الثورة الاسلاميه في ايران بعيون فلسطينية استراتيجية…!

محمد صادق الحسيني ||

 

ستة واربعين ربيعاً ولا تزال الثورة حية في صدور اهلها كما في محيطها الخارجي و كأنها ولدت بالامس او اليوم ، وممتدة في تأثيراتها وتداعياتها الزلزالية من اعماق اوراسيا حتى سواحل المتوسط وكل المياه الدافئة من هرمز الى باب المندب…!

 

فعلى الرغم من مرور ستة واربعين عاما على انتصار الثورة الاسلامية في ايران الا ان تداعياتها وتأثيراتها العميقه ، في موازين القوى الاستراتيجيه في العالم اجمع وليس في غرب آسيا وحدها ، لا زالت متواصلة ، بديناميكية عالية الوتيرة حاملة وسائل تجددها الذاتي بداخلها ، الامر الذي يؤكد ان لا خوف على الثورة ولا على أهدافها ،

 

التي تمثلت منذ اللحظة الاولى بالاضافة الى مهمة الاطاحة بالاستبداد الداخلي في مهمة مقاومة الهيمنه الاستعماريه الامريكيه على مقدرات الشعوب في العالم وتحقيق الحريه والسياده والاستقلال الوطني الكامل لكافة شعوب الارض .

 

ومن الجدير بالذكر ، في هذا السياق ، ان الثورة الاسلامية في ايران قد جاءت كحلقة من حلقات الصراع الدولي ، بين القوى الاستعماريه وقوى التحرر الوطني ، سواءً في ما يسمى ب”الشرق الأوسط” او في غيره من بقاع الارض .

 

وقد جاء انتصار هذه الثوره بعيد ضربة كبرى تلقتها حركة التحرر الوطني العربيه ، تلك الضربه التي تمثلت في زيارة السادات الخيانية للقدس المحتله سنة ١٩٧٧ ، ثم توقيعه لاتفاقية الخيانه في كامب ديفيد بتاريخ ١٧/٩/١٩٧٨ .

 

حيث ان هذه الاتفاقيه التي احدثت وقتها زلزالا استراتيجيا ، سياسيا وعسكريا ، في المنطقة والعالم ، وذلك من خلال خروج مصر من مشهد المواجهه العسكريه العربيه مع العدو الصهيوني ، وبالتالي مع الولايات المتحدة ، التي كانت تستميت في محاولاتها لاستعادة بعض الهيبة السياسيه والعسكريه ، التي فقدتها بعد هزيمتها المدويه في حرب فيتنام عام ١٩٧٥ .

 

فخروج مصر يومها من المواجهه ادى الى خلل استراتيجي ، في موازين القوى “الشرق أوسطيه ،” كان لا بد من اصلاحه وبأقصى سرعة ، لإعادة التوازن الاستراتيجي ، بمعناه الشامل وليس من خلال مقارنة حسابية لاعداد الدبابات والطائرات ، الى مسرح العمليات ، وذلك حفاظا على ما تبقى من القوى المنخرطة في قتال العدو الصهيوني الامبريالي ، مثل سورية والثورة الفلسطينية وحلفاؤها اللبنانيون .

 

ولَم تتأخر وقتها القوى الثورية المعادية للامبريالية في الرد ، على الخلل الذي احدثته سياسات الخيانة الساداتية ، حيث شرع الشعب الإيراني العظيم بوضع برنامجه الثوري الاسلامي قيد التنفيذ الفعلي ، الامر الذي ادى الى حصول زلزال طهران في بداية عام ١٩٧٩ والذي ادى الى اقتلاع عرش شاه ايران ،

 

وهو العميل المخلص للولايات المتحده و”اسرائيل” والذي كان يمارس ليس فقط دور شرطي هذه القوى الاستعمارية وكلب حراستها في المنطقة و اداة لقمع شعوب المنطقة ، بل انه كان قد حوَّل ايران الى قاعدة تجسس متقدمة ضد الاتحاد السوفييتي ، صديق حركات التحرر العربية والعالمية آنذاك .

 

ذلك الزلزال الذي أفضى الى انتصار الثورة الاسلامية وعودة قائدها المعظم ، سماحة اية الله العظمى الامام الخميني ، من منفاه في باريس الى طهران بتاريخ ١١/٢/١٩٧٩.

 

وتوالت العهود الديمقراطية والجمهورية الاميركية الحاكمة في واشنطن حتى وصلت الى الشبيح والسمسار والقاتل دونالد ترامب الذي يحاول عبثاً اظهار نفسه بانه المخلص لشعب اميركا مما حلّ بالشيطان الاكبر من فيتنام حتى افغانستان مروراً بخسارته ايران الشاه.

 

لم تتعلم الادارات الاميركية المتعاقبة من دروس السقوط المدوي والهزائم القاسية…

 

وقد شكل هذا الانتصار في ايران ضربة استراتيجية كبرى للمشاريع الاستعمارية في المنطقة ، وفِي مقدمتها المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين المحتله ، حيث كانت دويلة الاحتلال الاسرائيلي حليفا استراتيجيا لصيقاً لنظام شاه ايران ، لكن الثورة الاسلاميه اغلقت السفاره الصهيونيه في طهران وحولتها الى سفارة لدولة فلسطين .

 

وهذا ما اكد عليه الزعيم الفلسطيني ، ياسر عرفات ( ابو عمار) في اول لقاء له مع قائد الثوره الاسلامية في طهران يوم ١٧/٢/١٩٧٩ ، عندما قال :

 

“ان جبهة المقاومة اصبحت تمتد من صور الى خراسان ….”

 

فماذا عني هذا الكلام من ناحية المفاعيل الاستراتيجيه ،على صعيد موازين القوى في ميادين المواجهة ؟

 

اولا : ان سقوط نظام شاه ايران قد خلق افقاً استراتيجياً واسعاً للقوى المعاديه للامبريالية في المنطقة العربية بشكل عام ، ورغم اضطراب العلاقه بين دول وتنظيمات وأحزاب وفصائل تلك القوى انذاك ، كما يتضح من طبيعة التوتر الذي كان يسود العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينيه وسورية مثلا …!

 

وعلى الرغم من التناقضات الداخلية ، بين أطراف حلف المقاومة انذاك ، الا ان الدور الإيراني حافظ على حيويته وديناميكيته ولعب دوراً محورياً في اعادة التوازن الى الوضع الإقليمي ، من خلال تقوية علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع كافة أطراف قوى الثورة والمقاومة اللبنانية والفلسطينية في لبنان ،

 

اضافة الى بدء علاقة تحالف إيرانية سورية متينة (والانقلاب المؤقت في الحلقة السورية لن يؤثر في جوهر رسوخ هذه التحالفات) كما شملت مختلف مجالات التعاون الايرلني العربي.

 

الامر الذي شكل ارضية صلبة لتشكيل محور مقاومة متجانس ومتناغم خلق مع الزمن ارضاً صلبة وبيئة استراتيجية لكل الانتصارات التي تحققت لصالح شعوب المنطقة حتى الان والقادمة بعون الله .

 

ثانيا : كما ان انتصار الثورة الاسلامية في ايران قد أوجد ، ومن الناحية الموضوعية المجردة والبعيدة عن العواطف والمواقف الحزبية او الفصائلية ، وبالنظر الى العقيدة الجهادية الثابتة التي اعتمدتها الجمهوريه الاسلاميه في ايران ، قد خلق ليس فقط عمقا استراتيجيا لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، وانما خلق قاعدة استراتيجية ثابتة وقوية ومبادرة وقادرة يمكن الاعتماد على دعمها لتامين الاستمرارية في المقاومة وتطوير عملها التحرري .

 

وهو الامر الذي شهد على صحته التصاعد المستمر في إنجازات المقاومة ، خاصة المقاومة الاسلامية في لبنان ممثلة في حزب الله بشكل رئيسي واساس وصعود المقاومة الجهادية المسلحة في فلسطين المحتلة .

 

هذا التصاعد الذي عبر عن نفسه بجلاء من خلال الانتصار الأسطوري الذي تحقق في لبنان ، ضد الجيش الاسرائيلي ، وذلك خلال الحرب التي شنها العدو الصهيوني على لبنان عام ٢٠٠٦ . وكذلك الامر عندما عجز الجيش الاسرائيلي من ضرب المقاومة الفلسطينية في غزة ، عبر خمسة حروب شنت على قطاع غزه والذي كان اخرها عدوان وحرب الابادة الذي استمر ١٥ شهراً ، والذي انتهى بهزيمة مدوية للجيش الاسرائيلي وكل نظريات امنه وردعه الامر الذي اسس لبيئة استراتيجية جديدة جعلت مستقبل الكيان في خطر الزوال …!

 

ثالثا : بناء وتطوير قاعدة علمية تكنولوجية صناعية عملاقة في ايران ، وذلك من خلال تطوير القدرات الذاتيه للشعب الإيراني وإطلاق العنان لإبداعه ، عبر تنمية ورعاية الطاقات العلميه الايرانية ، وتعميق العلم والمعرفة في وجدان الشعب الإيراني ، المحب للقراءة والمعرفة والعلم تاريخيا . وهو الامر الذي باتت تؤكده تصريحات العدو قبل الصديق بان ايران اصبحت من بين الدول العشر الاوائل في سلم الرقي العلمي وفي مقدمة ذلك في العلوم النووية وعلم النانو والتطور العيكري المذهل في عالم الصواريخ والمسيرات.

 

رابعا : وفِي اطار تطوير القاعده العلميه في ايران فقد نجحت قيادة الجمهوريه الاسلاميه في ايران في تحويل البلاد الى مركز هام للعلم و المعرفه . اذ بلغ عدد الطلاب المسجلين في الجامعات الايرانيه خمسة ملايين ونصف المليون طالب سنة ٢٠١٧ ، بالاضافة الى خمسين ألفا اخرين يتلقون علومهم في الجامعات الاوروبية ، واثني عشر ألفا الى جانبهم في الجامعات الاميركية الامر الذي ازداد اضعافاً في السنوات اليبعة الماضية .

 

علما ان عدد الطلاب في الجامعات الايرانيه قبل انتصار الثورة الاسلامية لم يتجاوز المائة الف طالب .

 

وهو الامر الذي جعل ايران قادرة على تأهيل الكوادر والطاقات العلميه المحليه الضروريه لتسيير وتطوير قاعدتها الصناعية الضروريه وتامين النهضة المستدامة للاقتصاد الإيراني المقاوم . وما الدليل على ذلك الا تسجيل ستة وثلاثين الف برائة اختراع جديد ، لطاقات إيرانية شابة ، خلال عام ٢٠١٧فقط ، ما يجعل الجمهوريه الاسلاميه من الدول العشر الاولى في الاختراعات العلميه المختلفه .

 

سادسا : اذن فحملات العداء المتواصلة ، والعقوبات المختلفة ، ضد الجمهورية الاسلامية في ايران ، من قبل القوى الاستعمارية والصهيونية ، وعلى رأسهما الولايات المتحدة ودولة كيان الاحتلال الصهيوني ، ليست مرتبطة لا بالاسلحة النووية المزعومة ولا ببرنامج الصواريخ الحربية الايرانية ( اَي ما تسمى الصواريخ الباليستية وهي بالمناسبة تسمية خاطئة ، حيث ان كلمة بالستي ، او – Ballestic بالانجليزيه – هي كلمة يونانية الأصل وتعني : علم دراسة حركة او حركيات المقذوفات – ) وانما باتساع العلم والمعرفة لدى الشعب الإيراني ، المقترنة بارادة سياسية حديدية وقرارا واضحا وصريحا ، من قبل قيادة الثورة الاسلامية وقائدها ، والذي ينص على ضرورة تطوير البلاد وتحصينها ورفع مكانتها بين الدول ، عبر الاعتماد على الذات والإمكانيات المحلية والاقتصاد المقاوم غير الخاضع لقوى الهيمنة والاستعمار .

 

وهذا يعني بالطبع : العمل على انجاز الاستقلال الوطني الكامل والانفكاك من نير التبعية للقوى الاستعمارية الأجنبية ، وبالتالي وضع حد لنهب خيرات البلاد البترولية والمعدنية (خامات معدنية) ، من قبل شركات الدول الاستعماريه .

 

وبما ان المواجهة الشاملة ، بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية ، لا تقتصر على الميدان العسكري فقط ، فقد اقامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منطقة منع دخول اقتصادي ، او Anti Access ، في وجه الدول الاستعمارية ، مانعة إياها من مواصلة نهب خيرات الشعب الإيراني كما كان عليه الحال في عهد نظام شاه ايران السابق .

 

من هنا فان القراءة الدقيقة ، للأهداف الاميركية تجاه الجمهورية الاسلامية في ايران ، لا تدع مجالا للشك بان اسقاط .” النظام الإيراني ” بحد ذاته ليس هو الهدف الاميركي . بل ان الهدف يتمثل في اعادة التبعية .ولنا في الدول المجاورة لايران والتابعة للولايات المتحدة اوضح مثال على ذلك .

 

سابعا : وعلى الرغم من النجاحات الكبرى التي حققتها الثورة الاسلامية في ايران ، وعلى مختلف الصعد ، فان الاخطار المحدقة بهذه التجربة الناجحة لا زالت كبيرة جدا وتستدعي اتباع سياسة خارجية غاية في الحزم الى جانب سياسة داخلية ديناميكية تكون بوصلتها تعزيز كرامة المواطن الإيراني ، من خلال تامين احتياجاته اليومية ورفع قدرته على مواجهة متطلبات الحياة ، المتزايدة الصعوبة بسبب مواصلة اجراءات الحصار الاميركية الخانقة .

 

بمعنى ان العمل على قطع الطريق الداخلي على العدو الخارجي يجب ان تكون له الأولوية المطلقة وذلك لتعزيز القدرة على المواجهة وتامين فرص النجاح والتطور للجمهورية الاسلامية وشعبها المقتدر .وهو الامر الذي لا يساورنا اي شك في انه سيتحقق قطعا بفضل صمود شعبه العزيز وحكمة قيادته العالية والمحنكة .

 

بعدنا طيبين قولوا الله

شاهد أيضاً

برنامج مطبخ الغدير || طريقة عمل ‘‘اسكالوب الدجاد

برنامج مطبخ الغدير || طريقة عمل ‘‘اسكالوب الدجاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *