يوم المقابر الجماعية.. شهادة حرة وحجة دامغة على دموية العهد البعثي

تعتبر المقابر الجماعية نتيجة حتمية لسياسات النظام السابق التي مارسها ضد ابناء الشعب العراقي طيلة ما يقلرب الاربعة عقود، وان كانت ذروتها يمكن ان تحدد بالمدة المحصورة من عام 1979 – 2003 ، وهي المدة التي استأثر فيها صدام ونظامه البعثي البشع بالحكم.

ويوافق السادس عشر من ايار الذكرى الأولى لإحياء يوم المقابر الجماعية في العراق بعدما أعلن مجلس الوزراء إعتماد هذا اليوم من كل عام تخليدا لتضحيات المواطنين الابرياء الذين ذهبوا ضحية البطش والقتل العشوائي للنظام البعثي البائد.

واوضح بيان للحكومة العراقية نقلته وكالة (اصوات العراق) أن “اختيار هذا التاريخ ليكون يوم شهداء المقابر الجماعية جاء على خلفية العثور على أول وأكبر مقبرة جماعية في منطقة المحاويل شمال بابل عام 2003 بعد سقوط النظام السابق مباشرة”.

ففي 16 ايار مايو عام 2003 عثر الاهالي على أكبر مقبرة جماعية في قضاء المحاويل، أحد أقضية محافظة بابل جنوبي بغداد، تضم رفات اكثر من 2000 مواطن من المدنيين اغلبهم نساء واطفال وشيوخ.

وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، وهي منظمة عالمية تعنى بحقوق الانسان، في تقرير لها في حينه “ان مقبرة المحاويل الجماعية تتضمن رفات أكثر من ألفي شخص ، وتبعد عنها مقبرة جماعية ثانية بحوالي خمسة كيلومترات، وتقع خلف مصنع مهجور للطوب وتتضمن رفات عدة مئات من الأشخاص (مقبرة مصنع طوب المحاويل الجماعية).”

وقال التقرير “يعتقد أن هناك مقبرة جماعية ثالثة توجد على أرض عسكرية، وهناك مقبرة جماعية أخرى واحدة على الأقل إلى الجنوب من الحلة في قرية الإمام بكر وتتضمن 40 جثة أخرى ترجع إلى الفترة نفسها.” بحسب تقرير المنظمة.

واوضح التقرير أن “الجثث فى تلك المواقع كلها دفنت دفعة واحدة، وهي متلامسة، لا في حفر منفصلة لكل جثة، والمعروف أن المقابر الجماعية من هذا النوع تعتبر غير عادية، حيث تشير في كل الأحوال تقريبا إلى أن الوفيات جاءت نتيجة فظائع جماعية أو كوارث طبيعية.”

واضافت المنظمة في تقريرها الذي اعدته في حينه ” أدت الطريقة العشوائية وغير المنهجية التي حفرت بها المقابر الجماعية حول الحلة والمحاويل إلى استحالة تعرف الكثيرين من أهالي المفقودين على رفات ذويهم بصورة مؤكدة، أو حتى الاحتفاظ بالرفات الآدمية في حالة سليمة ومنفصلة عن غيرها لكل جثة، ففي غياب المساعدات الدولية لجأ العراقيون إلى استخدام المجارف لحفر المقابر الجماعية، الأمر الذي أدى إلى تمزيق عدد لا حصر له من الجثث تمزيقا فعليا، وخلط الرفات بعضها ببعض في أثناء هذه العملية، وفي النهاية أعيد دفن أكثر من ألف جثة في مواقع مقابر المحاويل مرة أخرى دون التعرف على أصحابها.

وبالإضافة إلى ذلك، ونظرا لعدم وجود أخصائيي الطب الشرعي في الموقع، لم يتم مطلقا جمع الأدلة الحاسمة اللازمة لمحاكمة المسؤولين عن عمليات الإعدام الجماعية مستقبلا، بل لعل هذه الأدلة قد تلفت إلى غير رجعة.”

وكانت وزارة حقوق الانسان العراقية قد اعدت مشروعا لتعويض قتلى المقابر الجماعية وعرضته امام مجلس الوزراء لغرض اصدار التشريع الخاص به وتعويض عائلات ضحايا هذه المقابر دون استثناء.

وبحسب اللجنة العليا للمقابر الجماعية – دائرة شؤون اللجان في الحكومة العراقية، اعتبرت المقابر الجماعية في العراق” نتيجة حتمية لسياسات النظام السابق التي مارسها ضد ابناء الشعب العراقي طيلة ثلاثة عقود، وان كانت ذروتها يمكن ان تحدد بالمدة المحصورة من 1979 – 2003 ، وهي المدة التي استأثر فيها الرئيس السابق صدام حسين بالحكم ، فبعد اعمال القتل بالجملة في العام 1979 والتي صاحبت عملية استيلائه على السلطة والتي مورست ضد مختلف التيارات الدينية منها و العلمانية والذي توجه باصدار قراره رقم 461 لسنة 1980 والقاضي بإعدام كل من انتمى أو روج لحزب الدعوة الاسلامية وبأثر رجعي، استشهد على أثر ذلك الآلاف من أبناء الشعب العراقي، وجرى دفنهم في مقابر مجهولة لأجل إخفاء معالم جرائم الإبادة الجماعية، واستمر هذا الحال طيلة عقد الثمانينات من القرن الماضي.”

وبحسب موقع لجنة المقابر الجماعية على الانترنيت “قام النظام السابق في مطلع الثمانينات باعتقال عدد كبير من الاكراد العراقيين من البرزانيين، وجرى نقلهم إلى محافظات الجنوب والفرات الأوسط، وتم تصفيتهم ودفنهم هناك.”

وقد سجل النظام السابق في العام 1988 أرقاماً كبيرة في أعمال الإبادة الجماعية والتي بدأها في 16 اذار مارس من العام نفسه عندما قام بتوجيه ضربة كيمياوية إلى مدينة حلبجة الآمنة في كردستان وراح ضحية هذه الجريمة ما يقارب من (5000) شهيد اغلبهم من النساء والأطفال، وجرى دفنهم في مقابر جماعية داخل مدينة حلبجة وفي ضواحيها، ثم تبعتها في العام نفسه عمليات الأنفال (المشؤومة) والتي حصل فيها تهجير وإبادة ما يقارب من(182000) من الاكراد، وقد تم دفنهم في مقابر جماعية في مناطق مختلفة من العراق.” بحسب موقع لجنة المقابر الجماعية.

وتقول اللجنة في موقعها “وفي العام 1991 ُسجلت ارقام قياسية في أعمال الإبادة الجماعية والتي أعقبت الانتفاضة الشعبانية التي قادها ابناء الشعب العراقي في ذلك العام ضد النظام، حيث يتوقع أن يتجاوز عدد من تم تصفيتهم وقتذاك ألـ (350000) ، وقد جرى دفنهم في مقابر جماعية تجاوزت (200) مقبرة جماعية ، فضلاً عن اعمال القتل خارج القضاء والتصفيات الجماعية التي استمرت طيلة عقد التسعينات وحتى وقت سقوط النظام ،حتى ان وزارة حقوق الانسان قد وثقت في ارشيفها مقبرة جماعية يعود تاريخ الدفن فيها الى يوم 4\4\2003 ، أي قبل سقوط النظام أاربعة ايام فقط، وذلك في مدينة المدائن جنوب شرقي بغداد .

ونتيجة لما تم عرضه فقد تجاوز عدد المقابر الجماعية المكتشفة في العراق الـ(240) مقبرة جماعية موزعة على اكثر من (100) موقع، وفي معظم المحافظات تقريباً، مع زيادة تركيزها في محافظات الوسط والفرات الاوسط والجنوب حيث تصل الى نسبة 80% من مجموع المواقع في عموم العراق ، وهناك ما يقارب النصف من المقابر الجماعية المكتشفة في محافظة السماوة ضمت مواطنين أكرادا جرى نقلهم من مناطق سكناهم في شمال العراق، وتمت إبادتهم جماعياً هناك، وجرى الحال نفسه في محافظات كربلاء والديوانية، بحسب اللجنة.

واوصت لجنة المقابر الجماعية في اجتماع جرى نهاية العام الماضي بضرورة اخذ عينات من الجثث مجهولة الهوية التي ترد الى معهد الطب العدلي وذلك قبل القيام بدفنها على ان ترمز تلك العينات او يعطى لها ارقام مطابقة للارقام التي تسجل على القبور، وهذا الامر سيساعد كثيراً في التعرف على هويات الجثث مجهولة الهوية مستقبلاً في حال البدء بالعمل بتقنيات الحمض النووي ، وهو ما يعطي نتائج مؤكدة في التعرف على هويات الضحايا.

وكانت واحدة من الظواهر التي اعقبت سقوط النظام عام 2003 عمليات النبش العشوائي للمقابر الجماعية من قبل عوائل الضحايا والمنظمات غير الحكومية العاملة في المجال انذاك حتى عصفت حملة النبش العشوائي بالكثير من المقابر الجماعية وطمست خلالها الادلة التي كان من الممكن ان تقود الى هويات الرفات والجناة، الامر الذي دفع وزارة حقوق الانسان بعد تشكيلها بان تحرص على وضع تشريع قانوني يمكن ان يوفر الحماية لتلك المقابر من النبش العشوائي وينظم عملية فتحها، فكان قانون حماية المقابر الجماعية رقم (5) لسنة 2006 الذي كانت مسألة تفعيله إحدى اهم الأسباب الرئيسية التي دعت الى تأسيس اللجنة العليا للمقابر الجماعية في أمانة مجلس الوزراء لتوفر دعماً مميزاً لقسم المقابر الجماعية بخاصة، ولوزارة حقوق الانسان بعامة، لتسهيل تنفيذ بنود القانون ، مع حرص اللجنة في الاهتمام بالسبب الرئيسى الذي كان موجباً لتأسيسها وهو الاعداد والتهيئة الى عقد مؤتمر دولي عن المقابر الجماعية يكون من شأنه ان يبرز مظلومية ضحايا المقابر الجماعية ويدعو الى توفير الاجابات عن تساؤلات عوائل اولئك الضحايا في معرفة مصير احبائهم.

شاهد أيضاً

الهجرة تكشف عدد العائلات اللبنانية التي دخلت العراق وتؤكد: العدد بدأ يقل

أكدت وزارة الهجرة والمهجرين استضافة العراق لأكثر من  6 آلاف عائلة لبنانية، منذ بدء العدوان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *