علي جاسب الموسوي
في حديث الإمام الخامنئي، دامت بركاته، يوم 25/11/2024 أمام حشد من التعبويين، تتجلّى رؤية عقائدية وأمنية عميقة تُبرز المعادلة الربانية التي تحكم الصراع بين الحقّ والباطل .. الإمام الخامنئي، بشجاعة القائد وبصيرة الفقيه، لم يكتفِ بالتنديد بجرائم الاحتلال الصهيوني، بل قدّم قراءة استراتيجية تُثبّت خطى المقاومة، وتُفكّك وهم الانتصار الذي يتغنّى به العدو.
العقيدة في حديث الإمام
يرتكز خطاب الإمام الخامنئي على العقيدة الإسلامية التي تؤمن بأن الظلم مهما استشرى، نهايته الخسران .. قوله: (لا أحد في العالم يعدّ قصف بيوت الناس والمستشفيات انتصارًا) هو إشارة إلى فساد الباطل في ذاته، مهما بدا قوياً ظاهرياً .. هذا التوجيه يربط الحضور التعبوي بجذر إيماني قرآني: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
الإمام يلفت النظر إلى أنّ الجرائم الصهيونية ليست ضعفًا للمقاومة، بل عاملًا لتوسيعها .. من هذا المنطلق، يُعرّف التعبوي دور المقاومة بأنها جبهة متنامية بتأييد الله، كما جاء في الآية المعلّقة خلف السيد الامام في حسينية السيد الامام الخميني رضوان الله عليه : {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}.
رؤية أمنية وسياسية
الإمام الخامنئي يضع قضية الجرائم الصهيونية في سياق أمني يتعدّى الإدانة، ليطالب بضرورة إصدار حكم الإعدام بحقّ قادة الاحتلال، وعلى رأسهم النتن ياهو هذه المطالبة تحمل أبعادًا أمنية عدّة:
1. الردع الجذري: إعلان الإعدام ليس مجرّد مطلب شعبي، بل استراتيجية لردع القادة الصهاينة من التفكير في مواصلة عدوانهم.
2. كشف ازدواجية القانون الدولي: الإمام يفضح بذلك تناقضات النظام الدولي، الذي يكتفي بمذكرات اعتقال شكلية لا ترقى إلى مستوى العدالة الحقيقية.
3. تعزيز المقاومة الشعبية: حديث الإمام يهيّئ الوعي الجماهيري في غزة ولبنان لمواصلة الصمود من منطلق أن المعركة ليست محلية بل عالمية، والعدو في مأزق أخلاقي وسياسي.
البعد التعبوي
في سياق حديثه عن الشباب الفلسطيني واللبناني، أضاء الإمام الخامنئي على روح التعبئة، قائلاً إن الخطر المستمر على الأوطان يفرض على الشباب خيار المواجهة .. هنا، تتحوّل المقاومة من حالة دفاع إلى فعل هجومي استباقي .. هذه الروحية التعبوية ليست مجرد شجاعة آنية، بل هي حالة إيمانية متأصّلة في العقيدة: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.
الإمام يُظهر أيضاً أن العدوّ الصهيوني بسفكه الدماء، يوسّع جبهة المقاومة بنفسه .. هذه الرؤية تعبّر عن فهم دقيق للنتائج العكسية لسياسات الاحتلال، حيث يتحوّل المقتول إلى رمز، والمعتدى عليه إلى حامل لواء الصمود.
أبعاد قرآنية وسياسية
حديث الإمام يكشف عن قراءة قرآنية للأحداث .. جرائم الاحتلال ليست إلا دليل ضعف، لأن الظلم لا يُنتج إلا الكراهية والمقاومة، وهو ما أشار إليه الإمام بقوله إن هذه الجرائم (تعزّز المقاومة وتوسّع رقعتها) .. هنا تتجلّى الحكمة الإلهية: {وَإِذْ مَكَرُواْ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ ۖ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ}.
تفكيك المعادلة
الإمام الخامنئي يُفكّك المعادلة الصهيونية القائمة على (القوة الظاهرة) ، ليؤكد أن القوة الحقيقية هي في الإرادة والمبادئ.. القصف والقتل ليسا انتصاراً بل انتحاراً أخلاقياً للعدو .. من هنا، فإن الصراع لن ينتهي إلا بزوال الظالم: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}.
خاتمة
الإمام الخامنئي، بحكمته وشجاعته، يرسم للمقاومة طريق النصر الذي يتّكئ على الثقة بالله والعمل المتواصل .. حديثه في حسينية الإمام الخميني قده لم يكن مجرّد كلمات، بل خطة استراتيجية تعبّر عن رؤية ثاقبة تجعل المقاومة في موقع المبادرة، والعدو في موقع الدفاع .. هذه الكلمات ليست فقط توجيهات لقادة المقاومة، بل منهج حياة لكل من يؤمن بأنَّ النصر وعد إلهي لا مفرّ منه.