غازي العدواني ||
كم هو البُعدُ شاسعٌ بين ثقافة النخبة والمتعلمين وبين الثقافة الشعبية العامة للناس.. نعم إن النخبة المثقفة لا يمكنها الوصول الى قاع المجتمع لتنهض به إلا إذا ساعدها المجتمع نفسه وامتلك أدوات التغيير المتاحة للجميع..
لان،ّ مجتمعاتنا العربية تسود فيه لغة وافهام ومعتقدات الموروث الاجتماعي الذي ترثه الأجيال جيلا بعد جيل لتعيد تأصيله من جديد عدا عن المظاهر والشكليات وانماط السلوك التي تتغير فيها القشرة الخارجية من بناء واكسسوارات لمّاعة وبراقة.. فعمر البناء المادي لم يؤثر في جوهر متبنيات الإنسان وبناءه الفوقي الاعتباري ما دام يفتقد الى التوجيه العام لكلية النظام السياسي والاقتصادي والعدالة الاجتماعية لما فيهن من تأثير حقيقي على الفرد..
فلقد لمسنا عن تجربة وممارسة حقيقية إن المجتمع ككل يتأثر بهذان العاملان السياسي والاقتصادي اكثر من الثقافة والنخبة
لانهما حجر الزاوية الذي تنطلق منه الفعاليات والأنشطة المجتمعية وتصويب التوجه السليم للمجتمع ..
* وسآخذ بلدي ( العراق) كنموذج لتجربة كادت تنجح لولا استلام ( صدام حسين ) للسلطة وقيادة العراق وعسكرته للمجتمع وشنه الحرب العبثية على إيران وغزوه للكويت وعدم الالتفات للمجتمع وبنيته التحتية وقتل مجتمعه بعد ان حوّل العراق الى سحن كبير وعزله عن محيطه العربي والعالمي…
فقبل استلام صدام حسين للسلطة كان العراق كبلد ومجتمع يعيش اوج قوته الاقتصادية وبحبوحة شعبه والطفرات في سلّم الرواتب بعد تأميم النفط فلقد كان العراق يشهد ثورة انتاج عظيمة وكانت الحياة تسير بيسر وكنا نتوقع ان عتبة دار العراقي ستكون من ذهب وتعداده آنذاك كان ١٨ مليون نسمة..
وكان الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية اهم العوامل الحاسمة التي غيّرت من عقل ونفس المواطن فقد بدأت مظاهر الترف الوظيفي والاجتماعي تظهر بقوة وقلّ عدد المتسولين وانتعشت الأسواق حتى ان الدينار العراقي كان يعادل ثلاث دولارات أمريكية حتى ان الفرد الواحد كان يكفيه ان مئة دينار عراقي تعادل ثلاثمائة دولار امريكي يستطيع ان يسافر لأية دولة بالعالم لمدة شهر ويعود محملا بالهدايا لأهله وناسه.. فقد بدأ الفقير بتحسين مظهره والاعتناء بشكله وتهذيب سلوكه ليكون اكثر تحضراً وكانت المرآة العراقية سافرة ومحترمه فهي عاملة وموظفة وكان هناك اطمئنان عقلي ونفسي ومجتمع متصالح مع نفسه مما احدث توجهاً عاماً نحو الفعاليات الثقافية بكل أنواعها وبدأ الوعي يأخذ مسار جديد
ومتنوع ليرتقي بالإنسان نحو الأفضل.. حتى ان الدين ورجاله
كان حضورهم مقنن ومحصور في الجوامع والأحزاب الدينية لم يكن لها ذلك التأثير في الحياة العامة للناس ورجال الدين مكانهم المسجد والجامع والكنيسة ولهم كامل التقدير والاحترام في وسطهم الاجتماعي…
*إلا اننا كما بينت في اول الحديث أن استلام( صدام حسين للسلطة) اخذ منحى جديداً نحو احتكار السلطة وموت الديمقراطية وإشاعة الثقافة الحزبية وحصرها بالحزب الواحد والقائد الواحد وعسكرة المجتمع وتركيعه بالحديد والنار أساء الى الصورة الكلية للمجتمع من امن واستقرار وعدالة اجتماعية الى مجتمع مهدد داخل وطنه مع تعتيم كامل واوامر صارمة تصل للإعدام لمن يملك وسيلة تواصل اجتماعي مثل( الدوش) يعني الصحن اللاقط للقنوات فعزل الشعب العراقي عن محيطه العربي والعالمي وحوله الى سجن
كبير وكمم افواه الجميع عبر ساديته ووحشيته وقسوته المفرطة هو وازلامه فسلب منّا عافية الامن والاستقرار وتدهور حال الدينار لنصل اليوم الى ان قيمة(مئة دولار امريكي) تلامس(1500) دينار عراقي…
لذلك كله ولأجل ان تنتعش الثقافة وتؤثر النخبة في الشارع
تحتاج الى بيئة صحية بتوفر العوامل الثلاثة التي ذكرتها:
..استقرار سياسي
…اقتصاد قوي
…عدالة اجتماعية
لانهم حجر الزاوية في حياة مجتمع سليم واعي ومثقف تسود فيه القيم الانسانية النبيلة ومؤهل ليكون ضمن السباق الحضاري للامم المتقدمة.
والختام سلام..
المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة
بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني