في بعض الأحيان. وتسعى هذه الكيانات إلى استغلال الفروق في أسعار العملات الأجنبية لتحقيق أرباح سريعة.
وهناك تأثير كبير للمضاربين بالدولار على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، وبسبب التقلبات في أسعار النفط والظروف الاقتصادية والسياسية غير المستقرة، تأثرت قيمة الدينار العراقي بشكل كبير.
*أزمة الدولار في العراق
وقرارات يومية، بدأت تصدر من قبل الحكومة والبنك المركزي، بهدف السيطرة على سعر صرف الدولار في السوق المحلية، وقد أثمرت عن انخفاض “حذر” للسعر، لنحو 155 ألف دينار لكل مائة دولار.
الانخفاض الحذر، جاء بالتزامن مع حزمة جديدة من القرارات، ولعل أبرزها منح موافقة لاستيراد الدولار لثلاثة مصارف أهلية، فضلا عن توجيه رئيس الحكومة المصارف العراقية بتطوير النظام المصرفي ومنحهم مهلة للتقييم، إلى جانب تعزيز الأرصدة بعملات أخرى.
اليوم الأربعاء، كشف مصدر حكومي، أن البنك المركزي أصدر خلال اليومين الماضيين، موافقات رسمية لثلاثة مصارف أهلية عراقية لاستيراد الدولار الأمريكي لتلبية حاجة زبائنهم من هذه العملة وبمبالغ تصل الى 100 مليون دولار، وأن شحنة أحد المصارف قد وصلت فعلياً للعراق.
كما بين أن المصرف العراقي للتجارة (TBI) يجري مناقشات مهمة حالياً مع عدة شركات دولية لنقل مبالغ تصل الى 120 مليون دولار، وهي في طريقها للإنجاز خلال الأيام القليلة المقبلة.
لماذا انخفض سعر صرف الدولار؟
عزا الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، انخفاض سعر الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي إلى ما أسماه بـ”معنويات السوق الجيدة والتوقعات المتفائلة”.
وقال المرسومي في تدوينة تابعتها “الغدير”، إن “معنويات السوق الجيدة والتوقعات المتفائلة المرتبطة بالاتفاق بين البنك الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي العراقي على توليفة من السياسات والإجراءات، هي التي كانت وراء ارتفاع سعر صرف الدينار مقابل الدولار مؤخراً حتى وصل الدولار إلى 1560 ديناراً”.
وأضاف، “مع أن هذه الإجراءات لم يجر اختبارها على أرض الواقع لمعرفة مدى قدرتها في تضييق الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي ولذلك سيستمر سعر الدولار بالانخفاض لبعض الوقت ثم يستقر بعد ذلك ربما قريباً من 1500 دينار”.
إلا أن المرسومي توقع أن “يعاود سعر الدولار الارتفاع لأن المعالجات والإجراءات الأخيرة لم تعالج جوهر المشكلة وهي التجارة مع إيران وسوريا، ومشكلة المسافرين العراقيين إلى إيران وسوريا المحرومون من الحصول على الدولار بالسعر الرسمي”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أسباب أخرى وراء الارتفاع أسماها بـ”الثنائية القاتلة في العراق المتمثلة بوجود نظامين للضرائب والتعرفة الكمركية، ووجود المنافذ غير الشرعية، وضعف السيطرة على المنافذ الحدودية الرسمية، ووجود سلع لا يجري تمويلها عبر المنصة الإلكترونية وإنما من خلال السوق الموازي مثل المشروبات الروحية والسكائر والمخدرات”.
منذ قرابة سنة، وتحديدا منذ بدء عمل البنك المركزي بالمنصة الإلكترونية ونظام التحويل المالي الدولي “سويفت” (SWIFT)، لم تشهد أسعار صرف الدولار في العراق استقرارا رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي السيطرة على سعر الصرف في الأسواق الموازية (السوداء).
يذكر أن البنك المركزي العراقي أعلن في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2020 رسمياً عن تعديل سعر صرف العملة الأجنبية (الدولار الأميركي) لتكون 145 ألف دينار مقابل كل 100 دولار، وفقاً للموازنة العامة للدولة لعام 2021 التي أقرها مجلس النواب.
*مزاد العملة
وطوال السنوات السابقة، كان يتم بيع ما معدله 170 مليون دولار يومياً عبر ما يعرف بمزاد الدولار، والذي يشارك به تجار وبنوك وشركات، بدون حصول مراقبة لمُنتهى تلك الأموال التي تُصنف على أنها تجارة استيراد للسوق المحلية في أغلب الأحيان، أو حوالات خارجية، مع العلم أن الحاجة الفعلية للدولار في الأسواق ولدى التجار لا تتجاوز 50 مليون دولار يومياً، بحسب خبراء.
ولا يزال مزاد بيع العملة بالعراق يشكل واحدا من أكثر الملفات الاقتصادية غموضا في البلاد، وهو ما يؤكده العديد من السياسيين والاقتصاديين العراقيين الذين يرون فيه استنزافا للعملة الصعبة وأحد أبواب تهريب الأموال المسروقة أو المتأتية من الفساد.
واوضح الخبير في الشأن المالي والمصرفي ناصر الكناني، تأثير انخفاض وارتفاع مبيعات البنك المركزي في أسعار الدولار بالسوق المحلي. وقال الكناني، إن “انخفاض وارتفاع مبيعات البنك المركزي، بكل تأكيد له تأثير كبير ومباشر في سعر صرف الدولار بالسوق المحلي”، مستدركا بالقول “لكن هذا الانخفاض أو الارتفاع لا يؤثر إذا كان لأيام قليلة، لكونه يعتمد على الاستمرار في الارتفاع أو الانخفاض”.
وأشار الخبير في الشأن المالي الى، أن “مشكلة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي، ليس له علاقة بقضية نسبة مبيعات البنك المركزي اليومية، بل هذا الامر له علاقة باستمرار ارسال الحوالات السوداء الى خارج العراق”، مؤكدا انه “من دون إيقاف تلك الحوالات وإيجاد حلول لهذه المشكلة لا يمكن السيطرة على سعر صرف الدولار في السوق الموازي”.