كيف تحدد إيـــران أهدافها داخل إسـ ـرائيل دون الاعتماد على الشركات الأمريكية؟

 في ظل التصعيد المتزايد للتوترات الأمنية والعسكرية في غرب آسيا، تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ سنوات سياسة ممنهجة من الحظر التكنولوجي الذي تفرضه الشركات الغربية، وعلى رأسها الأمريكية. من أخطر أدوات هذا الحظر: قطع الوصول إلى الصور الفضائية عالية الدقة والمعلومات الجغرافية الدقيقة للأراضي المحتلة، في محاولة لحرمان إيران من واحدة من أهم أدوات السيادة: المعلومة.

مقال للكاتب | مجتبى نيكيان شفتي 

لكن، كما أثبت التاريخ الإيراني المعاصر، فإن كل حصار يتحول إلى دافع نحو الاكتفاء الذاتي، والسيادة التقنية.

لماذا اتجهت إيران إلى الفضاء؟
في الحروب الحديثة، أصبحت البيانات الجغرافية والصور الجوية الدقيقة عنصرًا حاسمًا في توجيه الضربات الاستراتيجية، وتحديد مراكز القيادة والمنشآت الحساسة للعدو. امتناع شركات مثل Google Earth وMaxar وPlanet Labs عن تزويد إيران بمثل هذه البيانات عن العمق “الإسرائيلي”، شكّل تهديدًا صريحًا للأمن القومي الإيراني.

لكن إيران لم تنتظر مكر الآخرين. أطلقت مشروعًا وطنيًا فضائيًا يتجاوز الحاجة إلى بيانات الغرب، ويؤسس لبنية تحتية استخباراتية مستقلة.

“نور”: العيون الإيرانية في السماء
أقمار “نور-1″ و”نور-2” و”نور-3″، التي أطلقتها القوة الجو-فضائية التابعة للحرس الثوري، لم تكن مجرد مشروع رمزي أو استعراضي، بل مثلت نقلة استراتيجية في أدوات الرصد والتخطيط.

نجحت هذه الأقمار في تصوير مواقع حساسة داخل الأراضي المحتلة بدقة عالية، ووفّرت لطهران بنية معلوماتية مستقلة ساعدتها في تجاوز الحصار المعلوماتي الغربي.

أبرز قدراتها:

منظومات تحديد مواقع مستقلة تمامًا عن GPS الأمريكي

القدرة على كشف وتحديد مواقع القواعد العسكرية والمنشآت الأمنية

تصوير أرضي بدقة عالية (High-Resolution Imaging)

تتبّع تحركات الطيران والنقل اللوجستي في نطاقات واسعة من المنطقة

GPS: أداة السيطرة الأمريكية
رغم أن نظام GPS يُسوَّق كنظام ملاحة مدني عالمي، إلا أن حقيقته الاستراتيجية تكمن في أنه أداة تخضع لسيطرة وزارة الدفاع الأمريكية. تمتلك واشنطن القدرة على حجب الإشارة عن مناطق محددة، أو حتى إرسال بيانات مضللة، كما حصل أثناء الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان.

هذه الحقيقة دفعت قوى دولية عديدة مثل روسيا، الصين، الهند، بل وحتى الاتحاد الأوروبي، إلى البحث عن بدائل مستقلة، لاستخدامها في السياقات العسكرية والاستراتيجية.

من يملك نظام تحديد مواقع مستقلًا؟
روسيا: نظام “غلوناس” (GLONASS) – تغطية عالمية، منافس مباشر لـ GPS

الصين: نظام “بيدو” (BeiDou) – أكثر من 40 قمرًا يغطي العالم، ويستخدمه أكثر من 120 بلدًا

الاتحاد الأوروبي: نظام “غاليلو” (Galileo) – في طور الاكتمال، لتحقيق الاستقلال عن واشنطن

الهند: نظام IRNSS (NavIC) – يغطي جنوب آسيا ويتوسع تدريجيًا

إيران: تعمل على بناء منظومتها الخاصة، مدعومة بأقمار “نور”، لتأمين الاستقلال المعلوماتي الكامل

بهذا، تُصنَّف إيران اليوم ضمن الدول القليلة التي تمتلك مسارًا عمليًا نحو التحرر الجزئي أو الكامل من الهيمنة المعلوماتية الغربية، خصوصًا في المجالات العسكرية والأمنية.

الخلاصة: من الحظر إلى المبادرة
تحوّلت سياسة الحظر الغربية إلى دافعٍ لتعزيز السيادة الإيرانية، تقنيًا واستخباراتيًا. لم تعد إيران رهينة لصور الأقمار الصناعية الغربية، بل باتت قادرة على الرصد المباشر والتخطيط الدقيق والرد الاستراتيجي متى شاءت.

ما حققته إيران في مجال الفضاء لا يُعد فقط إنجازًا تكنولوجيًا، بل تحوّلًا في موازين الردع: تحوّل من الدفاع إلى المبادرة، ومن التبعية إلى القيادة، ومن المعلومات المستوردة إلى المعلومات السيادية.

شاهد أيضاً

الزراعــــة: خطوات تنفيذية مشتركة لتعزيز الأمن الغذائي في العراق

أعلنت وزارة الزراعة، عن اعتماد سلسلة من الإجراءات التنفيذية المشتركة بين الوزارات بهدف تعزيز الأمن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *