بماذا تتميّز عملية تل أبيب الجديدة عن غيرها من العمليات؟

زينب عقيل ||

من الخليل في الضفة الغربية إلى تل أبيب في العمق الإسرائيلي، قاد حسين خلايلة سيارته باتجاه موقف مزدحم للحافلات، فدهس البعض، ثم نزل منها وبدأ بطعن ما تيسّر له بأداة حادة، قبل أن يفتح عليه أحد المستوطنين النار ويرديه شهيدًا. إنها ليست العملية الأولى في تل أبيب ولن تكون الأخيرة. ولكن مع ذلك، فإن فيها أكثر من ميزة تجعل من رسائلها ومفاعيلها ما يميزها عن بقية العمليات المشابهة لها في العمق الفلسطيني، وهي رسائل في إحدى مستوياتها ترتبط مع وحدة الساحات، وفي أعلاها تغيير لمعادلات الردع الإسرائيلي، التي تهدف الى عزل جنين عبر أكثر من عنوان.

ما هي مميزات هذه العملية وما هي رسائلها؟ للتوسع في الإجابة يتحدّث موقع الخنادق مع الباحث والكاتب في الشؤون الإسرائيلية الأستاذ علي حيدر، الذي لفت إلى 3 ميزات، الأولى في التوقيت، والثانية على مستوى المكان، أما الثالثة فهي على مستوى هوية منفذ العملية.

الميزة الأولى هي في التوقيت، إذ لا يمكن فصل قرار تنفيذ العملية عن معركة جنين،وبالتالي يرى الأستاذ علي حيدر أنّ في هذه الميزة رسالة مفادها، إذا كان الإسرائيلي يخوض معركة في جنين ويستغل تفوقه العسكري، فإن المقاومة تستغل مزاياها وتفوقها في أحد المستويات عن الجيوش النظامية، من خلال تنفيذ عملية داخل العمق. ويعني تنفيذ العملية وتوقيتها أنه إذا كان العدو يضرب في جنين، فإن المقاومة تضرب في العمق. وقد حضر هذا الربط ايضا عند نتنياهو عندما قال: من كان يراهن على أن عمليات كهذه ستردعنا عن معركة جنين فهو مخطئ. لكنه تجاهل بذلك ايضا رسالة العملية أن من كان يراهن بأن عملية جنين ستُضعِف المقاومة أو ستردعها عن مواصلة عملها المقاوم فهو مخطئ. ويرى حيدر أنه ربما كلا العمليتين بمعزل عن السياق وما سبقها ويليها، لن تغيرا في موازين القوى ولكن عملية تل أبيب هي محطة في سياق عمليات متواصلة غيرت وستغير الكثير من المعادلات التي تحكم حركة الصراع.

 

على مستوى المكان، يرى الأستاذ علي حيدر أن ثمة دلالة بأن المقاومة لم تذهب للرد في المستوطنات في الضفة الغربية، مع العلم أن هذا المقاوم الذي جاء من الخليل كان قادرًا على تنفيذ عمليته في الضفة الغربية أو أي مكان داخل عمق 1948، إلا أن اختيار تل أبيب كان مقصودًا منه توجيه رسالة مفادها أن المقاومين قادرون على الوصول إلى عمق الكيان في مواجهة هذا المستوى من العمليات، وأن من يمس بالشعب الفلسطيني ومقاومته، عليه أن يتلقى الضربات في أي مكان بما فيها تلك التي يُفترض أنها محمية بخطوط حمراء تجاوزتها المقاومة في أكثر من محطة. ومن هنا فإن هذه العملية، بما تشكل من مسار تراكمي تعزز موقع المقاومة في معادلات الصراع وتحقق مستوى من الردع، لجهة كبح استمرار العدوان ومحاولة توسيعه، و كبح جموحه.

من جهة أخرى، تؤشر عملية الدهس في تل أبيب أن خيارات المقاومة وساحة التصدي والمواجهة لا تقتصر على جنين. وإنما لديها ورقة توسيع دائرة المواجهة التي يخشاها العدو حيث سيتحول فيها عمقه – بما فيها تل أبيب والتي يفترض أنها الأكثر تحصينًا –  الى ساحة من ساحاتها.

ايضًا، لا يمكن تجاهل حقيقة أن العملية تم تنفيذها في الفترة التي كان فيها الإسرائيلي في أقصى درجات الجهوزية، ما يعني أن أجهزة الشرطة ومكافحة الإرهاب والأجهزة الأمنية والجيش، كانوا في حالة من اليقظة والاستعداد، وكلهم تحدثوا منذ بداية العملية أنهم قد يتعرضون لردود انتقامية،ومن المفترض أنهم قد تأهبوا وتجهزوا لمنع حدوث مثل هذا الخرق. ومع ذلك فقد نجح مقاوم من الضفة باختراق كل ذلك وضرب في عمق تل ابيب. وهي رسالةتؤشر محدودية فعالية اجراءات العدو الاحترازية حتى عندما يكون في حالة تأهب قصوى التي قد تنجح في احباط بعض العمليات لكنها لا يمكنها أن تحبطها كلها. والاهم أن ذلك سيرى فيه الجمهور الاسرائيلي أن هذه الاجهزة غير قادرة على توفير الأمن له.

 

على مستوى هوية منفذ العملية، إذا كانت المعركة في جنين فإن الرد قد أتى من منطقة الخليل، وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدلّ بأبسط الأحوال عن عدم إمكانية عزل جنين والاستفراد بها واقتصار المعركة عليها، بل يشمل كل المقاومين في كل مكان. وأي مكان، فيتسلل أحد المقاومين إلى تل أبيب ويضرب ضربته، وهي رسالة واضحة على فشل خطط العدو بالاستفراد بساحة واحدة. إذ يرى حيدر أنه على الرغم من المعادلات الردعية المفروضة بين المقاومة والاحتلال، كان يمكن لحماس ألا تعلن مسؤوليتها، إلا أن إعلان المسؤولية هو بمثابة تحدٍّ للإسرائيلي، والقول بأن المعادلات والحسابات التي بسببها قد تتأجل فيها مشاركة المقاومة في غزة ضمن رؤية مدروسة، والتي وجهت ايضًا رسالتها عبر مجموعة من الصواريخ، لا يعني تقييداً لحركة المقاومة، لا لحماس ولا لغيرها في الضفة الغربية، وبأنها مستعدة للمبادرة بخطوات حتى لو كان الردّ الإسرائيلي يتجاوز ساحة الضفة الغربية أو أي مكان آخر. وبذلك تأتي هذه العملية في سياق مساعي المقاومة لفرض قواعد اشتباك لاحباط محاولات العدو المضادة. خاصة بعدما ظهر أنّ المعادلات القائمة مع غزة لا تؤثر على قرار المقاومة في الضفة، ولا في ضرب مناطق 1948.

وأخيرًا يلفت الأستاذ علي حيدر  الى أنه حتى لو كان الإسرائيلي منذ البداية قد وضع مدة زمنية محدودة، إلا أنها كانت مفتوحة على سيناريوهات متعددة، والدليل على ذلك أنهم كانوا يقولون سنبقى بالمقدار الذي تتطلبه العملية وبالتالي فإن هذه العملية في تل أبيب وإمكانية تكرارها في حال استمرت في جنين ستكون حاضرة ومؤثرة في الحد أو التراجع أو التسقيف خاصة أن هذه العملية يمكن أن تتكرر، والمؤكد الان أن العدو بكافة أجهزته وشرائحه السياسية في حالة انتظار للعملية المقبلة التي ستكشف بشكل ملموس أن الكلمة الفصل كانت وستبقى بيد المقاومة.

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

شح المياه في واسط وارتفاع أسعار المبيدات يؤثر على القطاع الزراعي في المحافظة

شح المياه في واسط وارتفاع أسعار المبيدات يؤثر على القطاع الزراعي في المحافظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *