بقلم || علي الكناني
انتصر الإمام الحسين عليه السلام في مرحلتين الأولى في عاشوراء كربلاء الشهادة حيث ثبات الإيمان والمبدأ وعدم الإستسلام لحكم بني أمية وابن آكلة الأكباد، والثانية في الأربعين إذ كانت حادثة كربلاء نقطة بداية فكانت الإنطلاقة، فبعد أحداث كربلاء ووقوع تلك الفاجعة الجلل، وبعد تلك التضحيات المنقطعة النظير التي بذلها أبو عبد الله الحسين وأهل بيته وأصحابه “عليهم السلام” في تلك البقعة المقدسة كان لا بد من قضية الأسر والسبي أن تنشر رسالة الطف، وهي عبارة عن مجموعة خطب بيّنها وكشف حقائقها كل من العقيلة زينب والإمام السجاد “سلام الله عليهما”.
تَوَلَّدَ في حركة الأسر والسبي للإمام السجاد وعمته زينب “عليهما السلام ” تفعيل حراك وماكنة إعلامية جبارة، فكان يتعين عليهما “سلام الله عليهما” نشر هذا الفكر والحدث والهدف والتوجه على نطاق واسع، علما أن الجبهة المقابلة التي تمثلت ببني أمية قد فعلت الأفاعيل من خلال خصوصيات أجواء القمع والتشنج، والتي جعلت حالة عند الناس أنهم لا يجرؤون على ترجمة ما فهموه من حقائق على مستوى التطبيق، ذلك أن أجهزة النظام الأموي الظالم المستبد لا تدع أفراد الرعية يطلعون على الحقائق.
هذا وقد مارس النظام الأموي المستبد سياسة المكر والخداع إعلامياً، فإذا أرادت الناس الإطلاع على الحقائق وتفهم ما يحصل، فسوف لا تجيز لهم العمل وفق ما اطلعوا عليه، فقد تعَرّفَ العديد من الناس في الكوفة او الشام او أثناء الطريق من خلال كلام مولاتنا زينب الكبرى والإمام السجاد “عليهما السلام” ، او من خلال مشاهدة حال الأسرى والسبايا، فعرفوا الناس الكثير من الأمور.
لكن من كان يجرؤ؟! ومن كان قادرا في مقابل نظام الظلم والاستكبار والاستبداد والقمع ذاك على ان يبوح بما عرفه؟! فقد ظل خيط الحقيقة كالشوكة في حلقوم المؤمنين، لكن هذه الشوكة تعرضت يوم الأربعين لأول ضربة، ففي الأربعين في كربلاء حصل أول فوران ثوري حسيني، عندما وصل موكب الأسرى والسبايا إلى كربلاء يوم الأربعين، ولم يكن حضور جابر بن عبد الله الأنصاري وعطية العوفي فحسب، بل كان هناك رجال من بني هاشم وعدد من الأصحاب قد تحلقوا وأحاطوا حول قبر الإمام الحسين “عليه السلام” ، وحضروا لإستقبال مولاتنا زينب الكبرى “عليها السلام”.
وهذه السياسة العقائدية التي سارت عليها العقيلة زينب “سلام الله عليها” من خلال اصرارها على المرور بكربلاء في طريق العودة من الشام، والوصول إلى هذه الغاية تحديدا وهي حصول هذا الإجتماع القليل عددا والغني مضمونا.
وَفَدَت العقيلة زينب “سلام الله عليها” وبصحبتها الثلة الطيبة من أهل البيت على كربلاء، وكان عطية العوفي وجابر بن عبد الله الأنصاري ورجال من بني هاشم موجودين هناك، وهنا تحقق الهدف الذي كان ينبغي أن يتحقق عن طريق الشهادة، وهو نشر هذا الفكر، وزرع الجرأة في قلوب الناس.
فمن هنا تحديدا انطلقت شرارة حركة التوابين، ومع أن هذه الحركة قد قمعت، لكن ما لبثت حتى اعقبتها بعد فترة وجيزة ثورة المختار والآخرين من أبطال الكوفة فكانت نتيجتها اجتثاث أصول أسرة بني أمية الظالمة الخبيثة، ومع أن سلالة آل مروان قد خلفتها، لكن المقارعة والنضال قد استمرت وإن الباب قد انفتح.
هذه هي خصوصية الأربعين، كان هناك تبيان للحقائق، وكان هناك عمل جبار وعظيم ، كما أن الأهداف المرجوة من هذا التبيان قد تحققت في يوم الأربعين أيضا، فكان حقا يوم الأربعين الماكنة الإعلامية الجبارة، ورسالة انتصار للطف الزينبي الحسيني، ومبلغاً للفتح المبين، وتمهيدا لإستقبال الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة
بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني