في كل عام، تشهد أرض العراق أعظم مسيرة عرفها التاريخ البشري، إنها مسيرة الأربعين حين يزحف الملايين صوب كربلاء الإمام الحسين (ع) وآل بيته (ع) وأصحابه ( سلام الله عليهم)، حاملين في قلوبهم شوقاً، وفي أقدامهم إيماناً لا يعرف التعب.
تنهض زيارة الأربعين كأكبر مظاهرة روحية – سياسية – ثقافية في وجه الظلم والطغيان، وترسم معالم الأمة التي لا تموت، والأمل الذي لا ينطفئ.
هي ليست مجرد مسيرة للمشي أو طقساً دينياً، بل هي فعل مقاومة وثورة.
هي كربلاء المتجددة في كل عام، التي تقول للطغاة كلما قتلتم حسيناً سيولد ألفُ حسين، وكلما استشهدَ مجاهدٌ سيُزهر طريق. لكن هذا الزحف المقدّس لا يمرّ دون أن يقف التاريخ بإجلال أمام من يصنعون له الأرضية الآمنة والروحية والخدمية، إنهم أبناء الحشد الشعبي المقدس.
لقد أثبت الحشد الشعبي، أنه ليس مجرّد قوّة عسكرية قاتلت داعش، بل هو مشروع ثقافي وعقائدي، متجذّر في مدرسة عاشوراء. وهذا ما عبّر عنه سماحة شهيد الأمة الإسلامية السيد حسن نصر الله (رض) في أكثر من خطاب، حين قال:
“شكراً لمن خدموا زوار الإمام الحسين (ع)، وفي مقدمتهم الإخوة في الحشد الشعبي، الذين قدّموا دماءهم في ساحات الجهاد، واليوم يقدّمون أرواحهم في خدمة الزائرين”.
وجود الحشد المقدس في مسيرة الأربعين يرسل للعالم رسالة واضحة، أن هذه الأمة تملك حُماةً وخَدَمةً من طراز فريد، لا يطلبون جزاءً ولا شكوراً، بل يعملون فقط لإحياء شعائر الإمام الحسين (ع)، ولخدمة كل من لبّى نداء “هل من ناصر؟”.
هؤلاء هم رجال الحشد الشعبي الذين لبّوا نداء المرجعية دفاعاً عن الأرض والعِرض والمقدّسات، وها هم اليوم يلبّون نداء الإمام الحسين (ع)، خَدَمَة لزائريه ومُضيّفين للعشّاق القادمين من كل فجٍّ عميق.
إنه التحام السلاح بالولاء، حيث لا تناقض بين الجندية والثورة الحسينية، بل وحدة جبهتين: جبهة تقاتل وجبهة تخدم، والهدف واحد حفظ الإسلام المحمدي الأصيل.
في مشهد الأربعين، ليس غريباً أن يكون أبناء الشهداء، وإخوانهم، وأحباؤهم، هم في طليعة من يُقيمون المآتم، ويوزّعون الطعام، ويحمون الطرقات، ويصرخون بأعلى صوتهم: “لبّيك يا حسين.. لبّيك يا زوّار الحسين!”.
بهذا المشهد، يُثبت الحشد الشعبي أنه ليس قوة عسكرية فقط، بل ثقافة، عقيدة، مشروع، وامتداد للدم الزكي الذي سال في الطف.
في الطريق إلى كربلاء، لا يُرفع فقط اسم الإمام الحسين (ع)، بل تُرفع رايات غزة، صور الشهداء، أعلام المقاومة، وتُجدد البيعة للقدس وللمقاومة.
في هذه الزيارة يُولد جيل مقاوم، يرى الإمام الحسين (ع) إمامه، وسيد الشهداء قائده، والمجاهدين أبطاله، وعلى رأسهم سيدهم وملهمهم شهيد الأمة الإسلامية السيد حسن نصر الله (رض).
زيارة الأربعين اليوم، هي الردّ العملي على المشروع الصهيوني – الأمريكي، فمن مشاية الأربعين تنطلق رسائل الحشد الشعبي المقدس أن شعوبنا لا تخاف، وأن مشروع الهيمنة لن يمرّ، وأن الدم ما زال أقوى من السيف.
قناة الغدير الفضائية قناة اخبارية مستقلة