أمين السكافي ، لبنان ||
للفولاذ والحديد ميزة خاصة فالفولاذ مستخرج من الحديد والحديد من مميزاته أنك كلما وضعته في النار و إنصهر بها وبعدها أشبعته طرقا فسيعطيك تماسكا وشدة ومتانة أكثر بينما الخشب أو الألمنيوم والزجاج ليس هكذا فهم لا يتحملون نارا أو ضربا ،
وهكذا هم رجال الله كلما رماهم العدو بناره يصبحوا أصلب وأمتن ومتماسكين أكثر وكلما ضربهم يزدادون عنادا وبأسا وصبرا .
مشكلة الكيان مع رجال الله في لبنان مشكلة كبيرة وعويصة حقا فمنذ تأسيسه عام ٤٨ بتمزيق بعض الصفحات من التاريخ ومحاولة إستبدالها بصفحات أخرى فهو لم ولن يواجه عدوا أعند وأشرس وأكثر بأسا من الشعب اللبناني وخاصة أبناء المقاومة وأظنه يلعن حظه الذي أتى به إلى هكذا جوار ،
فبكل الحروب التي خاضها لم يجد من هم كهؤلاء الذين لا تهمهم الصواريخ والقذائف والرصاص وكأن الحرب لهم لعبة إيمانية عقائدية يمارسونها بكل حرفية وإتقان ومهما كلت لهم من الضربات لا ينكسرون بل يصبحون أمتن وأقوى وأصلب كالحديد والفولاذ وكأنهم مرنين كالمطاط وأقوياء كالفولاذ.
مشكلة الكيان التي أعتقدها تيودور هرتزل وآل روتشيلد والرعيل الأول من المؤسسين أنهم عندما وقع الإختيار على فلسطين لم يهتموا كثيرا لهذا الجار الصغير الضعيف بل كان جل همهم مصر وسوريا وبعض البلدان العربية التي لم تكن قد باركت ووقعت سلفا على هذا المسخ العجيب المدعوا دولة ،لذلك حاربوا مصر وسوريا ودمروا قواهم القتالية عام ٦٧ وكانوا قبلها قد خاضوا عدوانا على مصر عام ٥٦ متحالفين مع بريطانيا وفرنسا وكان همهم الأكبريتمثل بالزعيم العنيد عبد الناصر الذي كان يشكل خطرا عليهم وعلى كيانهم ولكنهم أستطاعوا تحييده عام ٧٠ ليأتي من بعده السادات موقعا سلفا على قيام هذا الكيان ولتخرج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي .
هناك مقولة مشهورة أنه لا حرب دون مصر ولا سلام دون سوريا وهذا ما حصل بقيت سوريا وحيدة فلم تعد تشكل هذا الخطر على الكيان وخصوصا مع ضعف الإمكانيات وبخل الحليف الروسي المعترف أصلا بحق إسرائيل في الوجود والذي كان لليهود دورا في إنشاء ما كان يدعى بالإتحاد السوفييتي ،
أما بالنسبة للأردن فهي الحديقة الخلفية للكيان ولا خوف منها فهي حليف موثوق ويعتمد عليه في الشدائد وأيلول الأسود أكبر مثال على حماية الكيان من أي تهديد يواجهه وبإتفاقية وقعت (وادي عربة) أم لم توقع فالأمن والأمان من جهتها منذ إخترع الكيان .
أما لبنان فلم يفكروا فيه حتى بل كان يعتبر بأنه أرض ملك للصهاينة وأن الذين يسكنونه مجرد مستأجرين بالإمكان طردهم في أي وقت يريد قادة العدو لضمه عندما يحين الوقت إلى أكذوبة أسرائيل الكبرى وهذه سيناء لولا معاهدة كامب ديفيد لم تتحرر وهي (لا زالت بالمفهوم الإستراتيجي تتبع لدولة الكيان التي تتحكم بكل تفصيل فيها) وهذا الجولان إحتلته ومن ثم ضمته إليها كجزء من دولة إسرائيل ،أما لبنان فكان في آخر القائمة فمنذ معركة المالكية عام ٤٨ والتي شارك فيها معروف سعد والشهيد النقيب محمد زغيب الذي قاد المعركة وأستشهد خلالها إلتزم لبنان بالهدنة تم التوقيع على اتفاق الهدنة مع لبنان في 23 مارس 1949.
آخر ما كان يتوقعه الإسرائيلي هو أن يضطر يوما لمجابهة لبنان والوقوف ذليلا على أبواب حدوده فلبنان بالنسبة للعدو مساحة مفتوحة يستطيع أن يتنزه بها ساعة يشاء وكيفما شاء وهذا ما حصل فعلا عام ٧٨ عندما قرر ونفذ ودخل إلى حدود الليطاني وليعود فيدخل لبنان عام ٨٢ كانت الخطة أن يدخل حتى حدود الأربعين كيلوا مترا في عمق الأراضي اللبنانية ولكن وزير الدفاع آرييل شارون وجد الطريق أمامه مفتوحة فإستغل الظرف ووصل العاصمة بيروت ليدخلها بعد صمودها ما يقارب التسعين يوما ويعيث فيها فسادا ولتكون ولسخرية الأقدار أول عاصمة عربية يدخلها بعد القدس طبعا .
وطبعا كان من ضمن ما جعله يطمئن الحرب الأهلية الدائرة بين اللبنانيين والدمار والقتلى الذين أحترقوا بلهيب الحرب الأهلية فهكذا شعب لن يفكر في المقاومة إذ دخلنا وأنهينا وجود منظمة التحرير و أتينا برئيس حليف للكيان كبشير جميل القائد لأهم فصيل مسيحي وهو القوات اللبنانية المنبثقة من جسد الكتائب اللبنانية وأن الأمور أستتبت له ولكن في فجوة بجدار التاريخ خرج حبيب الشرتوني ليغير المعادلة ويسقط بالضربة القاضية أهم حليف للكيان ولتنطلق بعدها العمليات على العدو ،
طبعا في البداية ظن العدو أن هؤلاء من مخلفات منظمة التحرير ولكن كانت إنطلاقة جبهة المقاومة اللبنانية وإلى جانبها حركة أمل وليلحق بهم سريعا الحزب الذي سيغير معادلة الصراع العربي الإسرائيلي والصراع في الشرق الأوسط .
لم يتقبل الكيان ما يحصل وظنها غيمة صيف وستمر ولكن حساباته لم تتوافق مع الواقع فهؤلاء اللبنانيين الذين كان الظن بهم أن الفرقة الموسيقية في الجيش الإسرائيلي بإستطاعتها إحتلال لبنان في ساعات أخذت وقتا وجهدا من الكيان ليستوعب أن الخطأ الأكبر الذي إرتكبه كان دخول لبنان وإحتلال عاصمته والتسبب بولادة حزب سيغير مجرى التاريخ السياسي والعسكري والإستراتيجي في المنطقة كلها وهذا كله بدأ كرد فعل على الإحتلال وتطور لمنظومة ضخمة تشبه الجيوش
ولكن بصفة مقاومة أستطاعت أن يكون لها لمساتها في الإقليم كله وصولا إلى البوسنة وستشكل التهديد الأكبر لوجود الكيان ولاعبا لا يستطيع أحد تخطيه في أي سياسة تقرر للشرق الأوسط وأستطاع رغم الجراح ودماء الشهداء تكوين حزب يشبه الدول في كل شيء إلا بقواعد ومقرات ثابته وهذا ما جعله يكون أكثر من ند للعدو الإسرائيلي وليفشل في الميدان جميع الخطط التي كانت رسمت قبلا .
حزب الله الذي بدأ كمقاومة تطور مع الأيام وأصبح قوة لا يستهان بها وخصوصا مع الإنجازات التي حققها وصولا إلى اليوم ومع كل الضربات التي تلقاها خلال مسيرته أثبت وأثبتت الأيام أنه دائرة كاملة متكاملة بإمكانها السير وحدها وتغذي نفسها بنفسها ولديها القدرة الكاملة على إنتاج القادة والكوادر و القادة والمجاهدين من ضمن هيكليته وأصبح لديه الإكتفاء الذاتي الذي يجعله يدير نفسه بنفسه دون الحاجة لأحد ،
وهذا جزء مما شرحناه في مقالات سابقة عن الكيفية التي جعلته يتجاوز كل ما حصل من بداية أيلول الماضي ولغاية إستشهاد أمينه العام في ٢٧ /٩.
وهاهو يقف شامخا كالعملاق يدير المعركة بكل مندرجاتها بعد أن أستطاع بطبيعة تكوينه أن يتجاوز أي شيء يتعرض له.
وفي الختام نردد يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32-33].