كشفت صحيفة هآرتس العبرية عن تصاعد غير مسبوق في حالات الانهيار النفسي بين الجنود الإسرائيليين المشاركين في الحرب على قطاع غزة، مؤكدة أن آلاف العناصر النظاميين اضطروا إلى ترك الخدمة، بعضهم نهائيًا، بسبب الضغوط النفسية الهائلة التي يعيشونها.
وأفادت الصحيفة بأن تحقيقًا استقصائيًا استمر عدة أشهر، تضمن شهادات مباشرة من جنود وضباط، أظهر حجم المعاناة التي دفعت العديد منهم إلى الانسحاب من القتال، أو المطالبة بنقلهم إلى وظائف لوجستية أقل خطورة. وأشارت إلى أن هذه الأعداد “ليست هامشية”، بل وصلت إلى مستويات صادمة وفق تقديرات أقسام الموارد البشرية داخل الجيش.
شهادات مروّعة من بين الشهادات التي أوردتها الصحيفة، رواية جندي من لواء ناحال قال إنه فتح النار عشوائيًا في بيت لاهيا بعد إنذار كاذب بوجود مقاتلين فلسطينيين، ليتضح لاحقًا أن الضحايا كانوا امرأة وطفليها. وأوضح أنه يعيش منذ تلك الحادثة كوابيس متكررة، ولا يستطيع التخلص من ملامح الضحايا. قناص آخر، عمل في شمال غزة، وصف مهمته بأنها “لعبة قاسية” حيث يُطلق النار على كل من يتجاوز خطًا وهميًا حدده الجيش.
وقال إنه قتل العشرات يوميًا، بينهم أطفال، قبل أن يبدأ يعاني أعراضًا نفسية حادة تشمل نوبات هلع وكوابيس وهلاوس سمعية وبول لا إرادي أثناء النوم. كما تحدث جندي ثالث عن معاناته في بيت حانون، حيث تسببت انفجارات عرضية في إصابته بصدمة جعلته يرتعب من أي صوت مفاجئ. ورغم محاولاته طلب المساعدة الطبية، قوبل بالاستهزاء من ضباط الصحة النفسية الذين اتهموه بالجبن و”خيانة إسرائيل”.
وأشارت هآرتس إلى أن الجيش يتجنب نشر بيانات دقيقة حول أعداد المصابين بأمراض نفسية أو من يتركون الخدمة لهذا السبب، مؤكدة أن المؤسسة العسكرية “تتلاعب بالأرقام” وتخفي حجم الظاهرة الحقيقي. وقالت مصادر عسكرية للصحيفة إن عشرات الجنود في كل وحدة يطلبون الإعفاء من القتال يوميًا، فيما اعترف ضابط مشاة بأن ما يحدث “غير مسبوق” في تاريخ الجيش. كما وثقت الصحيفة محاولات انتحار متعددة في صفوف الجنود، بعضها انتهى بالموت، مثل حالة ضابط هندسة فجّر قنبلة في نفسه بعد عودته من جنوب غزة، في واقعة اختار الجيش عدم الإعلان عن اسمه.
أرقام ناقصة بحسب شهادة رئيس إدارة الصحة العقلية في الجيش أمام الكنيست، فقد تم إعفاء 1135 جنديًا من القوات النظامية والاحتياط من الخدمة بسبب أعراض ما بعد الصدمة. لكن هآرتس شددت على أن هذه الأرقام “مبتورة”، إذ لا تشمل الجنود المسرحين أو أولئك الذين ظهرت عليهم الأعراض بعد مغادرتهم الجيش.
وختمت الصحيفة بأن الأزمة تتفاقم بصمت داخل المؤسسة العسكرية، وسط تجاهل رسمي وتباطؤ متعمد في كشف الحقائق، بينما يواصل الجنود دفع ثمن نفسي قاسٍ للحرب المستمرة على غزة.
قناة الغدير الفضائية قناة اخبارية مستقلة