حول تأثر السيد محمد باقر الصدر بجماعة الإخوان المسلمين

د. علي المؤمن |

اطّلعت مؤخراً على رأي للأخ الشيخ حيدر حب الله، يصف فيه آية الله السيد محمد باقر الصدر بأنّه كان متأثراً بجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، واستغربت جداً أن يستسهل الشيخ حب الله تكرار مثل هذا الافتراء، وكأنّه من المسلمات التي لا تحتاج إلى دليل وقرينة. وربما ليس هناك من تفسير لهذا الاستسهال، سوى تأثّر الشيخ حيدر المطلق بمرسلات الشيخ علي الكوراني وتحليلاته الشخصانية التي يتفرد بها، وهو الذي يتّهم أُستاذه الشهيد الصدر بالفكر الالتقاطي، والمعرفة المشوّهة بالتشيع، وبأنّه كان متأثراً بالمناهج السنية في قراءة التاريخ وفهم حركة أئمة آل البيت، كما يتّهمه بالتأثر بأفكار جماعة الإخوان المسلمين.

وإذا كانت مقولات الشيخ علي الكوراني قد لقيت ترحيباً من خصوم السيد محمد باقر الصدر وخصوم حركة الوعي والتجديد والإصلاح الإسلامي الشيعي المعاصر، كما انطلت على بعض المترددين والبسطاء، فكيف تنطلي على عالم محقق، معروف بالدقة والرصانة الفكرية، كالشيخ حيدر حب الله؟!

وقد دلتني إلى رأي الشيخ حيدر حب الله، رسالة وصلتني من الأُستاذ حسين رضا، من المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، هذا نصها:

((الدكتور المكرم السيد الفاضل علي المؤمن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..

تحية عطرة نبعثها إليكم من المنطقة الشرقية، أرض العلّامة الكبير الراحل الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي(رض). وفي هذه العجالة والأسطر الموجزة أبعث إليكم بسؤالي؛ لأنّكم الأجدر والأليق والأئمن على الإجابة، ولأنّك المختص الأقدر والألصق بحزب الدعوة الإسلامية والإمام الشهيد الصدر(قدس).

والسؤال ليس بغريب ولا هو بالأول مرة يطرح، ولكني أطرحه لغرابة من قائله، ألا وهو الشيخ حيدر حب الله، الذي نسب إلى الإمام الشهيد الصدر التأثر بجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، في مقام بيان مفارقة بينه وبين السيد موسى الصدر. وإليكم نص كلامه مع رابطه من موقعه الرسمي، وأملي الكبير أن ألقى الإجابة الوافية منكم، مع إيماني الأكيد بعدم صوابية هذه الدعوى، وأنّها بعيدة كل البعد عن شخصية عملاق ومفكر عميق وفقيه فذ ومبدع خلّاق بحجم الإمام السيد محمد باقر الصدر:

((ويقوم مشروع الصدر الثقافي والفكري على مبادئ دينية محدّدة، فلم يتأثر موسى الصدر ـــ خلافاً لابن عمّه الشهيد محمد باقر الصدر ـــ لم يتأثر فيما يبدو بالحركات الإخوانية في مصر أو حزب التحرير في بلاد الشام، ولا بالتيارات الثورية الإسلامية في إيران والعراق، ولم ينادِ بإقامة نظام إسلامي في لبنان، كما لم يكن من ضمن أولوياته تأسيس أحزاب دينية بالمعنى الذي بتنا نعرفه اليوم)).

ولكم مني جزيل الشكر ووافر الامتنان دكتورنا العزيز

حسين رضا)).

انتهت رسالة الأُستاذ حسين رضا.

وقبل الكشف عن تهافت الزعم المذكور، رجائي من الأخ الشيخ حيدر حب الله، وبإلحاح، أن يتحمل مسؤولية رأيه، ويظهر أدلته وقرائنه العلمية على تأثر السيد محمد باقر الصدر بجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب التحرير في الشام، وأن لا يكون الردّ عاماً وشكلياً.

وإلى الأُستاذ حسين رضا والشيخ حيدر حب الله، وعموم المهتمّين والمختصّين، أقول:

تزامن ظهور شبهة تأثر السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة الإسلامية بفكر جماعة الإخوان المسلمين، مع الهجمة الشرسة التي قام بها حزب البعث ضد حزب الدعوة خلال الأعوام 1971 و1972 و 1974؛ فكانت أجهزة المخابرات والأمن البعثية تروّج في أوساط المتدينين، وخصوصاً في النجف الأشرف، بأنّ محمد باقر الصدر والمعتقلين والمعدومين هم من جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بهدف خلق ردود فعل سلبية من الحوزة العلمية والشارع المتدين ضد خط السيد محمد باقر الصدر، وتسويغ حملات الاعتقال والإعدام والقمع، بل أنّ هذه التهمة هي أساساً من موروثات حزب البعث، قبل أن يصل إلى السلطة ويصطدم بالإسلاميين الشيعة، أي منذ أن اكتشف في أوائل الستينات وجود حراك إسلامي منظم جديد وفاعل في النجف الأشرف يتصدّره السيد محمد باقر الصدر؛ الأمر الذي دفع أحد أقطاب حزب البعث (وهو معمم من النجف) إلى الذهاب إلى المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم، ليحذّره من هذا الحراك الذي يتشبه بالإخوان المسلمين والفكر السني، وأنّه يشكل خطراً على النجف والحوزة. وحينها أجابه السيد الحكيم بلغة الحكمة والفهم العميق: ((وهل أنت أحرص من السيد محمدباقر على الحوزة والنجف؟)). وهو نفس ما قاله المرجع الخوئي لمحرضين آخرين: ((إذا كان السيد محمد باقر الصدر قد أسس حزباً فأنا أول من ينتمي إليه)).

إلّا أنّ تهمة تأثر الشهيد الصدر وحزب الدعوة بالسنة والإخوان،لم تتوقف عند هذا الزمن والموقف المرجعي الحازم، بل اشتد مع اشتداد حملات القمع والاعتقال والإعدام التي ظل حكم البعث يشنها ضد الإسلاميين الشيعة في سبعينات القرن الماضي. والمفارقة أنّ الشيوعيين في النجف الأشرف حينها، وتحديداً في فترة تحالفهم مع حزب البعث؛ كانوا يشيعون التهمة ذاتها، ويبدون حرصهم على التشيع والحوزة النجفية من الفكر الإخواني الذي يحمله السيد الصدر وحزب الدعوة!!

وخلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، بدأ بعض الكتّاب والخطباء والسياسيين المحسوبين على الحالة الدينية؛ من خصوم السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة، وخاصة في المهجر، الترويج لهذه المقولة؛ في إطار عملية الصراع التنافسي، والتسقيط السياسي. ولا يزال يرددها بعض المنتمين لتيارات إسلامية منافسة، أو بعض العلمانيين الذين يهدفون إلى إسقاط الحركة الإسلامية سياسياً، وعادة ما يستشهد هؤلاء بآراء السيد طالب الرفاعي والشيخ علي الكوراني في هذا المجال.

والحقيقة أنّ حديث الشيخ علي الكوراني بشأن تأثر السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين والفكر السني، ليس حديثاً موضوعياً ولا دوافعه موضوعية، بل هو حديث شخصاني، يعود الى ثأر قديم من السيد محمد باقر الصدر؛ بسبب عدم رضا السيد الصدر على تصرفات الشيخ علي الكوراني وأدائه خلال سبعينات القرن الماضي، حيث طلب حينها إبعاد الشيخ علي الكوراني من قيادة حزب الدعوة، إلّا أنّ الشهيد محمد هادي السبيتي (الرجل الأول في الحزب) كان يرفض تنحية الشيخ الكوراني من قيادة الحزب، كما رفض أيضاً طلب السيد كاظم الحائري والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين تنحية الكوراني، والسبب يعود إلى تشدد الكوراني في الإخلاص للشهيد السبيتي وفكره، وهو الذي كان يرفض الإعلان عن مذهبية الحزب وشيعيته.

كما أنّ للكوراني ثأر من حزب الدعوة أيضاً، يعود إلى خلاف الشيخ علي الكوراني الشديد مع حزب الدعوة بعد تنحيته من القيادة وإبعاده عن الحزب نهائياً في العام 1981، في أعقاب تسلّم ما عُرف بخط الفقهاء لقيادة الحزب، في أعقاب عزل خط الشهيد السبيتي عن الحزب، بينما ظل الشيخ الكوراني يقاتل في الأعوام 1979 وحتى 1981 للإبقاء على فكر السبيتي وخطه داخل الدعوة؛ كونه التلميذ المقرب للشهيد السبيتي، والملتزم بتعليماته التنظيمية وتوجيهاته الفكرية حرفياً في مقابل ما عُرف آنذاك بخط الفقهاء في الدعوة، الذي يتصدره السيد كاظم الحائري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري والسيد مرتضى العسكري وغيرهم، وهو الخط الذي أعاد كتابة فكر الدعوة، وأعاد الحزب إلى الفقه المذهبي، وجهر بانتماء الدعوة لمذهب آل البيت، وثبّت مبدأ ولاية الفقيه وقيادة المرجعية في نظريته، وهي مبادئ كان يرفضها خط الشهيد السبيتي منذ العام 1963، والذي كان الشيخ الكوراني رمزه والمقاتل من أجله خلال أزمة الخلاف بين الخطين.

وكثير من المعاصرين يعرفون جذور هذا الخلاف، والتي تعود الى العام 1963، وخاصة ما حصل بهذا الخصوص في بين الشهيد السبيتي ممثلاً القيادة في بغداد، والمرحوم الشيخ عبدالهادي الفضلي ممثلاً قيادة تنظيم الدعوة في النجف الأشرف. وبالتالي؛ فإنّ حديث الشيخ الكوراني عن تأثر السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة بالإخوان المسلمين، إن وُجد فعلاً، فإنّما يقصد به تأثر فكر المجموعة القيادية التي كان هو جزءاً منها، والذي كان يروّج له ويعدّه فكراً مقدساً وغير قابل للتعديل والنسخ، وذلك بالتزامن مع حملة استبعاد هذا الفكر كلياً بعد العام 1980، ولذلك؛ يعدّ الشيخ الكوراني عملية استبعاد هذا الفكر، واستبعاده هو شخصياً من الحزب، انقلاباً على الحزب وفكره وقيادته التاريخية. وهو بالفعل انقلاب فكري وتنظيمي؛ لأنّ الفقه السياسي الذي أنتجه الحزب بعد العام 1980، نسخ فكر ما قبل العام 1980، وهو الفكر الذي يعدّه الشيخ الكوراني فكراً متأثراً بجماعة الإخوان، والذي يتبنّاه هو وينتمي إليه، وكان يدافع عنه باستماتة.

والمفارقة المتصلة بهذا الموضوع؛ أنّ الشيخ الكوراني يرى أنّ الفكر الذي أنتجته الدعوة قبل العام 1980 هو فكر أصيل ويعبر عن نظرية الدعوة، وأنّ الفكر الذي أنتجته بعد العام 1980 لا يعبر عن أصالة الدعوة، ولا قيمة له، والحال أنّ فكر ما بعد العام 1980 يتبنى كل تفاصيل فقه مدرسة أهل البيت، بينما كان فكر ما قبل العام 1980 متأثراً بفكر الإخوان وبفكر الخلافة، كما يقول الشيخ الكوراني؛ فكيف تستقيم هنا إشكالاته؟!

وفي النتيجة؛ فإن رؤية الشيخ الكوراني شخصانية ثأرية لا علاقة لها بالحقيقة. ولديّ في أرشيفي حوارات خاصة مع السيد كاظم الحائري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري والسيد حسن شبر والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ عبد الهادي الفضلي وآخرين، أحجم عن نشرها، مراعاة للمصلحة العامة.

أمّا يقوله السيد طالب الرفاعي (أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية) بهذا الخصوص؛ فإنّه يذكر بأنّه والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الصدر كانوا خلال مراحل تأسيس حزب الدعوة يطّلعون على أفكار جميع الأحزاب وأنظمتها الداخلية، بما فيهم جماعة الإخوان وحزب التحرير والحزب الشيوعي وحزب الاستقلال، دون أن يعني ذلك حالة من التأثر الفكري إطلاقاً، ويقصد بذلك أنّهم كانوا منفتحين وليسوا طائفيين، وأنّ المرجع السيد محسن الحكيم كان يتعاطف مع قضايا المسلمين المظلومين من أتباع المذاهب الأُخر، سواء في فلسطين أو الجزائر أو مصر، وهو ما دفعه لاستنكار إصدار حكومة جمال عبد الناصر في مصر حكم الإعدام على سيد قطب أحد مفكري جماعة الإخوان.

وبغية مقاربة شبهة تأثر السيد الصدر وحزب الدعوة بفكر جماعة الإخوان المسلمين وجزب التحرير والمناهج السنية؛ أسجل الملاحظات التالية:

1 ـــ هناك مشتركات فكرية وحركية بين كل الفاعليات والجماعات الإسلامية؛ الشيعية والسنية، وهو أمر طبيعي؛ لأنّ معظم مصادر الفكر الإسلامي لدى المسلمين هي مصادر مشتركة. ولذلك؛ من الطبيعي أن تكون هناك مشتركات فكرية وحركية بين المفكرين والفقهاء السنة ونظرائهم الشيعة، أو بين الجماعات السنية والجماعات الشيعية، وهي تدخل في إطار المشتركات الإسلامية الفكرية والحركية العامة، وليس على مستوى الفكر المذهبي الخاص، وهذه المشتركات لا تعني أنّ المفكر الشيعي الفلاني متأثر بذلك المفكر السني الكذائي أو العكس، بل لا يعدّ التأثر في المشتركات الفكرية العامة تهمة وعيباً وانتقاصاً.

2 – إذا قرأنا تفاصيل الفقه السياسي للسيد الصدر وحزب الدعوة؛ سنجد أنّهما يمثلان في العقيدة والفقه خطاً شيعياً إمامياً بامتياز، بدءاً بأصل الإمامة وبكل ما يتفرع عنه من تفاصيل ترتبط بالنصب الإلهي للأئمة بالاسم، وعصمتهم، ثم بقيادة المرجعية أو ولاية الفقيه للأُمّة في عصر الغيبة. أمّا حزب التحرير وجماعة الإخوان فإنّهما يدعوان إلى دولة الخلافة، وفق القواعد التقليدية للفقه السياسي السني.

3- هناك مشتركات في قضايا التنظيم والإدارة التنظيمية والهيكليات الحزبية بين الجماعات العلمانية والإسلامية. وتجد هذا أيضاً بين الأديان والمذاهب والآيديولوجيات البشرية والدول دون استثناء، وهو ما يسمى المشترك العام بين البشر، ولا ضير في هذا التأثر والتأثر إطلاقاً.

4- إنّ من البديهي أن تتعاطف المرجعية الدينية والجماعات الشيعية الحركية مع قضايا المسلمين من المذاهب الأُخر، ولا سيّما التي فيها مظلومية إنسانية، وهو ما يمليه الواجب الديني والإنساني. ولذلك، فإنّ تعاطف المرجعية الدينية النجفية والسيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة مع قضية إعدام سيد قطب لا يعني تبرأته من شطحاته الفكرية، بل هو تعاطف مع مفكر مسلم صدر بحقه حكم الإعدام من حاكم عسكري قومي.

5- على المستوى الواقعي؛ لم يكن للسيد الصدر صداقات ولاعلاقات بجماعتي الإخوان والتحرير، كما لم يكن أيّ من الشخصيات التي رافقت السيد الصدر في تحمل مسؤولية بناء حزب الدعوة وقيادته وكتابة فكره، منتمياً يوماً لجماعة الإخوان المسلمين، وهم: السيد محمد مهدي الحكيم، السيد طالب الرفاعي، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، جابر العطا، السيد مرتضى العسكري، السيد حسن شبر، السيد محمد باقر الحكيم، محمد صالح الأديب، السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، السيد محمد بحر العلوم، الشيخ كاظم الحلفي، محمد هادي السبيتي، الشيخ مفيد الفقيه، الشيخ عبد الهادي الفضلي، الشيخ عارف البصري، السيد عدنان البكاء، الشيخ مهدي السماوي، ولا وجود لأيّ مؤشر أو دليل على أنّهم كانوا متأثرين بجماعة الإخوان المسلمين. وهو الحال نفسه بالنسبة للقياديين والمفكرين الذين توالوا على الإمساك بمسيرة حزب الدعوة؛ فلم يكن بينهم أحد منتمياً أو متأثراً بفكر جماعة الإخوان المسلمين.

نعم، كان ثلاثة فقط من هؤلاء العشرين الأوائل، أعضاء في حزب التحرير، حين كانوا شباباً في العشرينات من أعمارهم أو قبل أن يبلغوا العشرين، وهم: الشهيد محمد هادي السبيتي والدكتور جابر العطا والشيخ عارف البصري، ثم تركوا حزب التحرير اعتراضاً على قائده الشيخ تقي الدين النبهاني، بعد إصداره كتاب “نظام الحكم في الإسلام” في العام 1953؛ لأنّه كان يمثل فقهاً سياسياً سنياً، ويتبنى فكرة الخلافة، وبذلك أثبت هؤلاء الفتية التزامهم بعقيدة آل البيت وفقه المذهب الشيعي، وهو ما جعلهم ينتمون لحزب الدعوة الإسلامية الذي يقف على رأسه فقهاء وعلماء دين في الحوزة العلمية النجفية، يتقدمهم السيد محمد باقر الصدر. فهل يعقل أن هؤلاء الفتية يرفضون نظرية الخلافة التي يتنباها حزب التحرير، ويقبلون بالانتماء لحزب شيعي يتبنى فكرة الخلافة أيضاً؟ وأين الدليل والمؤشر على وجود هذه الفكرة في نظرية حزب الدعوة؟ وهل هناك أي مؤشر أو دليل في مؤلفات ودراسات وبحوث ودروس السيد الصدر مايدل على أنه كان يؤمن بنظرية الخلافة، أو أن لديه مقولة واحدة تخرج على الفقه السياسي لمدرسة آل البيت؟

6- لم يحصل أيّ لقاء بين السيد محمد باقر الصدر وأيّ من مؤسسي حزب الدعوة وروّاده، وبين قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر أو العراق، أو قيادة حزب التحرير، سواء كان لقاءً تنظيمياً أو تنسيقياً أو استشارياً أو فكرياً؛ قبل تأسيس حزب الدعوة أو خلاله أو بعده، ولم تحصل أية واقعة تجمع هذه الأطراف الثلاثة، طيلة مراحل التأسيس والعمل والجهاد. ويستثنى من ذلك صداقات السيد طالب الرفاعي مع بعض قياديي جماعة الإخوان في بغداد، ولايمكن بأي حال من الأحوال أن تنعكس صداقات الرفاعي على أُستاذه السيد الصدر وفكره وفقهه، سلباً أو إبجاباً، فضلاً عن السيد الرفاعي لم يساهم يوماً في التنظير الفقهي والفكري لحزب الدعوة، وليس لديه أية مساهمة مدونة في هذا المجال.

7- يمكن للباحثين المقارنة بين الفقه السياسي للسيد محمد باقر الصدر والشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد كاظم الحائري وحزب الدعوة الإسلامية من جهة، والفقه السياسي للشيخ حسن البنا وسيد قطب والشيخ تقي الدين النبهاني وعبد القديم زلوم وجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير من جهة أُخرى، للوقوف على حقيقة موضوع التأثر والتأثير. علماً أنّ مؤلفات هؤلاء الفقهاء والمفكرين، وكذا أدبيات ونظريات الأحزاب الثلاثة، متوافرة في الأسواق، وحينها سيمكن بسهولة اكتشاف الفروقات بين المدارس الثلاث ومناهجها؛ فلا فقه حسن البنا يشبه فقه الشهيد محمد باقر الصدر، ولا محمد هادي السبيتي مقارب لسيد قطب، ولا منهج السيد مرتضى العسكري له شبه بمنهج عمر التلمساني، ولا فكر الشيخ عبد الهادي الفضلي يشبه فكر الشيخ تقي الدين النبهاني، ولا فقه السيد كاظم الحائري يشبه فقه عبدالقديم زلوم، ولا مذهبية الشيخ محمد مهدي الآصفي لها ارتباط بمذهبية الشيخ يوسف القرضاوي.

وخلاصة القول: إنّ فرية تأثر السيد الشهيد محمد باقر الصدر بجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير وبالمناهج الفكرية السنية، تمثل استهدافاً لأصالة فكر الصدر وإبداعه، ولقدرته على التنظير والخلق الفكري، قبل أن تكون تهمةً موضوعية.

ومن الله التوفيق

المصادر

1-    حيدر حب الله، التيارات الإسلامية في لبنان

2-    علي الكوراني، الى طالب عل

3-    علي الكوراني، إصلاح فكر الدعوة

4-    علي الكوراني، الحق المبين في معرفة المعصومين

5-    علي المؤمن، جدليات الدعوة، مركز دراسات المشرق العربي، بيروت.

6-    علي المؤمن، سنوات الجمر، دار روافد، بيروت، ط 5، 2020.

 

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

حديث الإثنين.. سيظل العرب في غيهم يعمهون..!

احمد ناصر الشريف ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *