الكاتبة اللبنانية || نازك بدير
من عوامل استنزاف العدوّ وشلّ قدراته وإجباره على الانكفاء عنصر الصدمة.
ولعلّ الأضرار الناجمة عن هزّاتها الارتداديّة أشدّ قسوة من لحظة حدوثها، وقد تفضي، كما يحصل اليوم، إلى خلخلة المنظومة الاستراتيجيّة وتهشيم محاولات كيّ وعي الجمهور.
تلجأ حكومة الكيان الإسرائيلي، والحال هذه، إلى إنكار الواقع وعدم الإقرار بفداحة الخسارة، إذ يكون وقْع الصدمة أعلى من القدرة على استيعابها، ثمّ تعمد شيئًا فشيئًا إلى فبركة مسميّات جديدة لتوهم مجتمعها، ومَن يدعمها، بإمكانيّة الخروج من حالة العجز التي زجّت نفسها في أتونها.
بعد مضيّ أكثر من ثلاثة وثلاثين يومًا على الحرب في غزّة، تزداد المحاولات لشدّ الخناق على الفلسطينيين.
لكن الوقائع الميدانيّة تشير إلى أنّ المقاومة الخبيرة بجغرافية المنطقة حاصرَتْ عدوّها، تكشَّفتْ نقاط ضعفه، “عطلّتْ” مفاتيح قوّته؛ آليّاته تُدمَّر، قوّاته في عِداد القتلى والأسرى والخائبين! الحرب التي أوقد أوارها “يُصْلى” بها، إذ كلّما تجرّأ على التقدّم بريًّا بضعة أمتار، وجدَ نفسه أسير نيران المقاومين، يلتحم معها من مسافة صفر، يباغتونه من حيث لا يتوقّع، ينبتون (كما العشب من بين مفاصل صخرة) موقعين في صفوفه خسائر فادحة.
أمّا الأساطيل الأميركيّة، فثمّة 23 أكتوبر آخر بانتظارها.
على إيقاع الضربات التي يتلقّاها الحلف الأميركي-الإسرائيلي في الأراضي المحتلّة وعلى الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة، والتحوّل النوعي في الأسلحة المستخدمة، وتوسيع رقعة المناطق المستهدفة، وتحقيق إصابات مباشرة فيها، جاء خطاب الثالث من تشرين الثاني في مرحلة مفصليّة حسّاسة، على درجة لا تقلّ أهميّة عن خرائط اقتحام قواعد العدوّ ومستوطناته.
كما تباغت حماس المحتلّ موقعةً خسائر فادحة في قوّاته، استطاع الخطاب أن يغرق العدوّ في المزيد من الشِراك التي كانت يتخبّط فيها مسبقًا، حين صرّح بما لا يستسيغه، وأضمر ما كان يرجو الإفصاح عنه، محقّقًا ما يشبِه الصدع في صفوفه.
الشعب لا ينتظر ما سيقوله بايدن أو بلينكن أو جنرالات الاحتلال عن مجريات اليوم الأوّل ل “غزّة ما بعد الحرب”.
والمقاومة لن تمنح العدو فرصة تذوّق طعم إنهاء المعركة وفاقًا للسيناريو الذي يرغب به. سيرورة المباغتة في اللحظة غير المتوقّعة هي التي تصنع المعادلات.