الدكتور السفير جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٤/٣/١٧ .
ستنتهي اليوم ٢٠٢٤/٣/١٧ الانتخابات الروسية ، وقد قُدّرت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع مابين ٥٨ إلى ٦٠ ٪ .
لم يهتم الغرب كثيراً ،هذه المرّة في الانتخابات الروسيّة ،لا في التحشيد الإعلامي المُضاد للانتخابات والتشكيك في ديمقراطيتها ، ولا في التوقّع والتحليل لنتائجها . وضعف الاهتمام يعود لأمريّن : الأمر الاول هو تسليم الغرب والعالم بفوز بوتين ، وهذا التسليم او ” الاستسلام ” يجسّد فشل الغرب ،في امتلاك وسائل وقدرات التأثير على سير الانتخابات او تحشيد رأي عام روسي مناهض او معكّر لجو وسير الانتخابات ؛ والأمر الثاني هو ادراك الغرب بعجزه او شعوره بالحياء والخجل من وصف الانتخابات الروسية بانها غير ” ديمقراطية ” ! من الصعب ،اليوم وبعد كُلَّ الذي شهده العالم من جرائم في غزّة ،أُرتكبتْ بدعم وتأييد من حكام الغرب و اعلام الغرب ،أن يتحدثوا هولاء الساسة عن غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذا البلد او ذاك !
سيمّرُ فوز بوتين بسلاسة داخلياً و خارجياً ، وسيكون بوتين الخامس ( نسبةً لولايته الخامسة ) غير بوتين الرابع والثالث والثاني ،من حيث قوة وسرعة القرار وحجم الدور والنفوذ . و قد استبقَ الغرب( وخاصة امريكا ) هذا الفوز و تداعياته فوكّلَ الرئيس الفرنسي ماكرون بمهمة إعلان موقف الغرب و استعداده ،على الاقل ،لتبديد نشوة الفوز و محاولة فرملة تطلعّات و امنيات الرئيس بوتين ،حيث شّنَ الرئيس عمانويل ماكرون هجوماً كلامياً قاسياً على الرئيس بوتين ،خلال مقابلة تلفزيونية قبيل بدء الانتخابات الروسية ،اي في ٢٠٢٤/٣/١٤ ، وهدّدَ بارسال جيش أوربي للقتال في أوكرانيا ،معتبراً انتصار بوتين في الحرب ، هو تهديد خطير لمصالح اوربا . لكن ،الجميع يدرك عدم جدوى ما يقوله الرئيس الفرنسي ، لأنَّ ما يقوله لا يمثّل الموقف الأوربي ، ولانه تهديدٌ فات آوانه ،ولأنَّ الرئيس بوتين الخامس سيكون اقوى و أمضى قدماً في مشروعه بأخضاع أوكرانيا . وكل المقومات الداخلية الاقتصادية و النقدية لروسيا تُعزّزُ موقفه ،فبالرغم من العقوبات الأمريكية و الحرب فالاقتصاد الروسي يحقق ،وللسنة الثانية ، نمواً اقتصادياً وبنسب معقولة . كما ان فرصة ترامب للفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة باتت شبّه مؤكدة ، الامر الذي يشجّع الرئيس بوتين بالمضي سريعاً في استكمال خارطة تقدّم الجيش الروسي في الأراضي الاوكرانية ،وقبل فوز ترامب ، والذي سيتفق مع بوتين على خطة سلام في أوكرانيا ،تُراعي المصالح الأمريكية والروسية ، وستكون على حساب المصالح الاوربية .
ما يريح ويعزّز وضع الرئيس بوتين هو الاحتمال الكبير لعودة ترامب و فوزه بالانتخابات الأمريكية المقبلة.
لماذا سيفوز ترامب ؟
بغض النظر عن السلبيات الشخصيّة لمنافسه الرئيس بايدن ، والمتعلقة بصحته وكثرة ” شطحاته ” وافتقاره للديناميكية المطلوبة ، يُعيب عليه الرأي العام الأمريكي والدولي فشله في ايجاد حّلْ للحرب في أوكرانيا ،و فشله في كبح جماح روسيا او وقف تقدمها العسكري في أوكرانيا ، او التأثير على نموها الاقتصادي . تدرك الشعوب الأوربية وشعوب العالم التبعات الاقتصادية السلبية التي واجهتها وتواجهها جراء الحرب في أوكرانيا ، وتُعزي هذه الشعوب لأمريكا والناتو مُسببّات الحرب ، و التي كان من الممكن تفاديها . كذلك تدرك شعوب الغرب بأن يرافق وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة الامريكة أملٌ كبير بإيقاف الحرب .
وليس من المُستبعد لجوء الرئيس بوتين إلى التصعيد في أوكرانيا لتعزيز حظوظ فوز ترامب !
لنْ يفلت الرئيس بايدن من عقاب غزّة ، جهوده المتأخرة و الدعائية لإغاثة ضحايا غزّة ( من خلال الميناء العائم وذو الأغراض المتعدّدة ) لن تطمسْ مشاركته في جرائم الابادة وجرائم التجويع وجرائم الحرب التي أُرتكِبتْ في غزّة ، من خلال الدعم السياسي والعسكري اللامحدود لجيش الاحتلال ،ومن خلال استخدام الفيتو لمنع وقف الابادة الجماعية ،ومن خلال تزويد جيش الاحتلال بأسلحة الابادة .
الرئيس بايدن في موقف سياسي و انتخابي ،لا يُحسدْ عليه ، و لا أعلمْ إنْ كان في حالة وعي و ادراك تسمح له بالشعور بالندم ، لدعمه المُطلق لنتنياهو في ما عمله في غزّة ؟ فهو ( اي بايدن ) خَسِر الكثير من الرأي العام بسبب الجرائم البشعة التي أُرتكبت في غزّة و من قِبلْ جيش الكيان المُحتل والسلاح والدعم الأمريكي ،دون ان يحقق هذا الزخم من القتل والدعم الاسرائيلي الأمريكي اي هدف ؛ كما انَّ المصير الانتخابي للرئيس بايدن هو الآن بين يدي مَنْ يبغضه ( واقصد نتنياهو ) و ينتظر فوز صديقه ( ترامب ) ! يكفي ان يقوم نتنياهو الآن بأقتحام رفح ،ليشهد العالم ،مرّة اخرى ، جرائم التوحّش و الابادة والتشريد بحق اكثر من مليون ونصف المليون من الأطفال والنساء والمسنين ، ويطلّع العالم مرّة اخرى على تواطئ امريكا او عجز امريكا ، مما يؤثرُ ذلك سلباً على الحملة الانتخابية للرئيس بايدن ، لذلك يقوم الاخير بالضغط على نتنياهو وحكومته ،و يلوّح بتبنيه لمشروع قرار أمريكي في مجلس الامن يطالب في وقف إطلاق نار فوري ودائم في غزّة ويحذّر من اجتياح رفح .
ولكن هل سيمنح اللوبي الصهيوني ويهود امريكا اصواتهم ،هذه المرّة ، لصالح ترامب ؟
للتذكير ، كان من بين اسباب خسارة ترامب ،في الانتخابات السابقة هو ان ٨٣ ٪ من أصوات اليهود في امريكا ذهبت لصالح بايدن ،وعلينا ان نميّز بين التصويت الصهيوني والتصويت اليهودي في امريكا ، رغم ان كلاهما مشروطان بالمصلحة الاسرائيلية ،ولكن بتفاوت ؛ فالتصويت الصهيوني يتوجّه صوب المرشح الأمريكي الصهيوني ،كما هو حال الرئيس بايدن ، اما التصويت اليهودي يضع مصلحة اليهود في امريكا والعالم قبل مصلحة اسرائيل . هل استطاع ترامب الآن ترميم وضعه كي يضمن اصوات اللوبيات اليهودية و الصهيونية ؟
نعم ،استطاع ترامب أن ينهض من جديد ، و مَنْ منّا كان يعتقد عودة ترامب ،وبقوة ،إلى المشهد السياسي ،رغمْ ما واجهه من دعاوى قضائية و تهم سياسية و ادارية ومالية كثيرة ؟ عودته دليل و مؤشر لحاجة الدولة العميقة و اللوبيات المؤثِرة له