بعد رحيل رئيسي هل نشهد تغييراً في السياسة الخارجية لإيران؟

الزلازل والفيضانات،  بل وجرائم القتل، هي كوارث طبيعية، وجرائم عادية، الا انها لن تكون كذلك لو حدثت في ايران، فكل شيء حينها يأخذ طابعا سياسيا، فما بالك لو كان الحدث استشهاد الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين اميرعبداللهيان ورفاقهما الابرار، في حادثة تحطم الطائرة؟. ويكفي ان يتلف شخص ما ساعة من وقته ويستمع الى هذيان وسائل الاعلام الغربية والعربية الموالية للغرب، حتى يتلمس حجم الحقد والاحباط واليائس والبؤس، الذي ينخر عقول أصحابها، بسبب قوة ايران، التي دفعت ومازالت تدفع اثمانا باهظة، من اجل الدفاع عن قضايا الامة الاسلامية، ومن اجل الحفاظ على قرارها السيادي، ورفضها التبعية لامريكا والغرب.

اكثر هذيان وسائل الاعلام الغربية والعربية التابعة لها غرابة تجسد في تحليلاتها الجوفاء، عن غياب رئيسي واميرعبداللهيان، وتأثير هذا الغياب على السياسة الخارجية لايران، وان طهران قد تغير من موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، وكذلك الموقف من امريكا، ومن باقي الملفات الاخرى كالملف النووي.

من الواضح، ان كل هذا الهذيان، هدفه الاول التشكيك بمواقف ايران المبدئية من القضية الفلسطينية، ورفض الهيمنة الامريكية، واظهار ايران على انها اصيبت بمقتل بسبب الحادث، وانها باتت ضعيفة الى الحد الذي يمكن ان تتنازل عن مبادئها ازاء القضايا الخارجية الحساسة، من اجل تجاوز هذا الظرف الصعب.

لقد فات هؤلاء، انه مهما كان حجم الفراغ الذي تركه الشهيدان رئيسي واميرعبداللهيان، كبيرا ، الا ان الدستور الايراني، كفيل بملء هذا الفراغ، فهناك النائب الاول للرئيس الذي سيتكفل ادارة شؤون البلاد بنفس طاقم الشهيد رئيسي، كما انه تم تعيين السيد محمد باقر كني، نائب وزير الخارجية ، وزيرا مؤقتا للخارجية، خلال فترة 50 يوما، والتي ستجري في نهايتها انتخابات رئاسية، سيختار فيها الشعب الايراني رئيسا جديدا لايران، التي تزهو برجال من امثال الشهيدين رئيسي واميرعبداللهيان.

هذا اولا، ثانيا، نوجه كلمة الى الاشخاص الذين يجهلون طبيعة النظام الاسلامي في ايران، وكذلك الى المغرضين والحاقدين، ونقول: ان ايران دولة مؤسسات، ولم تكن يوما دولة اشخاص، فهي تعتمد في رسم سياساتها الكلية والخارجية، على مراكز صنع القرار، وفي مقدمتها مؤسسة القيادة وشخص الولي الفقية، وكذلك المجلس الاعلى للامن القومي، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الشورى الاسلامي. لذلك سوف لن يكون هناك ادنى تغيير في القضايا الدولية والاستراتيجية المهمة مثل دعم القضية الفلسطينية والموقف من السياسات الأميركية والقضية النووية، ودعم المقاومة في المنطقة، فمثل هذه القضايا لاتعمتد على رؤية شخص رئيس الجمهورية.

كمثال عملي بسيط على ان السياسة الخارجية لايران هي سياسة ثابتة متواصلة متراكمة ، فخلال عقود طويلة وصلت شخصيات اصولية واصلاحية الى منصب رئاسة الجمهورية، الا ان هؤلاء الرؤساء، ساروا على نهج واحد موحد، في دعم القضية الفلسطينية، فالقوة والتسليح الذي وصلت اليه المقاومة في فلسطين المحتلة، لم تكن وليدة فعل رئيس ايراني واحد، بل مجموعة رؤساء، فعملية دعم المقاومة استغرقت وقتا طويلا، حتى وصلنا الى اليوم الذي صمدت فيه المقاومة الفلسطينية هذا الصمود الاسطوري في غزة، حيث مازال الكيان الاسرائيلي وامريكا والغرب عاجزين عن تركيع المقاومة في غزة.

مهما اختلفت رؤية الرؤساء الايرانيين، ازاء بعض القضايا الداخلية، مثل الاقتصادية والاجتماعية، الا ان رؤيتهم الى القضية الفلسطينية، هي رؤية المنفذ لاستراتيجية ثابتة تعتمدها الجمهورية الاسلامية كمبدأ ثابت لا يمكن ان تحيد عنه، وقد دفعت ومازالت تدفع اثمانا باهظة، بسبب هذه المبدئية، ومنها ثمن الحصار الظالم المفروض على الشعب الايراني منذ عقود بذرائع شتى.

الجمهورية الاسلامية في ايران، واجهت خلال العقود الاربعة الماضية، تحديات ضخمة، مثل الحرب التي فرضها النظام الصدامي عليها بدعم امريكي غربي، واغتيال رئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر ورئيس السلطة القضائية محمد حسيني بهشتي والعديد من الرموز الدينية والوزراء والنواب، الا انها تجاوزتها جميعا دون ان تتخلى عن مبادئها، التي اثبت التجارب صوابيتها ونجاعتها.

من المؤكد ان الحكومة الايرانية الحالية برئاسة الرئيس المؤقت مخبر، ووزير الخارجية المؤقت كني، وكذلك الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات، ستواصل نفس نهج رئيسي واميرعبداللهيان، على صعيد السياسة الخارجية، حيث سيتم متابعة القرارات المؤسساتية، مثل تطوير علاقات ايران الاقليمية والدولية ،اعتمادا على مبدئين الاول “النظر شرقا” و”الجيران أولا”، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار، وكذلك مع روسيا والصين.

اخيرا، كان استقبال قائد الثورة الإسلامية اية الله السيد علي خامنئي، للسيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في نفس يوم تشييع الشهيد رئيسي، لافتا، كما جاءت تصريحات سماحته لافتة ايضا، عندما اكد للسيد هنية:”ان السيد مخبر، المسؤول عن الشؤون التنفيذية للبلاد وفق الدستور، سيواصل سياسات وتوجهات الرئيس الراحل تجاه فلسطين بنفس الحافز والروحية”.

*أحمد محمد

شاهد أيضاً

بغداد : اجتماع موسع لعدد من رؤساء الأحزاب والكيانات السياسية يؤكد على دعم الحكومة

عقدت مجموعة من القيادات ورؤساء الأحزاب والكيانات السياسية “السنية” مساء  السبت اجتماعاً في مقر رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *