زمزم العمران ||
قال تعالى : {وأنك لعلى خُلق عظيم}
هذا ماوصف به الله سبحانه وتعالى شخصية النبي الأعظم محمد صل الله عليه واله وسلم ، لنرى الوصف الآخر لكفيله وحاميه ،مؤمن آل قريش عمه ابو طالب ، حيث يصفه في أبيات شعرية ذات بلاغة ، وواقعية عظيمة ، سنأخذ منها بيتاً واحداً لنرى ماكان عليه هذا الانسان من خلق عظيم فيقول : “وأبيض يستسقى الغـمام بوجهـه ثـمال اليتـامى عصـمـة لـلأرامـل ” .
فقد كان هذا النبي حسب هذا الوصف مصدر الخير ، لأن الرمزية فالاستسقاء هي الخير والبركة ، وكذلك من الكفالة والمساعدة والملجأ والحصن لكل الارامل واليتامى في مجتمعه آنذاك ، الموصوف بعصر الجاهلية فقد كان يأكل القوي الضعيف ، ولم يُرعى فيه الحرُمات فكان الربى وخيانة الامانة والاعتداء على الجار ، هي شيم أهل ذلك الزمان بعث الله هذا الانسان المتكامل ، والذي ليس له نظير فالخلق اجمع ، وقد وصف بأنه أكمل الانبياء أتى برسالة عظيمة هدفها كما ورد في قوله صل الله عليه واله وسلم : ( أنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاقِ) ، فهذا هو سبب البعثة هو أن تكون هذه الامة وهي أمة النبي عليه وآله السلام أمة في الخلق والمُثل العليا قبل كل شيء .
نذكر الحادثة التاريخية التي حدثت في زمن النبي ، وهي قصة سفانة بنت حاتم الطائي والمسمى كريم العرب ، عندما دخلت مجلس الرسول صل الله عليه واله وسلم ، عندما جيء بهم سبايا الى المدينة المنورة وادخل السبي على النبي صل الله عليه واله وسلم ، دخلت مع السبايا بنت حاتم الطائي فقالت : يامحمد هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فأن رأيت أن تُخلي عني ، ولاتشمت بي الاعداء ، من قبائل العرب ، فأني أبنة سيد قومه ، وأن أبي كان يحب مكارم الأخلاقِ ، وكان يطعم الجائع ، ويفك العاني ، ويكسو العاري ، وما أتاه طالب حاجة الا أتاه بها معززاً مكرماً ، فقال النبي صل الله عليه واله وسلم : من والدك ؟ ومن وافدك ؟ ، قالت : قالت والدي حاتم بن عبدالله الطائي ، ووافدي أخي عدي أبن حاتم ، فقال صل الله عليه واله وسلم : فأنتِ أبنة حاتم الطائي ؟ ، قالت : بلى ، فقال : ياسفانة هذه الصفات التي ذكرتيها ، أنما هي صفات المؤمنين ، ثم قال لأصحابه أطلقوها كرامة لأبيها لأنه كان يحب مكارم الأخلاقِ ، فقالت : أنا ومن معي من قومي من السبايا والاسرى ؟ ، فقال صل الله عليه واله وسلم : أطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها ، وأكراماً لهذا الخُلق الرفيع فقد وجدت سفانة وقومها أن هذا الدين الذي جاء به هذا العظيم ، يحمل اعظم المرتكزات الأخلاقية ، التي سمحت بها شريعة السماء السمحاء ، قالت وهي مطمئنة : أشهد أن لااله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله ، وأسلم معها بقية السبي من قومها وأعاد رسول الله صل الله عليه واله وسلم ، ماغنمه المسلمون من بني طيئ الى سفانة .
هناك مدرسة أخرى ترعرت على مفاسد الأخلاق ، الا وهي المدرسة التي تجلت بوضوح في واقعة الطف ، وكانت مصداق لأسوء الأخلاق ، فلم تراعي حرمة النساء والأطفال ، والمريض ، وتعاملت بكل وحشية وتجردت من انسانيتها ، حيث لم ترحم الطفل الصغير فقد أراقت دمه ، بدون جُرم يُذكر ، وسلبت أقراط الطفلة الصغيرة وبُتِرت أصبع الشهيد ، لكي تغنم خاتمه ، وقامت بِسوقَ نسائه ونساء الشهداء سبايا تحت سياط التعذيب ، مُنكرة ماخاطبهم به الأمام الحسين عليه السلام : (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون ) ، لقد كان هذا التعامل بمنهج أخلاقي فظ حتى قالوا ” لاتبقوا لأهل هذا البيت باقية ” .
هذا هو الصراع بين منهج الأخلاق واللاأخلاق ، فهل نحن اليوم واعيين لأي مدرسة ننتمي ؟ وهل رجعنا الى ماورد عن تلك المدرسة العظيمة في الصحيفة السجادية ؟ والتي وصفت بأنها زبور آل محمد ، حيث ذكر الأمام السجاد عليه السلام دعاؤه الخاص ، والذي يسمى دعاء مكارم الأخلاق لكي نُنهل منه لتربية مجتمع قائم على تلك الاسس الرصينة ، التي جاءت عن المعصومين عليهم السلام ، وأن لانتصف بصفات اخلاق المدرسة الثانية وهي مدرسة آل أمية ، حتى تكون مصداق في التعامل الحسن والاخلاقي حتى مع من يسيء الينا ، كما قال الشاعر : ” وحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضحُ ” .