سامي التميمي ||
لم يكن نشر رسالة الأسلام سهلاً فقد واجه الرسول محمد ص ، الكثير من الصعوبات ، ومنها التنكيل والضرب والتسقيط والأبعاد والتهجير والحروب ، وحتى بعد أن أنتشر الأسلام وبانت حقيقته الناصعة والطيبة ، كان هناك الكثير من الحكام والتجار والظلمة ، يحاولون بكل الطرق الأساءة للأسلام والنبي محمد ص ، وفي آخر حجة للنبي علم بنوايا بعض ممن أنتموا للأسلام خوفاً وطمعاً وهم ليسوا بمؤمنين ، فكانت خطبة الغدير في ( غدير خم ) هي رسالة واضحة وتشخيص دقيق وألقاء الحجة على المسلمين من بعده .
فرفع يد على بن أبي طالب ع قائلاً تلك المقولة الشهيرة والمذكورة في كل الكتب على مختلف ميولها وتوجهاتها ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، أللهم والي من والاه وأنصر من نصره وأخذل من خذله ) لأنه عارفاً بحقه وقوته ومقدرته وحكمته وأميناً على الأسلام من بعده .
الرسول محمد ص ، كان واثقاً وحكيماً وعارفاً وخبيراً ، بنوايا البعض ممن يحاولون أقتناص الفرص وتنفيذ مآربهم الدنيئة بتشويه صورة الأسلام وتجييره لمصالحهم وملذاتهم الدنيوية .
وفاة الرسول ص ، وهذه الحادثة فيها روايات عديدة منهم من يقول وفاةعادية ومنهم من يقول أستشهد بفعل الخيانة والغدر ، وهذه الحوادث كانت عادية وسهلة في ذلك الزمن ومن الطبيعي أن يقوم بها الحاقدون الكارهون الذين فقدوا عزهم وتجارتهم ونفوذهم ، أو ممن قتل أخيه وأبيه وأبنه أو أقرباءه بين معارك الأسلام والكفار .
وهذا الحقد الدفين أكتوى به أهل بيت النبوة ع ، وكان أول الحوادث المفجعة للأسلام هي حادثة ( الباب ) وقتل السيدة فاطمة الزهراء ع ، عندما كانت خلف الباب وأرادوا فتحه أو أقتلاعه بالقوة .
وبعد ذلك كان التآمر على الأمام علي ع ومحاولة أقصاءه وأبعاده وتشويه سمعته حتى بعد أستشهاده على منابر المساجد في دولة ( أل أمية ) ولمدة 70 عاماً .
حتى جاء من بينهم الملك العادل عمر بن عبدالعزيز ، ورفض ذلك الأمر ، الذي أبعد الناس عن الذهاب الى المساجد .
وبعد حادثة السيدة فاطمة الزهراء ع ، أعدوا العدة لقتل الأمام علي ع ، وهو يؤم المسلمين في المسجد على يد اللعين عبد الرحمن أبن ملجم .
وبعد ذلك توالت المؤامرات والأحقاد من قبل حكام دول أمية فدسوا له السم في الأكل مما أدى الى أستشهاده .
وكان وضع الأسلام والمسلمين يتدهور ومن سيئ الى الأسوأ . نتيجة السلب والنهب والفساد والسجون والتعذيب والتهجير وأستباحة الأرض والعرض للمسلمين وغير المسلمين في أقطاع الأرض .
حتى وصلت رسائل للأمام الحسين ع ، من العراق والشام وبقية الأمصار والعشائر ، تفيد بأن خلصنا يا أبن رسول الله من تلك الطغمة الحاكمة التي قطعت الحرث والنسل .
وبعدما رفض الإمام الحسين (ع) البيعة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، رفضاً قاطعاً خرج من المدينة المنورة قاصداً مكة المكرّمة ليلة الأحد بقي ليلتين من شهر رجب سنة: 60 هجرية، ووصل مكة المكرّمة ليلة الجمعة وبقي ثلاث ليالٍ من شهر شعبان.
وخروج الامام الحسين (ع) من مكة المكرّمة قاصداً العراق كان في يوم التروية أي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة سنة 60 هجرية.
وفي اليوم الثاني من شهر محرم سنة: 61 هجرية وصل رَكبُ الإمام الحسين بن علي (ع) إلى أرض كربلاء المقدّسة.
وفي هذه الأثناء كانت عيون وأستخبارات وعملاء بنو أمية ترصد وتتابع ، فقاموا بسجن وتعذيب وقتل كل الشيوخ والوجهاء والمحبين للرسول محمد ص وعلي ع وأهل بيته .
حتى وصول الأمام الحسين ع ، وجد الأمر منقلبا تماما ً ، وكان هو وعائلته والمؤمنين الخلص من أتباعه ومحبيه 70 مقاتل ، مقابل 70 ألف مقاتل ومعهم العدة والعدد .
لم تكن المعركة سهلة ورابحة بالنسبة للأمام الحسين ع ومناصرية ، ولكن هم مدركون تماماً ويعلمون علم اليقين بأنهم مقتولون بجميع الأحوال ، ولكنهم فضلوا الشهادة على أن لايخذلوا الله ورسوله والمؤمنون .
قتلوا الحسين ع وأولاده وأهل بيته ع ، ولم يبقوا غير علي بن الحسين ع حيث كان عليلاً ، ونساء أهل بيت النبوة ع ، وأقتادوهم ( سبايا ) مكبلين معنفين من كربلاء حتى الكوفة ونينوى مروراً بالقصبات والقرى خوفاً من ردات فعل المؤمنين ، وكانت صعبة عليهم حيث قاموا بالأغارة والهجوم عليهم مرات عديدة وفي مناطق عديدة لتخليص الذرية الطاهرة من أهل البيت ع وعلى رأسهم الأمام السجاد على بن الحسين ع والسيدة زينب ع بطلة كربلاء ، وأضطروا الى أسلاك طرق نائية وعرة مروراً بلبنان حتى وصولهم للشام .
وكان للأسف بعض أهل الشام يطبلون ويزمرون ، لأعتقادهم الخاطئ وهكذا كان بسبب التثقيف الأموي ، بأن يزيد قتل زمرة عاصية وخارجة عن القانون ، ولكن سرعان ماعرف الناس ، فكانت ردات فعل المؤمنين عنيفة وقاسية ، وفي كل الأمصار والولايات ، حدثت الكثير من الأنتفاضات والثورات العارمة، حتى أنتهت بقتل كل من تلطخت يداه بتلك الحادثة الأليمة ، وكان آخرها قتل اللعين يزيد أبن معاوية .
لم ينته الحال الى هنا ، بل أستمر بين مد وجزر ، لأنه حدث شرخ كبير بين العرب والمسلمين أنفسهم ، فجاءت الدولة العباسية وكانت في ظاهرها ولاء ومحبة لأهل البيت ع ، وفي باطنها حقد دفين وحب السلطة والمال ، كان عامة الناس ، لهم حب وولاء للذرية الطاهرةمن أهل البيت ع ، بينما الحكام والولاة لايقبلون بذلك .
فقام هارون الرشيد بهدم قبر الأمام الحسين ع ، فهزمه الله وهدم عرشه وجعل الله ذريته بعضهم يفتك ببعض ومهووسون بالسلطة وحب المال وأرتكاب الموبقات وكان بأسهم شديد على بعض الأبن يقتل أبيه والأخ يقتل أخيه من أجل السلطة والمال ، حتى قتل المأمون أخيه وأعاد بناء القبر رغما ً عن أنف أخيه وأبيه .
المؤمنون والأحرار لم يتركوا زيارة الأمام الحسبن ع .
حتى جاء المتوكل اللعين وسلط معاوله على هدم القبر وأصدر أمراً بقطع كف كل من يقوم بالزيارة للقبر ، وأصر الأحرار بزيارة القبر وقطع أكفهم ثمناً للحرية والأيمان .
وبعدها أصدر أمراً بدفع غرامة ( 100 ) دينار عن الزيارة ، وكانت مكلفة وباهضة ، فأضطر المؤمنون الأحرار الى بيع كل شئ ممكن لزيارة أبي الأحرار الأمام الحسين ع .
وجاء أمرا آخر لقتل زائراً واحداً من بين عشرة زوار ، فكان التنافس على الزيارة والتضحية كبيراً في نيل الشهادة وكسب الزيارة .
وتفننوا في أصدار أوامر المنع حتى وصل بهم الحال ، الى تجريف الحي وأزالة القبر وآثارة وأغراق المنطقة بالماء ، فتكسرت الجرارات والمحاريث وتوقف الماء عند القبر بقدرة الله جل جلاله .
وماهي إلا أيام حتى قطعت جثة المتوكل أرباً أرباً بسيف أبنه المنتصر وأعاد بناء القبر رغماً عن أنف أبيه .
عرف الكثير من الملوك والناس الشأن العظيم لصاحب ذلك القبر ، فأصروا على بناءه بأجمل الطراز والتصاميم والصور ومنهم ( ملوك طبرستان والديلم وأمراء البطائح والبويهيين والمغول والجلائريين والصفويين ) .
بعد ذلك أغار عبد العزيز بن محمد أل سعود بجيش جرار لم يترك رجل في مكة والمدينة وضواحيها إلا وجنده للمعركة وأستباحت كربلاء وقبر الأمام الحسين ع ونهبوا وسلبوا وقتلوا الكثير من الناس على حين غفلة . في ما كان الناس في زيارة الى النجف وقبر الأمام علي ع . وكانت صدمة كبيرة للعراقيين ، إذ لم تكن في الحسبان .
فسلط الله على أل سعود ( أبراهيم بن محمد علي باشا ) أذاقهم مرّ العذاب وقتلهم شر قتلة ومثل بجثثم .
حتى أنتهى الحال بزمرة صدام ، تفننوا في أساليب منع الزيارة وأقامة مجالس العزاء والولاء للأمام علي ع وأئمة أهل البيت ع وعلى رأسهم أبي الأحرار ( الحسين ع ) ، حيث قام زوج أبنته اللعين بضرب قبر الأمام الحسين ع بالمدفعية وكان يقول مقولته الحاقدة ( أنت حسين وأني حسين ) .
ماهي إلا أيام حتى تمزقت عائلة صدام وهرب حسين كامل للأردن بخيانة ومن ثم تم أسترداده وقتله شر قتلة وعلى يد عدي أبن صدام وأقرباءه .
وهكذا أنتهى كل المتآمرون الحاقدون على ذرية الرسول محمدص ،
على مرّ السنين بقى قبر الأمام علي ع والأمام الحسين ع ، شامخاً ومزاراً وسراجاً وهاجاً يستنير به الأحرار ومن كل بقاع الأرض .