سـ ـلاح المقــ ــاومة: راية الحـــــق في مواجهة الظلــــــم

يتصدر الحديث السياسي والإعلامي هذه الأيام موضوع سلاح المقاومة، الذي يُعدّ رمزًا للدفاع عن الحق ومواجهة الظلم، وليس مجرد أداة حرب المقاومة، بما تحمله من عقيدة راسخة في نصرة المستضعفين ورفض الهيمنة، تعلن بوضوح انتماءها إلى مبادئ الإسلام الأصيل، مستندة إلى القرآن الكريم وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام). هذا السلاح ليس ملكًا لأفراد أو جماعات، فهو أمانة لإقامة العدل ودحر الطغيان، وفقًا لما أمر به الله في قوله: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (هود: 113).

مقال للكاتب | نجاح محمد علي

نقض الروايات المانعة من الخروج: بين السند والدلالة

يتذرع البعض بروايات تدعو إلى لزوم البيوت أو تحذر من الخروج قبل ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، للتشكيك في شرعية المقاومة المسلحة. لكن هذه الروايات، عند التدقيق، لا تقاوم النقد العلمي للأسباب التالية:

ضعف السند: العديد من هذه الروايات، كرواية أبي الجارود أو أبي مرهف، ضعيفة السند، ولا يمكن التعويل عليها في إصدار أحكام شرعية. على سبيل المثال، رواية “كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت” (الكافي) صحيحة السند، لكن دلالتها تقتصر على رايات الضلالة التي يرفعها مدعو الإمامة بغير حق، وليس على كل حركة مقاومة تهدف إلى دفع الظلم.

سياق الفتنة: الروايات التي تحذر من الخروج غالبًا ما تتحدث عن فتن يغلب عليها الغموض، حيث لا يتضح وجه الحق. أما إذا كان الحق جليًا، كما في مقاومة الظالمين الذين يعتدون على الأرض والعرض، فإن الواجب الشرعي يحتم الدفاع، كما أشار الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته ضد الطغيان الأموي.

التحريم يخالف الفطرة والشرع: روايات مثل تلك التي تحرم الدفاع حتى في حال الاعتداء على البيت تخالف الفطرة الإنسانية وضرورة الشرع التي تجيز بل توجب حماية النفس والعرض. قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ (البقرة: 190).

مدح حركات المقاومة: الروايات التي تمدح راية اليماني أو أهل قم أو أصحاب الرايات من المشرق تدل على شرعية الخروج ضد الظلم في زمن الغيبة، بشرط أن يكون تحت قيادة فقيه عادل جامع للشرائط. هذه الروايات تؤكد أن المقاومة لإقامة الحق ودفع الضيم مشروعة، بل محمودة.

القرآن وتعاليم أهل البيت: دعم المقاومة

القرآن الكريم يدعو إلى مواجهة الظلم والدفاع عن الحق، كما في قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا  وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج: 39). وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) تؤكد هذا المبدأ، حيث نهض الإمام الحسين (عليه السلام) ليقول: “ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه؟”. المقاومة اليوم تمثل امتدادًا لهذه النهضة، حيث تسعى لإقامة العدل ورفض الخضوع للظالمين.

دور الفقيه العادل

في زمن الغيبة، يتولى الفقيه العادل الجامع للشرائط نيابة الإمام (عليه السلام) في قيادة الأمة. الروايات التي تحدثت عن لزوم البيوت كانت تتعلق بظروف خاصة، كالتقية أو الحذر من مدعي الإمامة الكاذبين. أما المقاومة بقيادة فقيه عادل، فهي جهاد مشروع لإعزاز الدين ودفع الظلم، كما أشار الإمام الصادق (عليه السلام) في مدح راية اليماني وغيرها.

رد الشبهات حول سلاح المقاومة

شبهة الدولة والاقتصاد: يزعم البعض أن نزع سلاح المقاومة يعزز الاقتصاد ويوحد الدولة. لكن التأريخ يثبت أن الخضوع للظالمين، كما في تجارب الاستعمار، يؤدي إلى استنزاف الثروات وتدمير الأوطان. المقاومة هي التي تحمي السيادة وتضمن كرامة الشعوب.

شبهة العقيدة: يحاول البعض ربط المقاومة بأفكار عقائدية ضيقة، كالانتظار السلبي للمهدي. لكن العقيدة الحقيقية، كما وردت عن أهل البيت، تدعو إلى الإعداد والجهاد، كما في قول الإمام الصادق (عليه السلام): “كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد (أي الاجتهاد في العمل بطاعة الله) والصلاة والخير، فإن ذلك داعية (أي يكون عملكم الحسن داعياً للناس للدخول فيما أنتم فيه من ولاية أهل البيت عليه السلام)”. المقاومة هي إعداد لدولة الحق، وليست خروجا على شرع الله.

شبهة الفتنة: الروايات التي تحذر من الفتن لا تنطبق على المقاومة التي تدافع عن الحق الواضح، بل على الحروب الداخلية التي تفتقر إلى قيادة شرعية. المقاومة اليوم، بقيادة فقهاء عادلين، تتصدى للظلم الخارجي، وهو ما أقره الشرع.

المقاومة درع الأمة

سلاح المقاومة ليس أداة تفرقة أو فتنة، بل هو درع الأمة في وجه الطغيان. إنه امتداد لنهج أهل البيت (عليهم السلام) في رفض الظلم والدفاع عن المستضعفين. الروايات التي استُدل بها لتحريم الخروج إما ضعيفة السند، أو ناظرة إلى سياقات خاصة لا تنطبق على مقاومة الظلم الواضح. المقاومة اليوم، بقيادة فقهاء عادلين، هي راية حق، وواجب شرعي يحفظ كرامة الأوطان ويمهد لدولة العدل الإلهي. قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ  إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 40).

شاهد أيضاً

منتخبنا الوطني بالزي الأبيض بمباراته أمام نظيره السوداني في كأس العرب

عُقد اليوم الجمعة، المؤتمر الفني لمباراة العراق والسودان المقرر إقامتها يوم غد السبت ضمن منافسات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *