إنتصار الماهود ||
”وحگ علي اذا ما تكعد ولك أجيك بالعطابة وأچويك بيها “، تلك الجملة التي تعودنا أن نسمعها من حبوبتي رحمها الله، كان وقعها أقوى من صاروخ يماني باليستي، يصيب هدفه بدقة في أم الرشراش، فتلك الكلمات كان كفيلة كي يخاف منها جميع الأحفاد، وسط عدم إعتراض وسكوت الآباء والأمهات في منزل الأجداد، ” منهو يگدر يگول لأم عبد ليش هيج تسوين وي أبني چا غير ما رايد روحه“.
رغم أنني لم أرى يوما حبوبتي تطبق تهديدها، على أي حفيد منا الإ أننا ،”ننخلس خلس ما نتنفس بعد بس نشوف بيدها العطابة “، فلتلك القطعة المطوية من القماش مفعول سحري، في التخلص من المشاغبين والتمتع بفترة راحة الظهيرة.
حبوبتي تلك المرأة الجنوبية الشروگية البسيطة تعليما، والعظيمة عقلا ومكانة مميزة جدا، وطريقتها في التربية لا تحتاج لأي جهد بدني، يكفي بعض الكلمات والإشارات، لترى جميع من في المنزل يسيرون مثل ميل الساعة، هي لم تدرس وسائل التربية ولم ترتاد الجامعات، وتزوجت وهي صغيرة جدا، لم يعلمها أحد كيف تربي أولادها وتدير منزلها، هي ببساطة أم عظيمة بالفطرة.
أما والدتي رحمها الله، فهي نهجت أسلوب مختلف قليلا في التربية، لكنها تتمتع بنفس قوة شخصية والدتها وحزمها، لكنها هادئة جدا ولها أسلوب مميز في التعامل مع سبع بنات، فنظرة منها فقط كفيلة بإنصياع جميع من في المنزل لقوانينها، لم أرى أمي في يوم ما قد إستخدمت أسلوب الضرب أو الصوت العالي، في التعامل مع أي مشكلة واجهتها كأم، بل كانت تستخدم الصمت فقط، وهو ما يسميه علماء النفس بالصمت العقابي أو التجاهل، فيكفي أن تقول: ”لساني ما يطخ لسانچ وما توصلين يمي منا لمن تشوفين نفسج غلطانة لو لا “، تلك الكلمات و الحرمان من إبتسامة أمي الدافئة، كانت أكبر عقوبة لمن يسيء التصرف في منزلي، فكيف يكون اليوم مباركا دون ضحكتها ودعواتها لنا.
كبرنا وأصبحنا أمهات ونحن نتذكر أمي وكلماتها، ”الضرب مو بالجسم، الضرب بالروح يمة ضربة الجسم تطيب وتنسي بس الكلمة من تطلع وتوجع مو بسهولة تنساها، أقسي بكلامي خاطر لا تنسون الغلط حتى ما تتكرر “.
هذا الجيل العظيم من الأمهات ربى أجيالا يعتمد عليهم، هؤلاء النسوة الجنوبيات لم يتعلمن أي طريقة للتربية، أو يقرأن أشهر كتب التربية الحديثة، فهن لم يكن يملكن رفاهية الوقت للقراءة مثلنا، ولا يعرفن عن ماذا تتحدث كتب مثل، تأسيس عقلية الطفل والتواصل الأسري، و مسار الأسرة والقواعد العشرة، هن لم يسمعن بكتاب في المزرعة وفصول السنة وفي البيت وغيرها، لكن طريقتهن وأساليبهن في التربية كانت ناجحة وفعالة، وهو ما يجب أن يدرس في وقتنا هذا لجميع الأمهات.
أما أنا آه مني ومن أولادنا جيل السرعة والإنترنيت، فالمشاكل التي أواجهها كأم في إستخدام وسائل التربية الحديثة، وأنا أحاول التوفيق بين ما تربيت عليه في المدرسة التقليدية لأمهاتنا، وما أريد لأولادي أن يعيشوه أسوة بأقرانهم، وهنا يجب أن أتبع المدرسة الحديثة في التربية، فكما نعرف أن لدى جميع الأولاد في وقتنا، أجهزة لوحية وهواتف ذكية والتي أصبحت بمثابة بديل عن كل شيء، عن طريقها أصبح بإمكان الجميع الحصول على أي معلومة وبكل سهولة، ولكن ليس كل ما يحصلون عليه مفيد، فهو سلاح ذو حدين، ويجب أن نعرف كيف نوجه أولادنا نحو الإستخدام النافع، والذي لن يؤثر على تربيتهم أو ما نريد زرعه من مباديء وقيم، فلا تشدد ولا إنفتاح، يجب أن نلعب نحن هنا دور بيضة القبان في الموازنة بين الماضي وتربيته الصارمة وبين الحاضر والتربية المنفتحة، هي مجرد خطوات سهلة يمكن أن تطبق فيها، نصائح لأطباء نفسيين و مدربي التربية الحديثة، في كيفية التعامل مع الأبناء في وقتنا هذا :
1. ترك أسلوب الضرب والتشدد، واللجوء للنقاش والحوار، لابأس من إستخدام القسوة أحيانا كالحرمان من الاجهزة الذكية، تحديد المصاريف، تقليل الإحتكاك مع محيط الأصدقاء خاصة بعمر المراهقة .
2. كسب ثقة الأولاد والإحتواء والإستماع لمشاكلهم، بدلا من نفرهم منا و لجوءهم للأصدقاء الذين لا نعرف عنهم شيئا.
3. المراقبة الآمنة دون أن تصل مرحلة الشك وفقدان الثقة، فلا بأس من مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وما يوجد في هواتف الأبناء الذكية، لكن دون التقييد حد التشكيك، فذلك سيولد رد فعل معاكس في تربيتهم ويكسر حلقة الثقة بيننا وبينهم .
4.عدم الخضوع لكل طلبات الأبناء، وإفهامهم أن هنالك قواعد ونظام لنيل الإمتيازات في المنزل، فكلمة لا مهمة جدا في بعض الأحيان.
5. تحميل الأطفال المسؤولية في عمر مبكر مثل ترتيب السرير، المساعدة في الأعمال المنزلية وعدم الإعتماد على الأم بشكل كلي، فنحن لسنا آلات ميكانيكة خارقة .
6. دور الأب مهم جدا، نحن نعرف أن الأب هو المسؤول عن توفير المعيشة في المنزل، وهذا أمر متعب أكيد، لكن لا يبرر أن يتخلى الأب عن مسؤوليته في مراقبة ومتابعة الأبناء، خاصة في وقتنا هذا فالأم أيضا شاركت الرجل في توفير مصاريف المنزل، وهذا يسبب ثقلا يضاف للمسؤولية الملقاة على عاتقها، لذلك التعاون على رقابة وتربية الأولاد، يجب أن تكون مسؤولية مشتركة خاصة في وقتنا هذا.
ختام الكلام، إن الحديث عن هذا الموضوع يطول ويتشعب، فلكل منا قصته وروايته وطريقته في التربية، ولا ضير في الإستماع لقصص الآخرين والتعلم منهم، ربما يكون فاتنا شيء ونحن لا نعلم.