زيارة السوداني إلى بريطانيا: خطوة استراتيجية نحو شراكة متكاملة..!

ناجي ألغزي: كاتب سياسي ||

تمثل زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى بريطانيا حدثاً مفصلياً في مسار العلاقات العراقية-البريطانية. تأتي الزيارة في سياق سياسي واقتصادي بالغ الحساسية، حيث يسعى العراق لإعادة التموضع على الساحة الدولية كمركز جذب للاستثمار والشراكة، بعيداً عن تاريخه كمنطقة صراعات وتصفية حسابات.

الدلالات البروتوكولية والسياسية

أحد أبرز محاور الزيارة كان استقبال الملك تشارلز الثالث للسوداني في قصر بكنغهام، وهو خرق استثنائي للبروتوكول الملكي البريطاني الذي يقصر الاستقبال في القصر على الملوك ورؤساء الدول. يعكس هذا الحدث اهتماماً خاصاً بالعراق كدولة محورية في الشرق الأوسط، ويشير إلى تقدير واضح للقيادة العراقية الحالية ودورها في تعزيز الاستقرار الإقليمي.

إلى جانب ذلك، تأتي هذه الزيارة بالتزامن مع تغييرات مهمة في سياسة بريطانيا تجاه العراق، ومنها رفع العراق من قائمة السفر الحمراء إلى البرتقالية والصفراء. هذه الخطوة ليست مجرد تعديل إداري، بل مؤشر على ثقة متزايدة بالوضع الأمني في العراق، مما يفتح الباب لتسهيل حركة العراقيين دولياً ويعزز صورة العراق كوجهة للاستثمار.

أبعاد اقتصادية وتنموية

ركزت الزيارة بشكل كبير على القضايا الاقتصادية والتنموية، حيث تم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بمشاريع تتجاوز قيمتها 12 مليار جنيه إسترليني. عودة شركة B.P البريطانية للعمل في العراق، والتلميحات بشأن عقود جديدة تتجاوز صفقة شركة توتال الفرنسية، تؤكد أهمية العراق كشريك في قطاع الطاقة.

من جهة أخرى، اصطحاب السوداني لوفد يضم نحو 70 رجل أعمال عراقي يعكس رؤية عراقية جديدة تركز على تحفيز القطاع الخاص وتعزيز الشراكات الثنائية. اللقاءات مع 24 شركة بريطانية تشير إلى توجه واضح نحو الاستثمار في البنى التحتية والطاقة والتعليم، وهي قطاعات تعد حيوية لإعادة بناء الاقتصاد العراقي.

محور التعليم والتبادل الثقافي

أحد الجوانب البارزة في الزيارة كان التركيز على التعليم والتبادل الثقافي، وهو محور أساسي لبناء شراكة طويلة الأمد بين البلدين. إعلان العراق عن برنامج كبير للمنح الدراسية يمكّن أكثر من 2000 طالب عراقي من الدراسة في المملكة المتحدة يعد خطوة استراتيجية لتأهيل الكفاءات العراقية، مما سيسهم في تطوير قطاعات متعددة داخل العراق.

إلى جانب ذلك، توقيع اتفاقيات مع الجامعات البريطانية يعزز من فرص التعاون الأكاديمي والبحثي. هذا التوجه يعكس إدراك القيادة العراقية لأهمية التعليم في بناء دولة قوية ومستدامة.

تحليل استراتيجي

زيارة السوداني تعكس تحولاً نوعياً في السياسة الخارجية العراقية. العراق، الذي كان يُنظر إليه لسنوات كدولة مضطربة، يسعى الآن لتقديم نفسه كشريك استراتيجي لدول العالم. تبني مبدأ “العراق أولاً” و”الشراكة المتبادلة” يؤكد رغبة العراق في الخروج من دائرة الصراعات إلى دائرة البناء والتعاون.

اختيار السوداني للتركيز على الاقتصاد والتنمية يعكس فهماً عميقاً لأولويات المرحلة الراهنة. فالعراق بحاجة ماسة إلى مشاريع تنموية تسهم في توفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة، وهذه الشراكات الدولية تمثل فرصة ذهبية لتحقيق هذا الهدف.

التحديات والآفاق المستقبلية

على الرغم من الزخم الإيجابي للزيارة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه العراق. البيئة الاستثمارية تحتاج إلى إصلاحات شاملة، بما في ذلك مكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون. بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح هذه الاتفاقيات يعتمد بشكل كبير على استقرار الوضع الأمني والسياسي في العراق.

من جهة أخرى، فإن تعزيز التعاون التعليمي والثقافي يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تغيير الصورة النمطية عن العراق، مما يسهم في بناء جسور الثقة والتفاهم مع المجتمع الدولي.

تقييم الزيارة

زيارة السوداني إلى بريطانيا تمثل خطوة استراتيجية نحو إعادة تموضع العراق على الساحة الدولية. التركيز على الشراكات الاقتصادية والتنموية والتعليمية يعكس رؤية قيادة عراقية تسعى لبناء دولة قوية ومستقرة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب إرادة سياسية وإصلاحات داخلية حقيقية.

تفتح هذه الزيارة آفاقاً واسعة للتعاون، لكنها في الوقت ذاته تضع العراق أمام مسؤولية كبيرة لترجمة هذه الشراكات إلى إنجازات ملموسة تعود بالنفع على الشعب العراقي.

شاهد أيضاً

السوداني: الحكومة مهتمة بتسليح القوات الأمنية بأحدث الأسلحة

أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الأربعاء، أن الحكومة مهتمة بتسليح القوات الأمنية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *