عندما وقّعت الولايات المتحدة الأميركية مع قيادة المقاومة الفيتنامية الشمالية اتفاقاً لوقف إطلاق النار، أفضى إلى انسحابها من فيتنام الجنوبية بعد حربٍ ضروسٍ، أذاقت المقاومة الفيتنامية القوات الأميركية هزيمةً ساحقةً، هرب في إثرها رئيس وزراء فيتنام الجنوبية نجوين فان ثيو، في حين كان الآلاف من المتعاونين العملاء مع الاحتلال الأميركي يتوسلونه أن يساعدهم للمغادرة خوفاً من انتقام الثوار الشماليين.
يأبى التاريخ إلا أن يُعيد نفسه، ولكن في أفغانستان، حين شاهد العالم الطريقة التي غادر بها رئيس الدولة أشرف غني البلاد، بينما تسابق العديد من المتعاونين الأفغان مع الاحتلال الأميركي نحو الطائرة العسكرية الأميركية، للفرار بجلدهم خوفاً من انتقام حركة “طالبان”، ومنهم من التصق بعجلة الطائرات الأميركيّة وسقط منها بعد إقلاعها، فما هو الدرس الذي يمكن استنتاجه؟
عندما قرّر الرئيس الأميركي السابق جورج بوش غزو أفغانستان عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، كان هدفه هو القضاء على الخطر الَّذي كان يشكله تنظيم “القاعدة” آنذاك، وإزالة حكم “طالبان” التي رفضت تسليم زعيمه أسامة بن لادن، وجعل أفغانستان دولةً عصريةً وديمقراطيةً تنعم بالرخاء والاستقرار، على حد زعمه.
لكنَّ العكس هو الذي حصل، فعندما غزت قوات أميركا أفغانستان ارتكبت بحق الشعب الأفغاني الفظاعات، الواحدة تلو الأخرى، إذ أشارت تقارير العديد من المنظمات الدولية إلى ارتكاب القوات الأميركية مجازر – ترقى إلى مستوى جرائم الحرب – بحق المدنيين الأفغان العزل، كان أبرزها المجزرة البشعة التي ارتكبها سلاح الجو الأميركي في العام 2018 بحق طلبة أحد الكتاتيب القرآنية، وهم يحتفلون بمناسبة إكمال حفظهم للقرآن الكريم، بذريعة أن عناصر من “طالبان” كانوا يختبئون فيه، ما دفع المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا إلى فتح تحقيق في المجازر التي اقترفتها أميركا في أفغانستان، بحسب ما تُتيحه لها مقتضيات المادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ولكي يستتبّ الأمر لها في أفغانستان وتستطيع التحكّم فيها، أتت بأحد عملائها، وهو الرئيس الأسبق حامد كرزاي، الذي يفتقد الحنكة السياسية في إدارة شؤون البلاد، ونصَّبته رئيساً للدولة، ومن بعده الرئيس أشرف غني، الَّذي تخلّت عنه في آخر المطاف، تاركةً إياه لمصير مجهول؛ إما مواجهة الموت، وإما الهروب في أحسن الأحوال.
أمَّا الجيش الأفغاني الَّذي أشرفت أميركا على تدريبه وتسليحه بمعدات أميركية، فقد كان أداؤه ضعيفاً، وكان يفتقد الروح القتالية، وهو ما تجلى في معاركه أمام حركةٍ تملك أسلحةً قديمةً تعود إلى الحقبة السوفياتية، إذ شُوهد استسلام العديد من عناصره لحركة “طالبان” أو الفرار من القتال أمامها، من دون نسيان الفظاعات التي ارتكبتها بحقّ المدنيين الأفغان، وهو ما أكّدته منظّمة “هيومن رايتس ووتش” في تقاريرها.
من هنا، نستخلص أنَّ الغرب، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، عندما يقوم بغزو دولة ما، فهو لا ينشر سوى الدمار والموت والفظاعات، ويأتي بعملاء ضعيفي الشخصيّة، يُنصّبهم رؤساء رغماً عن إرادة الشعوب المحتلّة، حتى يسهل عليه توجيههم إلى حيث تشير أصابعه – الغرب وأميركا – في حين أنَّ القوى العسكرية والأمنية التي ينشئها تكون هشة وفي خدمته في حال حصول هَبَّةٍ شعبيةٍ مناهضة للاحتلال.
إن على من يثقون بالساسة الغربيين أن يعلموا أنَّ معنى الحليف أو الصديق غير موجود في قواميسهم، إنما المصالح فقط، وأنهم يمكن أن يتخلّوا عن حلفائهم في أية لحظةٍ بمجرد قضاء مصالحهم، وقد يتآمرون عليهم بقصد إطاحتهم ويأتون بآخرين، كما فعلوا بالعديد من حلفائهم عبر العالم، واللائحة طويلة في هذا الشأن.
لقد صدق الرئيس المصري الراحل حسني مبارك حين قال عبارته الشهيرة: “المتغطي بالأمريكان عريان” في ذروة ما سُمي بـ”الربيع العربي”، وهو الرجل الذي كان خادماً مطيعاً للولايات المتحدة الأميركية ومنفّذاً لسياستها في منطقة الشرق الأوسط. ولعله أدرك الحقيقة متأخراً قبل أن تطيحه رياح ثورة يناير 2011، فمتى يُستَوْعَبُ الدرسُ؟
الكاتب المغربي: خالد البوهالي
المصدر: الميادين نت.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة
بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني [email protected]