“ليس نكتة بل حقيقة”.. البطيخ الأحمر يخيف الصهاينة ويتحول رمزاً للنضال الفلسطيني

حضر البطيخ إلى المشهد السياسي من جديد، مع العدوان الصهيوني على قطاع غزة، بعدما كان قد تصدّره عام 2021، في خضم ما شهده حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية من أحداث، حتى أصبح رمزاً للنضال الفلسطيني ضدّ الاحتلال

بعدما صار رفع العلم الفلسطيني جريمةً تعاقب عليها قوانين دولٍ مختلفة من العالم، فيتعرّض للمصادرة ويُعاقَب حامله- وبعد الرقابة التي تمارسها إدارة شبكات التواصل الاجتماعي على المحتوى الفلسطيني، صار البطيخ بديلاً عن العلم.

وقد شهدنا ذلك في المظاهرة التي أقيمت في برلين ومدنٍ ألمانية أخرى، للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، والتي حظرت فيها الحكومة رفع العلم الفلسطيني.

البطيخ.. أيقونة التضامن مع فلسطين 

عام 1984، نشرت صحيفة “حداشوت” الإسرائيلية الخبر التالي: “أصدرت المحكمة المركزية في نتانيا حكماً على محمد تاية، الملقّب بمحمد بطيخ، من قرية قلنسوة في المثلث، بالسجن 5 سنوات، بتهمة بيعه بطيخاً يحمل ألوان منظمة التحرير الفلسطينية في الكشك الذي أقامه في مفرق بيت ليد”.

والخبر ليس نكتة، بل ينمّ عن غباء المحتلّ.

يقول الخبر، “تم القبض على محمد من قِبل الوحدة الخاصة لمكافحة الإرهاب، بتهمة بيعه البطيخ الذي يحمل ألوان العلم، أي الأخضر والأحمر والأبيض والأسود، وذلك وفق قانون منع الإرهاب. وقد عرض المدعي العام اللافتة التي علّقها محمد على كشكه، والتي حملت صورة سكين وبطيخة، وكتب عليها: عَ السكين يا بطيخ”.

وجاء في نهاية الخبر، “وقد طلب المدعي العام بأن تعاقب المحكمة المتهم أشدّ العقاب، لدعمه الإرهاب ولرغبته في القضاء على اليهود، وطعنهم بالظهر. ووافقت المحكمة على طلب المدعي العام، وحكمت بالسجن 5 سنوات على المتهم وغرامة مالية قيمتها 50 ألف شيكل”.

عقب أحداث الشيخ جراح في مايو/أيار 2021، أزال حرس جامعة روتردام للفنون -بالتعاون مع شرطة المدينة- لافتة رفعها الطلاب مرسوماً عليها العلم الفلسطيني، مع شعاراتٍ تدعو إلى وقف سياسة التطهير العرقي وتطالب بالحرية لفلسطين.

لم يحطّ ذلك من عزيمة طلاب الجامعة، وللالتفاف على قرار المنع، رفعوا لافتة بديلة مزيّنة ببطيخة ومكتوباً تحتها عبارة: “هذه ليست بطيخة”؛ في إشارةٍ واضحة إلى ألوان البطيخة التي تتشابه مع ألوان العلم الفلسطيني.

وفي يونيو/ حزيران 2023، أطلقت “زَزيم” -وهي منظمة للمجتمع العربي الإسرائيلي- حملةً احتجاجاً على الاعتقالات ومصادرة الأعلام التي تلت التصويت على مشروع قانون يحظر إظهار العلم الفلسطيني في المؤسسات التي تمولها الحكومة

وفي الحملة التي أطلقتها “زَزيم”، تم لصق صور البطيخ على أكثر من 15 سيارة أجرة في تل أبيب، وكُتب عليها: “هذا ليس علم فلسطين”.

هذا هو بالتحديد ما يحصل اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، والمستمر منذ 16 يوماً. فللتحايل على الخوارزميات وإيصال الصوت الفلسطيني بوجه السردية الإسرائيلية التي يتبناها الإعلام الغربي، يلجأ الناشطون إلى البطيخ للدلالة على فلسطين

كيف صار البطيخ بديلاً للعلم؟ 

تعود رمزية البطيخ إلى التكتيكات التنظيمية الفلسطينية قبل الانتفاضة الأولى، في الفترة التي سبقت اتفاقيات أوسلو عام 1993، خلال الحظر المفروض على العلم الفلسطيني. فحضوره كان بمثابة إشارةٍ إلى العلم وألوانه الأربعة، التي كانت ممنوعة من جانب الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا الإطار، توجد الكثير من القصص عن منع رفع العلم منذ احتلال 1967، حين كان مجرّد رفعه يُعتبر جريمة ويعرّض حامله للمساءلة والمحاكمة “القانونية”.

وفي حوارٍ مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، يقول الفنان الفلسطيني المقيم في رام الله بالضفة الغربية، خالد حوراني، إن الفن “يمكن أن يكون في بعض الأحيان سياسياً أكثر من السياسة نفسها”.

ولحوراني أعمالٌ كثيرة يتخللها رسمٌ للبطيخ؛ وفي مقالٍ كتبه لمؤسسة “الدراسات الفلسطينية”، يقول الفنان الفلسطيني إنه أول من بدأ بتنفيذ هذه الفكرة في سياق التهكم والسخرية من الاحتلال

ففي سبعينيات القرن الماضي، اجتمع ضابط إسرائيلي مع مجموعة من الفنانين كانوا يعتزمون تشكيل رابطة للفنانين، وهم: سليمان منصور، ونبيل عناني، وعصام بدر. جاء ذلك ضمن إطار البيروقراطية التي فرضها الاحتلال.

كان الجميع ملزماً بتقديم طلبٍ لتأسيس أي جمعية، أو نقابة، وتسجيلها.

وفي الاجتماع، يبلّغ الضابط الإسرائيلي الفنانين أنه يُمنع عليهم التحريض على الاحتلال، وأعطاهم لائحة بالرموز الوطنية الممنوع رسمها، من بينها العلم الفلسطيني أو ألوانه. فيسأله عصام بدر: “ماذا عن رسم وردة بألوان العلم؟”، ردّ الضابط: “ممنوع، وممنوع حتى رسم بطيخة”.

في مقال خالد حوراني، يروي الفنان الفلسطيني أنه استعار من هذه القصة فكرة عملٍ صدر له بعد الانتفاضة الثانية، بعنوان “علم البطيخ”.

ويقول، “عندما سمعت بالقصة من زملائي الفنانين واتتني فكرة رسم بطيخة، واستغربتُ أن أياً منهم لم يُنتج عملاً عن هذه القصة الطريفة. وفي سنة 2007 غامرت بعملٍ ساخر في إطار مشروع أطلس فلسطين الذاتي، ورسمت (العلم البطيخة)”.

وبالفعل، نُشر عمل حوراني في كتاب Subjective Atlas of Palestine، كجزء من فكرة تدور حول علم فلسطين الجديد، وذُكرت القصة فيه. وعام 2009، رسم بطيخة على حائط صالة عرض في مدينة تولوز الفرنسية بحجم ضخم، وكرر ذلك في العديد من المعارض الفنية.

انعكس ذلك في حملات التضامن مع فلسطين، واقعياً وافتراضياً. ففي حملة “أنقِذوا الشيخ جراح” سنة 2021، وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2023، ظهر البطيخ الفلسطيني -علماً وخريطةً- في اللوحات الجدارية (الغرافيتي) وتصاميم الغرافيك والرسومات على اللافتات في التظاهرات.

شاهد أيضاً

السوداني: عملنا بأموال محدودة أحدثت فارقاً في الخدمات والبنى التحتية

أكد رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، اليوم الاثنين، أن حكومته عملت بأموال محدودة لكنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *