الشيخ محمد الربيعي ||
تعرّض يوم مبعث رسول الإسلام “صلی الله عليه وآله وسلم” للاختلاف من حيث التعيين والتحديد فهو مثل یوم ولادته ويوم وفاته صلى الله عليه وآله غير مقطوع به، من وجهة نظر المؤرخين وكُتّاب السيرة النبوية.
لقد اتفق علماء الشيعة على القول بان رسول الله صلى الله عليه وآله بُعث بالرسالة في السابع والعشرين من شهر رجب، وأن نزول الوحي عليه قد بدأ من ذلك اليوم نفسه.
هناك من يرى ان البعثة تكون في شهر رمضان لانه هناك ملازمة بين البعثة و نزول القران الكريم .
نعم غاية ما يمكن الاستدلال به على القول الآخر هو تصريح القرآن الكريم نفسه بأن آيات القرآن نزلت في شهر رمضان، وحيث إن يوم بعثة النبي صلى الله عليه وآله كان هو بنفسه يوم بدء نزول الوحي ، والقرآن عليه، لهذا يجب القول بان يوم البعثة الشريفة انما كان في نفس الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم: اي شهر رمضان المبارك .
هذا يرد بأجوبة عديدة وللاختصار سنكتفي بجواب واحد ونقول :
إن للوحي – مراتب ومراحل، يتمثل أول مراتبه في الرؤيا الصادقة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وآله.
والمرتبة الأخرى تمثلت في سماعة للنداء الغيبيّ الالهيّ من دون وساطة ملك .
و آخر تلك المراتب هو إن يسمع النبي كلام الله من ملك يبصره ويراه، ويتعرف عن طريقه على حقائق العوالم الأخرى.
حيث أن النفس الإنسانية لا تستطيع في الوهلة الأولى تحمل مراتب (الوحی) جميعها دفعة واحدة بل لابد أن يتحملها تدريجاً، لهذا يجب القول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سمع يوم المبعث (اليوم السابع والعشرون من شهر رجب) النداء السماوي الذي يخبره بأنه رسول الله، فقط ولم تنزل في مثل هذا اليوم أية آية قط، وقد استمر الأمر على هذا المنوال مدة من الزمان. ثم بعد مدة بدأ نزول القرآن الكريم على نحو التدريج ابتداء من شهر رمضان.
خلاصة هذا الجواب هي أن ابتعاث الرسول صلى الله عليه وآله بالرسالة في شهر رجب لا يلازم نزول القرآن في ذلك الشهر حتما.
على هذا الأساس ما المانع من أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر رجب، وينزل القرآن الكريم في شهر رمضان من نفس ذلك العام؟
محل الشاهد :
ليست صلتنا بقضيّة «المبعث النبويّ» صلة ذكرى نعيشها فتستوقفنا قليلاً ثمّ لا تلبث أن يلفّها الصّمت في غمار النّسيان، وإنّما هي صلة العقيدة بمولدها، والرّسالة بمنطلقها، والإنسان بانطلاقة كيانه وبداية مجده.
إنّها الحدث الذي هزَّ كيان الإنسانيّة، بعد أن غفا مدّةً من الزّمن، وفتح كلَّ جانبٍ من جوانب الحياة على الحقّ والخير والجمال، وانطلق بالإنسان إلى حياة مُثلى يسودها العدل والأمن، بينما تنفجر أعماقها بالفكر النيّر والروحيّة الخلّاقة المبدِعة، في عمليّة خصب وعطاء. وهي ـ بعد ذلك ـ قضيّة الحياة الكبرى الّتي تنطلق لتبلغ بنا شاطئ الأمن والسّلامة.
تلك هي قصَّة المبعث كما نتمثَّلها في أعماقنا، وكما يعيها الفكر النّاقد الّذي يلائم بين البداية والنّهاية، فلا يتصوّر البداية إلّا بالعظمة التي تسير بها النهاية، لا سيَّما إذا كانت البداية بداية نبوّة ورسالة، تستهدف إعداد إنسانٍ ما لحمل فكرة السّماء على الأرض، ولتبديل القيم الجاهليّة بقيم إسلاميّة جديدة، لتهزّ الضمير الإنسانيّ في عملية تجديد وإبداع.
لا بدَّ لهذه البداية من أن تكون رائعةً في جوّها وتفاصيلها، ولا بدَّ لهذا الإنسان من أن يكون عظيماً في وعيه وتفكيره وقوَّته، لأنّ قضية النبوَّة تختلف عن أيّ قضية أخرى من حيث طبيعة المرسِل والرسول والرسالة…
السؤال : ما هو دورنا الآن في ذكرى المبعث؟!
أن نعرف مسؤوليّتنا في جيلنا وفي مرحلتنا عن المعنى الّذي بعث به الرّسول؛ كيف نحرّك القرآن في الحياة كما حرَّكه، وكيف ندعو إلى الإسلام في الحياة كما دعا إليه، وكيف نقوّي مواقع الإسلام في كلّ ساحات الصّراع كما قوَّاه، وكيف نطلقه دعوةً للعالم كلّه كما كان دعوةً للعالم، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً…}، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}
إنَّ مسألة إسلامكم ليست حدودها حدود حياة رسول الله، فرسول الله بشر يحيا كما يحيا البشر، ويموت كما يموت البشر، ولكنَّ الإسلام رسالة الله، فاحملوه بعد رسول الله (ص)، وتحمَّلوا مسؤوليَّته بعد رسول الله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق وشعبه