هل يمكن حقاً حل حزب العمـــــــــــال الكردستاني؟ وماذا عن العـــــــــراق!

يثير إعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ نفسه نقاشاً واسعاً حول إمكانية تنفيذ هذه الخطوة فعلياً، وتعقيداتها على المستويين الإقليمي والدولي، لاسيما على الأوضاع في العراق، حيث تظهر تأثيرات الحزب بشكل واضح في منطقتين، من أقصى شرقي كردستان حيث مرتفعات قنديل وصولاً إلى أقصى الغرب عند سنجار.

وناقشت وسائل اعلام عدداً من الباحثين الكرد من إقليم كردستان والخارج، وتخلص القراءات إلى أن أهمية هذه الخطوة تتوازى مع حساسيتها واحتمالاتها المفتوحة، ويناقش التحليل التالي التصورات الممكنة لتنفيذ حل الحزب، حيث يتوقع أن يكون الأمر سهلاً نسبياً في تركيا ومفيداً، بينما تزداد الصعوبة حين يتعلق الأمر بوضع عناصر الحزب في إيران مثلاً، أما التنفيذ في سوريا فتبدو إمكانياته أكبر مع بعض التحديات، ويبقى الوضع في العراق من بين الأكثر تعقيداً مع انتشار عناصر وتأثيرات الحزب على خريطة شاسعة واستراتيجية، وبعيداً عن كل هذا.. يجمع الباحثون على أن رد الفعل التركي سيكون أمراً حاسماً في نجاح أو تعثر الخطوة.

ويمتلك الحزب مصالح وشبكات مترامية تمتد عبر العراق وسوريا وإيران وتركيا، وصولاً إلى أوروبا، ووجوده العسكري في العراق راسخ في المناطق الجبلية الوعرة شمالي إقليم كردستان، مثل قنديل، متین، گارة، آڤاشين، وحفتانين، وهي مناطق لم تتمكن أية سلطة في تاريخ العراق من فرض سيطرتها عليها بشكل كامل، وكانت دائماً مسرحاً لمواجهات بين البيشمركة والجيش العراقي مدعوماً بالطيران الحربي والمروحيات، ولذا فإن التساؤل الأبرز في هذا الإطار يتعلق بكيفية تنفيذ عملية الإخلاء من تلك المناطق؟ وما إذا كان مقاتلو الحزب سينسحبون إلى المدن الكردية، وهل سيسلمون أنفسهم إلى حكومة الإقليم أم الحكومة الاتحادية أم للقوات الأميركية مثلاً؟

وتقود تلك التساؤلات إلى نقطة لا تقل حساسية تتعلق بالمصير المحتمل ل 138 موقعاً وقاعدة عسكرية تركية تنتشر في تلك المناطق، أنشأتها تركيا بذريعة ملاحقة عناصر الحزب.

وتحكم تفاهمات إقليمية وجود “البككة” في قنديل بشكل خاص، فالحزب يتمتع بتسهيلات إيرانية غير معلنة مقابل التزام جناحه الإيراني، حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، بوقف نشاطاته داخل إيران. وكان التفاهم جزءاً من اتفاق رعاه الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، وشارك فيه النظام السوري برئاسة بشار الأسد. ونص الاتفاق على سحب القوات السورية من المناطق الكردية عام 2011، وتسليم السيطرة فيها لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، النسخة السورية من حزب العمال.

ومنذ ذلك الحين، لم ينفذ PJAK أي هجوم داخل الأراضي الإيرانية، فيما واصلت إيران استهداف الأحزاب الكردية الإيرانية الأخرى المتواجدة في كردستان العراق.

وفي سوريا، يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي فعلياً على مناطق الإدارة الذاتية، رغم أن الواجهة الرسمية هي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك عبر الجناحين المسلحين للحزب، وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، اللذين كانا القوة الأساسية التي تصدت لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في معركة كوباني عام 2014، أما لاحقاً، ومع دخول الولايات المتحدة على خط الصراع، فقد تشكلت قوات سوريا الديمقراطية حيث ضمت فصائل كردية وعربية، ليصبح التعامل الأميركي حصرياً معها.

في هذا السياق، حاول القائد العام لقسد مظلوم عبدي النأي بنفسه عن حزب العمال، وسعى إلى بناء علاقات مباشرة مع قيادة إقليم كردستان، وبخاصة مع زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني. ولم تتكلل تلك المحاولات بالنجاح إلا بعد بدء “مسيرة السلام” واللقاءات التي أجراها زعيم حزب العمال عبدالله أوجلان ما سمح لعبدي بزيارة أربيل وفتح قناة سياسية جديدة.

وقد يخدم حلّ الحزب مشروع مظلوم عبدي إذا قرر فعلاً فك الارتباط مع الشبكات والتنظيمات التابعة للحزب، وعلى رأسها PYD وPJAK. وستكون بيانات تلك الأحزاب خلال الأيام القادمة مؤشراً حاسماً.

داخلياً في تركيا، يبدو تطبيق حل الحزب أمراً أسهل نسبياً. فأوجلان سيبقى يتمتع بنفوذ كبير بين أنصاره، يشبه في طبيعته تأثير زعماء كبار التيارات مثل العلاقة بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وأنصاره، كما أن حزب الشعوب الديمقراطي (DEM) يعمل بشكل قانوني داخل تركيا ويوفر واجهة سياسية للحراك الكردي، وكذلك في أوروبا، حيث يمتلك الحزب شبكات اقتصادية معقدة، مُسجلة بأسماء أفراد، ويصعب تفكيكها أو تسليمها بسهولة.

ومن المتوقع أن يتركز النقاش في المرحلة القادمة، على مدى جدية الحزب في حل نفسه، ومدى رضا أنقرة عن هذه الخطوة، وتبرز هنا نقطة محورية قد تحدد مصير العملية برمتها، تتعلق بطريقة تعاطي الحكومة التركية مع إعلان الحل.

وإذا قررت أنقرة اعتبار عناصر الحزب السابقين “مجرمين تائبين”، فقد تتعامل معهم عبر المسارات الأمنية والقضائية، بما في ذلك الاعتقال أو المحاكمة. أما إذا قررت فتح مسار سياسي، فقد يؤدي ذلك إلى إطلاق عملية مصالحة جديدة تشبه المحاولة التي جرت خلال الأعوام 2013 – 2015.

وبغياب موقف رسمي تركي واضح حتى الآن سيبقى من الصعب تقييم الاتجاه المحتمل، لكن الموقف التركي سيشكل العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان حل الحزب سيمثل نهاية فعلية للصراع، أم مجرد إعادة تموضع تحت مسميات وتنظيمات مختلفة.

وبالنسبة للعراق، يزداد الترقب مع التطورات الأخيرة، فالتساؤلات تحيط بمصير وحدات حماية سنجار، فالمدينة تشكل ملفاً شائكاً نظراً لتداخل نفوذ الحزب فيها مع خصوصية التركيبة الديمغرافية والاعتبارات الأمنية المرتبطة بها.

شاهد أيضاً

التخطيــــط: انخفاض نسبة الفقر في العـــــراق وتحضيرات لاستراتيجية 2026-2030

أعلنت وزارة التخطيط، اليوم الجمعة، انخفاض نسبة الفقر مقارنة بالسنوات السابقة، فيما أشارت الى مواصلتها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *