فراغ السلطتين عقب الانتخابات… برزخ متكرر بين توقف البرلمان وتباطؤ الحكومة

الكاتب || مركز بدر للدراسات الاستراتيجية

تتكرّر في العراق، عقب كل دورة انتخابية، حالة من التراخي المؤسساتي والكسل الإداري داخل أجهزة الدولة، وهو نمط بات يُلقي بظلال ثقيلة على حياة المواطنين. تظهر أولى علاماته عادةً في تراجع أداء الخدمات الأساسية، وعلى رأسها دوائر النظافة البلدية، والماء والكهرباء والمجاري والنقل ومعاملات الناس في دوائر الدولة، في شوارع بغداد والمحافظات تتكدس النفايات بعد أن كانت دوائر النظافة نشيطة ومتحمسة خلال أشهر الحملات الانتخابية. هذا التحوّل الحاد من النشاط الانتخابي إلى السكون الحكومي ليس مجرد خلل إداري عابر، بل هو مؤشر على أزمة في الهيكلية الادارية والثقافة السياسية وفي احترام الواجب العام.
من الناحية القانونية، لا وجود لفراغ حكومي في هذه المرحلة. فالحكومة ما تزال مكلّفة دستورياً بأداء جميع وظائفها، الأمنية والخدمية، ومجلس النواب ما يزال قائماً من حيث المبدأ وان انتهت ولايته. يمكن القول ان الحكومة ومجلس النواب دخلا فترة تصريف الاعمال لكنهما لم يخرجا من الخدمة، او بتعبير آخر انتهت ولايتهما الدستورية ولم ينته واجبهما الوطني الشرعي القانوني المرتبط بالقَسَم والتعهد الرسمي، ومع ذلك يُلاحظ أن كلا السلطتين—التنفيذية والتشريعية—تتباطآن حاليا في أداء مهامهما، وكأن البلاد دخلت في حالة “برزخ سياسي” غير منصوص عليه في الدستور ولا يقرّه القانون. وهنا تُثار أسئلة جوهرية :
من يراقب ومن يحاسب عندما تتراجع السلطتان عن أداء واجباتهما بينما هما ما تزالان مكلفتين ولا ينتهي التكليف حتى يأتي برلمان جديد وحكومة جديدة؟ كيف يمكن للبرلمان، وهو الجهة المخوّلة دستورياً بمحاسبة المقصرين، أن يتحول هو نفسه إلى أول المتقاعسين، فيغلق أبوابه بلا سبب موضوعي وهو في فترة تصريف الاعمال؟ ومن الجهة المخوّلة دستورياً أو سياسياً أو أخلاقياً بمراقبة أداء الدولة في هذه الفترة الانتقالية، ولماذا لا توجد نصوص دستورية او قانونية تغطي فترة تصريف الاعمال وتنظمها؟
يصبح هذا السؤال أكثر خطورة عند النظر إلى ما سيحدث بعد انتهاء الدورة البرلمانية، إذ تتحول الحكومة تلقائياً إلى تصريف أعمال، بينما الدخول في تشكيل حكومة جديدة يخضع لتوقيتات دستورية صارمة لكنها في الواقع كثيراً ما تُستنزف بفعل الخلافات السياسية:
1. بعد المصادقة على النتائج، ينعقد مجلس النواب الجديد.
2. يُنتخب رئيس الجمهورية خلال 30 يوماً.
3. يكلّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة الأكبر خلال 15 يوماً.
4. يمنح المكلّف 30 يوماً لتقديم تشكيلته الحكومية.
وفي حال الفشل، يُعاد التكليف من جديد، وتستمر الحكومة القائمة بتصريف الأعمال إلى أجل غير معلوم.
وسط هذا التعقيد، تُصبح حكومة تصريف الأعمال—التي يفترض أن تكون محدودة الصلاحيات—الفاعل الوحيد في المشهد العام، بلا رقابة برلمانية فعّالة، وبزمن مفتوح يتجاوز غالباً المدد الدستورية المفترضة. وهذا يخلق فراغاً رقابياً خطيراً، ويُضعف مستوى الاداء التنفيذي والانضباط الإداري، ويؤثر مباشرة على الأمن والخدمات والاقتصاد.
إن تكرار هذه المتوالية من التباطؤ المؤسسي بعد كل انتخابات يكشف حاجة ملحة إلى تدابير ثابتة، منها مثلا ايجاد سلطة عليا تشرف على الجميع في الايام الفاصلة بين دورتين. لكن الآن يترتب على القوى السياسية والقضاء العراقي المتابعة الدقيقة لأداء السلطات خلال هذه المرحلة الانتقالية، ووضع آليات واضحة تمنع تعطيل الدولة وتضمن استمرارية الخدمات الأساسية. فالفترة الحرجة بين نهاية دورة برلمانية وبداية أخرى ليست فراغاً دستورياً، بل هي جزء أصيل من عمر الدولة، ولا يملك أحد حق التضحية بحقوق الناس خلالها.

شاهد أيضاً

الزراعــــة: خطوات تنفيذية مشتركة لتعزيز الأمن الغذائي في العراق

أعلنت وزارة الزراعة، عن اعتماد سلسلة من الإجراءات التنفيذية المشتركة بين الوزارات بهدف تعزيز الأمن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *