للكاتب: مهند الهلالي
يعد الاعلام بصورته الاخيرة، وهي عملية ايصال المعلومات عبر وسائل تطورت زمنيا ومكانيا خلال قرون، احد ابرز الرسالات الانسانية التي وضعت قبل قرون، الغاية منها ابلاغ اكبر عدد ممكن من الناس بما يدور من حولهم، او تنويرهم بأفكار ربما لم يتسنى لهم تداولها يوما.
الوسائل الاعلامية تطورت عبر ازمان وقرون، فبدأت بالحفر على الحجر ثم الخطابات ثم الشعر ثم المطبوعات بعد الثورة الصناعية في اوروبا، وصولا الى الثورة الاعلامية خلال القرن الاخير التي تمثلت بالاعلام المسموع والمرئي.
الغاية او الهدف من محاولة البعض ايصال رسائلهم الى الغير تغيرت ايضا هي الاخرى، كما تغيرت الوسائل فتنقلت من محاولة الاعلان عن الذات ثم الدعاية، وصولا الى محاولة التأثير في مجتمع ما لجعله يسلك سلوكا معينا يتوافق مع رغبات المرسل سواء السياسية او الثقافية او الاخلاقية، وبالرغم من المحافظة على المفاهيم الاساسية لهذه المهنة لغاية وقت قريب جدا حتى بعد اقتحامها والسيطرة عليها من رؤوس الاموال والسياسيين، إلا انها تواجه خلال العقد الاخير ولغاية هذه الان موجة انقلابية تاريخية، قد تفضي بطبيعة الحال الى انهاء مفاهيمها الانسانية دفعة واحدة من دون اية عملية تدرجية، ما ينذر بخطر كبير على عقول ابناء جيل كامل وربما اجيال لاحقة، في حال عدم تدارك هذا الخطر المحدق.
الثورة الالكترونية التي وصلت الى انتقالات وقفزات غير مسبوقة في مجال السوشل ميديا، كانت وراء عاملين جديدين متناقضين بشكل تام، احدهما ايجابي والاخر سلبي، اما الايجابي فهو معرّف لدى الجميع ويتمثل بسرعة ايصال المعلومة عبر مواقع الكترونية تمثل مؤسسات رصينة وجهة معينة معروفة، فضلا عن سهولة الاعلان والدعاية الشخصية وايصال الرسائل عبر ثوان من الزمن بعد ان كانت تستغرق اياما وربما شهورا.
اما الجانب السلبي، وهنا تكمن خطورة ما نتحدث عنه، الذي ينذر بانهاء هذه المهنة دفعة واحدة من دون ان ينتبه اي من المختصين الى خطورته، فيتمثل بتغلغل عدد من الاشخاص ذوي الافكار والايديولوجيات والسلوكيات التي تمثلهم، وغالبا ما تكون خاطئة الى هذا العالم الافتراضي، وهم ما بات يُعرف في زمننا الحالي بـ(البلوغر او الفاشينيستا)، هنا نرى ان علينا التنبيه الى ان المعنى الحقيقي للمفرديتين السابقتين ليس له اية صلة بالاشخاص الذين تطلق عليهم، وبالاخص في بلدنا والبلدان القريبة علينا ممن يشابهوننا في القيم والتقاليد والاعراف.
فكلمة بلوغر وهي كلمة انكليزية تعني توصيف الشخص الذي يمتلك مدونة الكترونية على شبكة الانترنيت لكتابة ونشر ارائه وافكاره في مجال محدد يمتاز به، ويحاول تثقيف الاخرين بمحتواه.
اما الفاشينيستا فهي مفردة انكليزية ايضا، تطلق على الشخص المتيّم بالموضة واخبارها وفي الوقت نفسه لا يهتم بالماركات او العلامات التجارية، واحيانا يمتلك هؤلاء مدونات او صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج عن الموظة والترويج لها احيانا بدافع الدعاية او الاعلان.
هذه النبذة التعريفية وجدناها مهمة للقارئ الكريم قبل الخوض بمحور حديثنا خلال هذه المقالة، وهو الخطر الذي نرغب بتناوله والذي يتمثل بمجموعة من الشباب الذين يحملون مواصفات محددة ربما تكون جذابة لاقرانهم، وتتعلق بجوانب الجمال او الاسلوب في الكلام او الاثارة في طرح مواضيع تستقطب هذه الشريحة وتثير اهتماماتها، وهؤلاء بدأوا جهلا لا تعمدا اطلاق المفردتين سابقتا الذكر على انفسهم، او بدأت وسائل تواصل اجتماعية وربما اعلامية باطلاق المفردتين عليهم دون سابق معرفة بطبيعة الاختلاف الكبير بين معنى المفردتين ومعنى ما يدور حاليا في مواقع وصفحات هؤلاء الشباب .
وحتى نكون منصفين بحق هؤلاء وبحق القارئ الكريم فأنهم على الاغلب لم يدركوا او يعوا خطورة ما يعكفون عليه، وربما كانت رغبتهم بالشهرة وجني الاموال هي الدافع لاجتهادهم في الوصول الى متابعة الملايين من الشباب لهم، وحتى لا نتشعب في محور حديثنا نترك الغايات الخاصة لهؤلاء الشباب لفسح المجال للتركيز على خطورة ما يقومون به بمعرفة او من دونها.
ان تصدي هؤلاء لمنصات وصل عدد متابعيها الى عشرات الملايين من الناس، وهو رقم مضاعف لعشرات المرات اذا ما قورن بعدد متابعي مواقع مؤسسات اعلامية رصينة يضع اكثر من علامة استفهام.
فالمواقع الرصينة او التي تمثل جهات سياسية او مجتمعية تكون مراقبة ومشخصة الرسائل التي ترسلها، وهي عادة ما تكون ملتزمة بالقواعد المجتمعية العامة التي تهم الاسرة او المجتمع بشكل عام.
اما منصات الشباب سالفي الذكر، فهي تكون خارج حسابات المتابعة والتقويم، فضلا عن ان معظم رسائلها تكون مشوهة اجتماعيا، وتحمل افكارا ربما تذهب بأفكار الشريحة المجتمعية الاكبر، ألا وهي الشباب الى مهب الريح، ليس ذلك فحسب بل انها قد تحمل رسائل خطيرة على السلم المجتمعي الاهلي من خلال تحفيز الشباب على امور تمس النواحي الاخلاقية والدينية والعقائدية، فلكل مجتمع ركائزه الاجتماعية التي تعد حصنا من اي غزو ايديولوجي خارجي الذي اذا ما تمكن من اي شعب فأنه يستعبده في مرحلة لاحقة وهذه مسألة وقت لا اكثر.
ولتكون الرسالة واضحة من خلال حديثنا الآتي نرغب باختزال الفكرة التي مفادها، ان العزوف عن المنصات الرسمية الاعلامية والاعتماد على السوشل ميديا للتعرف على اخر المستجدات، وبالتالي تصفح منصات الشباب الذين استطاعوا السيطرة على تلك المواقع، جعلنا امام واقع جديد يتمثل بولادة اعلام جديد وان هذا الاعلام سيشهد معاركَ طاحنة بين مدارس ايديولوجية متناقضة، بعضها يمثل المتوارث، واخر يمثل هجمة خارجية، واخر يمثل تشوّها فكريا هجينا ناتجا عن تلاقح فكري سلبي بين مجتمعات مختلفة السلوكيات والثقافات، وان هذه المعارك لا بد من الإعداد لها جيدا، وخوضها بطريقة علمية تتناسب وحجم التطور العلمي والاجتماعي، للحفاظ على ما تبقى من الإرث القيمي لمجتمعاتنا وحصر الدخيل عليها.