علي الشمري ||
المقدمة
إذا نظرنا إلى تاريخ الحروب وتداعياتها فإن الحرب العالمية الثانية تعد في نطاقها الأوروبي (1939 1945) حرباً شاملة بعيدة المدى، بما خلفته من أوجه الدمار والخراب على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفوق ذلك شهدت قبل نهايتها بأسابيع قليلة أول تجربة حية للسلاح النووي ضد اليابان، بإلقاء سلاح الطيران الأمريكي قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما وناكازاكي على التوالي، وذلك كرد فعل وعقاب مؤخر بعد تقدمها على الأسطولين الأمريكي والبريطاني في المحيط الهادئ .
وستبقى آثار تلك التفجيرات النووية لقرون مقبلة في المحيط الحيوي، ليس في اليابان وحدها بل في مناطق متفرقة من العالم، والتي قد أصابها وابل من سحابة التلوث النووي التي تحركها وتؤثر فيها العوامل الجوية، لاسيما الرياح السطحية والعلوية وتساقط المطر .
ومن فداحة الحرب العالمية الثانية خسائرها البشرية التي تقدر بنحو 73 مليوناً من القتلى، ثلثاهما من المدنيين والثلث الآخر من العسكريين، إلى جانب ملايين اللاجئين والمشردين في ظل ما شهده الاقتصاد الأوروبي من انهيار وتدمير لنحو 70% من بنيته التحتية الصناعية .
وفي هذا الصدد لا ننسى الإشارة إلى الحرب العراقية الإيرانية (1980 1988) المعروفة بحرب الخليج الأولى التي قدرت ضحاياها بنحو مليون ضحية وتكلفتها بنحو 1.2 تريليون دولار أمريكي كخسائر مالية، وتلتها حرب الخليج الثانية (1990 1991) المعروفة بعملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت، والتي شنتها قوات التحالف الدولية بقيادة أمريكا، وجاءت في أعقاب اجتياح القوات الصدامية لدولة الكويت (أغسطس/آب 1990).
وظهرت حروب الألفية الثالثة بأسلحتها الاستراتيجية المتطورة فائقة التدمير والتحكم في بلوغ أهدافها، غير أنها فاقت كل التهديدات للأمن البيئي، وهي: الحرب الأمريكية على أفغانستان (منذ أكتوبر/تشرين الأول 2001)، الحرب الأمريكية على العراق (منذ مارس/آذار 2003)، الحرب الإسرائيلية على لبنان (بين يوليو/تموز وأغسطس/آب 2006)، (الحرب الإسرائيلية على غزة (خلال (ديسمبر/كانون الأول 2008 يناير/كانون الثاني 2009 .
لقد أسهمت الحرب الأمريكية على العراق (بدأت منذ مارس/آذار 2003 ولم تنته بعد)، بشكل واضح في تلويث المياه الطبيعية وزيادة التلوث الكيميائي والإشعاعي، إضافة إلى أنواع أخرى من التلوث لم تحدد بعد، وسيظل التلوث البيئي بعنصر اليورانيوم المنضب لحقب جيولوجية مقبلة، وتبقى الأجزاء غير المتفجرة من القنابل العنقودية ألغاما موقوتة تحصد الأرواح وتعطل التنمية (القنابل العنقودية عبارة عن عبوة ناسفة تحتوي على العديد من القنابل الصغيرة، وتدمر الهدف الذي تقذف عليه، وإن لم تنفجر تصبح ألغاما تهدد الحياة في المنطقة المستقرة بها .
ويواكب تتابع الهزات الأرضية المصاحبة لإلقاء القنابل فائقة القدرة التدميرية حدوث تشوهات في التركيب الجيولوجي لطبقات سطح الأرض، وبشكل خاص مكامن المياه الجوفية، التي يزيد تعرضها لتسرب الملوثات من سطح الأرض .
ولن تفلت منظومة الحياة البرية، النباتية والحيوانية ومعها البحرية، من التعرض لتغيرات بيئية حادة تؤدي إلى خسائر بيئية اقتصادية مروعة، كذلك انتشار الفوضى المدنية وانهيار البنية التحتية والمرافق الحيوية، من محطات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها، وأيضاً تلوث المسطحات المائية بالمخلفات السائلة والصلبة، وما يترتب على ذلك من تفشي الأمراض والأوبئة وتزايد احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية، لاسيما سرطان الدم عند الأطفال .
إضافة إلى تزايد حدوث التشوهات الخلقية في الأجنة وتزايد معدلات العقم عند البشر والحيوانات، كما أن هناك أنواعا جديدة غير معروفة بعد من الأمراض والأوبئة .
وكما حدث في العراق حدث في أفغانستان حيث لا يقل عن أشكال الدمار البيئي الشامل للحرب الأمريكية على أفغانستان (بدأت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2001 ولم تنته بعد)، مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف بينهما في ظروف الاستراتيجية والجغرافيا العسكرية، وحتى الآن لم يتم كشف حجم الدمار الذي أصاب البيئة والسكان .
إن تكلفة حجم الخسائر المادية والبشرية والبيئية، التي تكبدها كل من أفغانستان والعراق ولبنان وقطاع غزة تقدر بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية، وما يحدث في سوريا الآن لا يقل خطورة عما ذكرناه، وسوف تتكشف تداعياته على البيئة والإنسان بشكل مؤكد خلال السنوات القليلة المقبلة، وتبقى إشكالية حسابات وتقدير تلك التكاليف الباهظة للدمار البيئي الشامل نتيجة هذه الحروب التي تتطلب لإزالة آثارها في المحيط الحيوي داخل حيز معيشة الإنسان خططاً عالمية طويلة المدى ومستمرة عبر القرون المقبلة .
كذلك مطلوب من المجتمع الدولي تفعيل مبادئ الأمن البيئي والعدالة بين الشعوب ونشر ثقافة السلام بين الدول، والبحث في سبيل اشتراك الدول المتسببة في الحروب نحو تخفيض آثار ذلك الدمار البيئي الشامل، ويجب ألا يكتفي قادة المجتمع الدولي بمجرد إطلاق التحذيرات .
تهديد أمريكي للمنطقة
عندما وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها في أغسطس/آب 1988 كان النظام العالمي يعيش فترة هدوء وسكينة حيث انتعشت جهود الحد من التسلح وتزايدت الرغبة في تحقيق السلام والرفاهية ، ثم جاء سقوط جدار برلين ليعلن رسميا انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين.
لكن هذا الهدوء لم يكن من نصيب منطقة الشرق الأوسط بأي حال، ذلك لأنها تكتسب سمات خاصة تميزها عن أوروبا، ففي الوقت الذي ترسخ فيه توافق عام في القارة الأوروبية حول نبذ الحرب واعتبارها أداة غير مشروعة من أدوات السياسة وشكلت هذه القاعدة إحدى الدعائم الأساسية لنظام الأمن الأوروبي، ما تزال منطقة الشرق الأوسط تعكس حقيقة أن الحرب تمثل أداة سياسية صالحة للاستخدام فى أي وقت بالنسبة لكثير من بلدانها.
والمنطقة بؤرة نشطة للصراعات المتعددة الأسباب والمداخل بالنظر للتنوع الحضاري والذي يصل إلى حد التصادم وتغلب ثقافات التعصب والشمولية على دولها، لكنها في الوقت نفسه تعد مركزا للمصالح الحيوية الأميركية والغربية بوجه عام حيث يعد المساس بها “إضرارا مباشرا بالأمن القومي الأميركي يجب مواجهته بكل الوسائل”، والتي بسببها وضعت واشنطن ثلاثة خطوط حمراء لا تسمح لأية قوة بتجاوزها،
الأول هو ضمان وصول الغرب إلى نفط الخليج وانتظام تدفقه للدول الصناعية، والثانى ضمان أمن “إسرائيل” الصديق الأفضل لأميركا،
أما الثالث فيتمثل في الحفاظ على علاقات طيبة مع دول الشرق العربية الحليفة والتي تشكل ركيزة لهيمنة الولايات على المنطقة.
وبناء عليه انطلقت مؤسسات صنع القرار الأميركي في هذه الفترة التاريخية الحرجة للبحث عن مصادر التهديد المحتملة للمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط والسيناريوهات المقترحة للتعامل معها، وخلصت هذه المؤسسات إلى وجود مصدرين رئيسيين للتهديد:
أولهما هو الخطر الإسلامي الذي شهد تضخيما متعمدا في قياسات حجم تهديده بهدف دعم السياسات الأميركية في مواجهة الثورة الإسلامية بإيران.
أما الثاني فقد تمثل في التكدس المتزايد للأسلحة المتقدمة بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل لدى أنظمة اعتبرتها واشنطن خارج نطاق السيطرة أو الاحتواء مما يتوقع إقدام أي منها على إثارة الاضطراب والإخلال بالتوازنات التي يفرضها الغرب بين العرب والكيان الإسرائيلي.
ولما كانت إيران قد انشغلت بعد توقف حربها مع العراق بقضايا إعادة البناء في الداخل وترتيب أوضاعها السياسية، خرج العراق من حربه مع إيران وهو في أقصى درجات الاستنزاف الاقتصادي، لكن جهازه العسكري كان قويا بدرجة تثير القلق،الذي تطور كثيرا بدعم الدول الغربية من أجل تمكين صدام من القضاء على النظام السياسي الجديد في ايران،حيث كانت القوات العراقية تضم حوالي 55 فرقة و500 طائرة متنوعة الطرازات علاوة على 5500 دبابة وآلاف من الوحدات المدرعة، كما تملك التنظيم الجيد والخبرة القتالية. لكن الأخطر من ذلك هو برامج التصنيع العسكري التي انطلقت الحكومة في تنفيذها وبخاصة في مجال أسلحة الدمار الشامل التي كانت تفوق حاجة العراق الدفاعية وأصبحت مصدر إزعاج للتوازنات الإقليمية السائدة في تلك الفترة. وتبدو أهم ملامحها في الآتي :
1- كان برنامج الصواريخ البالستية أكثر البرامج طموحاً فى الشرق الأوسط، وكان العراق أكثر الدول استخداما للصواريخ فى عمليات عسكرية فعلية، وقد وضعت ستة برامج على الأقل لتصنيع الصواريخ كان أكثرها تقدما هو صاروخ “الحسين” الذي يصل مداه لأكثر من 300 كم. كما كان يخطط لإنتاج صاروخ آخر يصل مداه ألف كم، ومعظمها يقوم على تطوير الصاروخ الروسى(سكود-بي). وسعت بغداد لإنتاج قذائف مدفعية بعيدة المدى تركز على المدفع البرازيلي (ستروس 20) ويصل مداه حوالى 60 كم، وقذائف صاروخية أخرى سميت “أبابيل” يراوح مداها ما بين 50 و100 كيلومتر، كما جرى تنفيذ برنامج لإنتاج مدافع طويلة المدى تتجاوز فى مداها المئات من الكيلومترات كان من المتوقع أن تحمل رؤوساً كيماوية أو نووية.
2- وضع العراق برنامجين فى المجال النووى أولهما طويل المدى يهدف إلى إنتاج الأسلحة النووية، وكان يركز على تطوير المعدات والخبرة اللازمة لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، والثانى عبارة عن برنامج عاجل بدأ فى شهر أغسطس 1990 بعد الغزو مباشرة لإنتاج رؤوس نووية ، وكان من المفترض أيضا أن يساعد هذا البرنامج على إنتاج مواد انشطارية كافية لإنتاج الرؤوس المطلوبة في ربيع 1991. (تم إحباط البرنامجين بالكامل بعد القصف الجوي الذي بدأ في 16 يناير/ كانون الثاني 1991.)
3- تنفيذ برنامج للتسلح الكيمياوي، فقد ذكرت تقارير لجان التفتيش فيما بعد أنها ساهمت فى توفير كميات من القذائف المعبأة والرؤوس الحربية الكيماوية تقدرها هذه التقارير بحوالي 5000 قذيفة إضافة إلى توفير ما بين 600 و800 طن من الغازات الكيماوية والمواد اللازمة للتصنيع.
4- برامج للأسلحة البيولوجية لم يثبت أنها تجاوزت مرحلة التفكير أو التخطيط على الورق .
والملفت للنظر كما ذكرنا ،أن دولا غربية وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا ساهمت بجهد وافر فى إنجاز هذه البرامج، وكانت الترسانة العسكرية العراقية تحتوي في جزء مهم منها على عتاد غربي. كما سمحت الولايات المتحدة للعراق بشراء ما يزيد على مليار ونصف المليار دولار من المعدات الحديثة بما فيها الحاسبات المتقدمة وأجهزة تصنيع الصواريخ واختبارها ونظم معلوماتية ومعدات لالتقاط صور الأقمار الصناعية وحل شفرتها،حتى بعد انتهاء الحرب مع ايران، وكان البيع علنيا وافقت عليه إدارة بوش وهي تعلم أنها موجهة لجهات حساسة كوزارة الدفاع و الطاقة الذرية.
راهنت الولايات المتحدة على بغداد باعتبارها عنصر مهم في الحفاظ على ملامح المنطقة المتناغمة مع المصالح الامريكية .لكن اطمئنان واشنطن للنظام العراقي لم يدم طويلا ،لوجود الترسانة الضخمة من الأسلحة على الأراضي العراقية،وشعب متعدد التوجهات والغالب عليه الروح الثورية مع تنامي الحركات الإسلامية الثورية ،والتي لم تستطع معتقلات النظام وحفلات الإعدام ومحرقة الحرب أن تقضي عليها. فكان للإدارة الأميركية سياساتها وتقديراتها التي خلصت إلى أن العراق يمثل من أهم مصادر التهديد المحتملة، وبدأت بالفعل في تنفيذ مشروعات تدريبية قادها الجنرال شوارسكوف في صيف 1990 تفترض وقوع هجوم عراقي محتمل على الكويت، وكأن التحرك الدبلوماسي مجرد استدراج للنظام العراقي إلى مصير محدد سلفا
على أي حال لم يخيب صدام التقديرات الأميركية فراح مرة يطالب دول الخليج والعرب بثمن دفاعه عن “البوابة الشرقية للأمة العربية”، ومرة أخرى يطالب الغرب بثمن تصديه للثورة الإسلامية في إيران، ولم ينس فى ذلك كله إدخال “إسرائيل” اعلاميا كعامل مهم فى هذا التصعيد.
الأهداف الأميركية لحصار العراق
لقد بدا الأمر أمام صانع القرار الأميركي أن ثمة “ماردا” تحرك في منطقة الشرق الأوسط التي لا تحتمل أي اضطرابات ويجب التخلص منه، فسلوك النظام العراقي عدا أنه يمثل تهديدا مباشرا للمصالح الغربية في نفط الخليج فقد جاء كأول اختبار للقوة الوحيدة المنتصرة في الحرب الباردة، ويمكن القول إن قرار التدخل العسكري قد اتخذ في واشنطن في اليوم الثاني لوقوع الغزو مباشرة وكل ما جرى بعد ذلك وحتى تمام التنفيذ كان بمثابة تهيئة للمسرح وتوفير الشرعية الدولية والإقليمية للقرار الأميركي.
كان القرار الأول الذى اتخذه الرئيس بوش ينصب على تجميد كل الأصول المالية للعراق والكويت في داخل الولايات المتحدة ومطالبة الدول الحليفة باتخاذ نفس الإجراء ، ويبدو أن سلوك الحصار الاقتصادي يشكل جزءا مهما من الثقافة السياسية للغرب عامة والولايات المتحدة بوجه خاص، ومن ثم فقد تحركت الأخيرة في مجلس الأمن بسرعة وكان القرار 661 تأكيدا لفكرة الحصار وتوسيعا لمحتواه وإكسابه شرعية دولية، ثم جاء تنفيذ التدخل العسكري بعد استكمال تهيئة المسرح السياسي من خلال عملية “عاصفة الصحراء” وما تلاها من ممارسات تؤكد بكل المقاييس أن الهدف الأميركي لم يكن قاصرا على إخراج العراق من الكويت أو حتى تدمير آلته العسكرية لكنه تجاوز ذلك إلى أهداف بعيدة من أهمها:
1- إظهار العراق “كنموذج” لما يجب أن يكون عليه مصير أى قوة تتحدى النظام الدولي الجديد أو تتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها واشنطن خاصة في منطقة الشرق الأوسط الحافلة بالحساسيات والتعقيدات.
2- إبطال مفعول القوة العراقية نهائياً ليس في شقها العسكري فقط وإنما في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية، يشهد على ذلك حجم التدمير الذي أصاب البنية الأساسية في كل القطاعات، والسياسات المتعاقبة التي استهدفت الحيلولة دون الخروج من هذا المأزق في السنوات الطويلة.
3- لقد أراد صدام حسين أن يربط بين قضية الكويت والصراع مع الكيان الاإسرائيلي بمسرحيته المتمثلة بضرباته الصاروخية التي وجهها للأراضي المحتلة ،ليكسب تعاطف المواطن العربي لمنحه شيء من القوة للتفاوض مع الامريكان لكن الموقف الأميركي حرص على إخراج العراق كلية من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن كان يمثل عنصر إزعاج لجهود التسوية وأطرافها، وحرصت على ترجمة ذلك عمليا بجهود مكثفة أوصلت الجميع إلى مؤتمر مدريد فى أكتوبر/ تشرين الأول 1991.
4- العمل على إفراغ القوات المسلحة العراقية من وظيفتها الأصلية سواء في مجال الدفاع ضد التهديدات الخارجية أو المحافظة على الوحدة الإقليمية في الداخل، والحيلولة دون استعادتها لقدراتها السابقة، وقد كان قرار حظر الطيران جنوب خط عرض 32 (والذى توسع في عام 1996 إلى خط عرض 33) وشمال خط عرض 36 تأكيدا لهذا التوجه، وفرض حماية خارجية إجبارية على الجنوب وأكراد الشمال ،(الا أن الولايات المتحدة سمحت للقوات الحكومية العراقية بالهجوم على مناطق الجنوب بالطائرات السمتية وصواريخ ارض ارض فضلا عن القوات الموالية للنظام العراقي، مااحدث تدميرا كبيرا وصل الى انتشار جثث السكان المدنيين في الشوارع .
5- احتكار الهيمنة الكاملة على أمن الخليج وإعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة بالإبقاء على صورة التهديد العراقي في الأذهان وإبعاد أي قوة إقليمية أخرى عن المشاركة في الترتيبات الأمنية مع ضرورة إقرار الدول الخليجية بأن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي يمكنها تحمل مسؤولية الأمن في الخليج، وقد طبقت هذه القاعدة على صيغة إعلان دمشق فقضت عليها في المهد.
ولا شك أن تحولات النظام الدولى فى تلك الفترة من جانب، والأخطاء العراقية القاتلة من جانب آخر، شكلت أهم عوامل النجاح للخطة الأميركية حيث لم تواجه واشنطن صعوبة تذكر في إدارة المعركة من خلال مجلس الأمن بما يتفق وأهدافها حتى أمكن الخروج بنظام محكم لمحاصرة العراق في حاضره ومستقبله وبحيث يصبح الخروج من مأزق الحصار عملية بالغة الصعوبة.
الحصار الاقتصادي على العراق
أصدر مجلس الأمن القرار رقم 661 في السادس من آب 1990 بفرض عقوبات اقتصادية على العراق. وكان الهدف “المعلن” من هذا الحظر التضييق عليه لإرغامه على سحب قواته من الكويت. لكن قبل أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة قادت أميركا قوات التحالف حربا كارثية، أخرجت القوات العراقية. وظلت العقوبات نافذة بذريعة التأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وتطبيقه قرارات مجلس الأمن، وشملت هذه العقوبات حظراً تجارياً كاملاً
الا أن الملفت للنظر أن الحصار الاقتصادي لم يمس صدام ولا حاشيته ، الذي قرر بناء 99 قصر رئاسي له ولحاشيته لا يزال العديد منها شاهد على ذلك.
لقد عانى العراقيون من تدمير البنية التحتية لبلادهم: من محطات اتصالات، وكهرباء، ومصانع، ومعامل، ومنشآت نفطية، ومخازن للحبوب، ومواد تموينية، وأسواق مركزية، ومحطات ضخ المياه، والمنازل، وحتى الملاجئ التي احتمى فيها المواطنون لم تكن ملاذاً آمناً لهم أمام القصف الصاروخي البري والجوي والبحري المركز على مدى 42 يوماً.
وأدى الحصار إلى نتائج مخيفة في جميع مجالات الحياة العامة الصحية والبيئية والاجتماعية والتربوية والعلمية والاقتصادية. فقد بلغ حجم التضخم في نهاية عام 1994 معدل 24000% سنوياً، وإن كان قد خف قليلاً في السنوات اللاحقة التي شهدت تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء. وتعمقت مظاهر التردي والترهل إلى الحد الذي أفقد المجتمع العراقي سمات المجتمع المتحضر المتماسك الذي كان عليه قبل غزو الكويت. فنظراً لعدم قدرة الحكومة على تأمين الوظائف الحكومية وفي القطاعات الصناعية التي توقفت نتيجة الحصار، فقد تم تسريح ما يقارب ثلثي القوى العاملة مما ساهم في زيادة معدلات البطالة وزاد ت معدلات الجريمة، والعنف الاجتماعي، والرشوة، والانتحار، والسرقة، والتهريب، وجنوح الأحداث، وظواهر اجتماعية أخرى شاذة لم يألفها المواطن العراقي، حتى أصبح من الطبيعي أن يشاهد أستاذ جامعي يفترش أرصفة الشوارع لبيع بعض المواد الغذائية ،كما باع أغلب المواطنين آثاث منازلهم لشراء الطعام أو الدواء.وتدهور الدينار العراقي الذي أدى بالحكومة الى طبع عملات غير مدعومة لدفع الرواتب .
وإلى جانب تدهور المعاهد التعليمية في كل المراحل وشيوع ظاهرة التسرب وانخفاض مستوى التعليم، واجه العراق ظاهرة هجرة العقول بأعداد كبيرة، من باحث وعالم وأستاذ جامعي وطبيب متخصص ومهندس مرموق تركوا العراق لينضموا إلى أكثر من 2.5 مليون آخرين يعيشون في المنافي الطواعية، نسبة كبيرة منهم من حملة الشهادات العليا. ويمثل انعدام الحوافز الداخلية وسيادة السياسة التسلطية وانعدام الحريات الفكرية والأكاديمية وسطوة معايير الولاء قبل الكفاءة محفزات كبرى لهجرة العقول العراقية أياً كانت الصعوبات التي تواجهها.
ملاحظة
للمزيد من التفصيلات والتوسع في البحث ، الرجوع الى كتابنا(البيئة العراقية ضحية الحروب)