قمة بغداد.. قراءة في دلالات الاستضافة وتقديم المبادرات

احتضنت العاصمة العراقية بغداد الدورة الرابعة والثلاثين للقمة العربية، التي شهدت حضوراً قوياً لقادة وزعماء الدول العربية، مما أكد أهمية هذه القمة كمنصة للعمل العربي المشترك في ظل التحديات الإقليمية والدولية.


لم تكن القمة مجرد اجتماع روتيني، بل جاءت لتؤكد عودة العراق إلى الساحة العربية كفاعل إقليمي رئيسي، قادر على قيادة المبادرات السياسية والإنسانية والتنموية.
كما مثلت القمة فرصة لإعادة ترتيب أولويات العمل العربي وتعزيز التضامن في مرحلة حساسة من تاريخ المنطقة، حيث ناقشت قضايا جوهرية مثل القضية الفلسطينية والأزمات في سوريا واليمن وليبيا ولبنان.
عُقدت القمة بدعوة من رئيس جمهورية العراق الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، و دولة رئيس مجلس
الوزارء المهندس محمد شياع السوداني،
وشكلت محطة مهمة في مسار الدبلوماسية العربية.
وقد أظهر العراق من خلالها تحوله من “دبلوماسية الأزمات” إلى “دبلوماسية التأثير”، عبر طرح مبادرات عملية تعكس رؤيته لتعزيز الأمن القومي العربي
❖ دلالات استضافة العراق للقمة العربية
شكلت استضافة العراق للقمة العربية حدثاً استثنائياً، يحمل دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، حيث مثلت نقطة تحول في مسار السياسة الخارجية العراقية، وأكدت عودة البلاد بقوة كمحور إقليمي فاعل.
لم يكن اختيار بغداد مكاناً للقمة صدفة، بل جاء تتويجاً لجهود دبلوماسية مكثفة أعادت بناء الثقة الإقليمية والدولية بالعراق.
تميزت القمة بمبادرات عراقية طموحة، حيث قدم العراق 18 مبادرة سياسية وإنسانية وتنموية، تناولت قضايا ساخنة مثل القضية الفلسطينية والأزمات العربية الأخرى، مما عزز صورته كوسيط نزيه وقائد عربي مؤثر.
كما أظهرت الاستضافة نضوجاً في الأداء الدبلوماسي والتنظيمي للعراق، من خلال نجاحه في إدارة حدث بهذا الحجم وتسهيل الحوارات الثنائية على هامش القمة.
على الصعيد الداخلي، أكدت استضافة القمة تحقيق العراق استقراراً نسبياً وتوازناً سياسياً مكّنه من لعب دور إقليمي دون ضغوط.
كما مثلت القمة اعترافاً عربياً بدور العراق المتجدد في النظام الإقليمي، وتحوله من “دولة أزمات” إلى “دولة حلول” تسهم في صياغة رؤية عربية مشتركة.
بذلك، لم تكن القمة مجرد حدث رمزي، بل خطوة عملية نحو تعزيز مكانة العراق كمركز للقرار العربي الفاعل.
❖ العراق يقدم 18 مبادرة شاملة لدعم القضايا العربية
تميزت القمة بتقديم العراق ثماني عشرة مبادرة نوعية شملت ملفات سياسية وإنسانية وتنموية، ركزت على القضايا الأكثر إلحاحاً في العالم العربي.
في مقدمتها القضية الفلسطينية،حيث أدان العراق الإبادة الجماعية في غزة، واعتبرها جريمة ضد الإنسانية تستدعي تحركاً عربياً جماعياً لوقف العدوان الإسرائيلي ودعم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
❖ دعم مادي ملموس لغزة ولبنان
لم يقتصر دور العراق على المواقف السياسية، بل ترجم دعمه إلى خطوات عملية، معلناً تقديم دعم مالي مباشر بقيمة أربعين مليون دولار لغزة و لبنان، في إطار جهود إعادة الإعمار ودعم الاستقرار.
تخصيص العراق الدعم المادي الملموس لغزة يعكس التزاماً عراقياً حقيقياً بتخفيف معاناة الشعوب المظلومة.
❖ مواقف عراقية واضحة تجاه أزمات المنطقة
لم تغفل المبادرات العراقية الأزمات الممتدة في اليمن وسوريا وليبيا والسودان، حيث دعا العراق إلى حلول سياسية شاملة تضمن وحدة وسيادة هذه الدول، وتنهي دوامة العنف والصراعات.
وأكد على أهمية الحوار الوطني والمصالحة كمدخل أساسي لتحقيق الاستقرار والتنمية.
❖ المسؤولية الكبرى على عاتق العرب
قدّم العراق في القمة العربية نموذجاً للقيادة الفاعلة من خلال مبادراته السياسية والإنسانية، وموقفه الثابت تجاه القضية الفلسطينية والأزمات العربية الأخرى.
وبالرغم من المبادرات والدعم المادي والمعنوي الذي قدمه العراق،  إلا أن المسؤولية الأكبر تبقى على عاتق الدول العربية مجتمعة – حكومات وشعوباً – لتحويل مخرجات القمة من بيانات إلى أفعال ملموس،فالمسؤوليات الأخلاقية والتاريخية تتطلب تحركاً فعلياً من الجميع لدعم الشعوب المظلومة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
لقد فعل العراق ما عليه، ويبقى على بقية العرب أن يتحملوا دورهم في نصرة القضايا المصيرية للأمة.
➢ ختامًا، لقد عكست القمة حضورًا عربيًا لافتًا، ما أضفى عليها بعدًا استراتيجيًا.
إن ما قامت به بغداد يؤكد أن العراق قد فعل ما عليه في سبيل دعم الاستقرار السياسي العربي، وتكريس موقعه كدولة مركزية ذات تأثير إقليمي في أجواء محفوفة بالتوترات.
وأثبتت بغداد أنها عاصمة قادرة على صناعة القرار، لا استقباله فقط.
واليوم، يبقى على باقي الدول العربية أن تتحرك بما يليق بحجم التحديات، وبما ينصف الشعوب المظلومة التي تنتظر دعمًا فعليًا.
فمواجهة التحديات الراهنة – من العدوان على غزة إلى الأزمات المختلفة في بعض العواصم العربية – تستدعي مواقف فاعلة.

شاهد أيضاً

قائد الأمن الداخلي لإيـران يكشف حقيقة مخططات التخريب والاغتيالات في طهران

أعلن العميد أحمد رضا رادان، القائد العام لقوى الأمن الداخلي الإيـراني، احباط مخططات تخريبية مرتبطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *