هُنا تُصاغُ العزائمُ الكُبرى

الكاتب || علي جاسب الموسوي

قراءة في خطاب الإمام الخامنئي دامت بركاته في ذكرى رحيل الإمام الخميني (رض)

الحمد لله الذي مَنَّ علينا بالحضور في يومٍ ترتجف فيه أركان الباطل، وتثبت فيه قلوب أولياء الله على صراط الولاية، إذ كنا شهودًا على تجلّي الهيبة، وجلال الكلمة، وهيبة القائد، في الخطاب الذي ألقاه سماحة قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله الشريف)، في الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل مفجّر الثورة الإسلامية الإمام روح الله الموسوي الخميني (قده). خطبةٌ لم تكن مجرد خطاب تأبينيّ، بل كانت خريطة طريقٍ قرآنية، وموقفًا رساليًّا، وتحشيدًا استراتيجيًّا في قلب المعركة الطويلة مع الاستكبار العالمي.

1/أعلن الإمام أن النظام سيكون إسلاميًّا، فبدأ الأعداء بالتآمر
بهذه العبارة الصاعقة، رسم الإمام الخامنئي خطّ التماس بين مشروع الحقّ ومشروع الكفر، بين نظام الهيمنة الغربية، والنموذج الذي أفزعه منذ اللحظة الأولى: نظام إسلامي مستقل، لا يركع ولا يستجدي ولا يتنازل .. لقد كشف القائد هنا حقيقةً قرآنية ثابتة: أن الصدق في المشروع الإسلامي لا يُقابل بالترحيب، بل بالتآمر. قال تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.

2/ جاء في الخطاب: (الأعداء أوعزوا إلى صدام، وبدأوا بالاغتيالات، وما توقفت حتى شهداؤنا من علماء الذرة)
سياق التحليل هنا عميق للغاية، فهو لا يُقصر المؤامرة على (ردود أفعال سياسية) بل يُظهرها كمخطط شمولي ممتد، يبدأ بالحدود، ويتسلل إلى العقول .. عمليات الاغتيال، الحرب المفروضة، الهجمات الإعلامية، العقوبات الاقتصادية، كلها لم تكن أفعالًا منفصلة، بل أدواتٌ ضمن سلسلة واحدة هدفها كسر هوية النظام الإسلامي وإيقاف زحفه التاريخي نحو التمكين.

٣/ أبدع السيد القائد حينما قال: (عقلانية الإمام تمظهرت في ولاية الفقيه والاستقلال الوطني)
هنا تتجلّى عبقرية الإمام الخميني: الثورة الإسلامية لم تكن لحظة عاطفية عابرة، بل نظامًا عقائديًّا متماسكًا بمرجعية دينية عقلانية. ولاية الفقيه – كما يوضح القائد – ليست عنوانًا فقهيًّا فقط، بل صيغة قرآنية للحفاظ على الدين في زمن فتنة الطاغوت الدولي. فهي الولاية التي تأخذ بيد الأمة وتمنعها من السقوط في هاوية الديمقراطية الغربية المستوردة، أو في حفرة (الإسلام الأمريكي)

٤/ قال القائد: (المقاومة تعني الوقوف أمام إرادة القوى العظمى وعدم الركوع لها)
في هذا التعريف، تنتفي كل التبريرات التي يسوقها بعض الساسة العرب للتطبيع والخضوع .. فالمقاومة ليست خيارًا عسكريًّا فحسب، بل هي موقفٌ وجودي .. هي أن تقول: لا، حينما يكون الجميع يقول نعم .. هي أن تكون في صفّ فلسطين، في الوقت الذي تصطف فيه أنظمة الخليج في طوابير العار لتقديم الطاعة إلى واشنطن وتل أبيب.

٥/ المشروع النووي… العقل الإسلامي في مواجهة احتكار العلم
من أنتم وما دخلكم في امتلاك إيران لتقنيات التخصيب؟
بهذه العبارة القاطعة، وضع السيد القائد حدًّا لغطرسة الغرب. المشروع النووي الإيراني ليس سلاح دمار، بل رمز لقدرة العقل المسلم على صناعة التكنولوجيا دون الحاجة للهيمنة الغربية .. وهنا تتكرر المفارقة الكبرى: الغرب الذي لا يعترض على امتلاك إسرائيل للرؤوس النووية، يعترض على حق إيران في امتلاك الوقود! ليس اعتراضًا على اليورانيوم، بل على الإرادة الإسلامية المستقلة.

٦/ فلسطين… جرح الأمة وفضيحة العصر .. هنا يؤسسون مركزًا لغذاء غزة، ثم يقصفونه ويقتلون الناس فيه
في هذا المقطع، بلغت الكلمات ذروة الألم والثورة معًا … لقد وصف القائد بأسلوب موجع، كيف تحوّلت الصهيونية إلى وحش بلا ضمير، وكيف أن أمريكا ليست راعية للسلام، بل شريكٌ مباشر في سفك دماء الأبرياء … ومن هنا جاءت رسالته الواضحة: (نُصرّ على إخراج القوات الأمريكية من المنطقة) .. لا أمن ما دام القتلة بيننا، ولا استقرار ما دامت القواعد العسكرية تحاصر شعوبنا.

٧/ الحديث هنا حول العقلانية الحقيقية… ليست خنوعًا بل قيادة ربانية .. قال السيد: (العقلانية من وجهة نظر البعض هي الركوع أمام الغرب) هنا يُفكك القائد مفهوم (العقلانية) الذي تسوّقه النخب المتغربة في العالم الإسلامي .. العقلانية في نهج الإمام ليست (تحني الرأس للواقع)، بل قيادة الأمة بتوازن الحكمة والبصيرة والاعتماد على النفس .. إنها تربية للشباب على أن يكونوا مشاريع قادة لا عبيدًا تحت رايات السفارات.

٨/ وهنا الختام… وهو عهدٌ في حضرة الإمام .. اليوم، وقد كنا شهودًا على هذا الخطاب، لا نملك إلا أن نجدد العهد مع الولي القائد، أن نبقى على نهج الإمام الخميني قده : لا نركع، لا نساوم، لا نصافح يدًا ملوثة بدماء الشهداء. نقول كما قال هو يومًا: (سنقاتل، ونُستشهد، ونُبعث، وننتصر)

فهنا، تُصاغ العزائم الكبرى، وهنا، تُولد الأمة من جديد، كلّما أطلّ علينا السيد القائد بكلماته، المُؤيّدة بنور الله..

شاهد أيضاً

خلال اجتماع دوري له . . الإطار التنسيقي يناقش التحديات الإقليمية والدولية المحيطة بالعراق

عقد الإطار التنسيقي اجتماعه الدوري الاثنين بحضور رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لبحث مستجدات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *