رغم ما يظهر من تنوع في هوليوود وعدم خشية نجومها من تسليط الضوء على كافة القضايا العالمية والأمريكية، بما فيها القضايا السياسية، سواء عبر أدوارهم في الأفلام أو تصريحاتهم للإعلام أو بمواقع التواصل، إلا أن جانبا واحدا ظهر بلا تنوع أو تغيير، وهو علاقة هوليود الدائمة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وتأييدها لممارساته
الناقد السينمائي والمبرمج المصري جوزيف فهيم يرصد هذه الإشكالية، في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، حيث يقول إن العلاقات بين هوليوود وكيان الاحتلال باتت تحت المجهر حاليا، وسط التداعيات الثقافية للحرب المستمرة في غزة.
والشهر الماضي، تم استبعاد أيقونة هوليوود سوزان ساراندون من قبل وكالة المواهب المتحدة (UTA) بسبب تعليقات أدلت بها في تجمع مناهض للحرب على غزة.
وفي اليوم نفسه، قامت مجموعة Spyglass Media Group بالمثل بطرد الممثلة ميليسا باريرا من سلسلة Scream الطويلة الأمد بسبب انتقادها لتصرفات كيان الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وسبقت عمليات الفصل خروج وكيل وكالة الفنانين المبدعين (CAA) مها دخيل من الشركة.
وفقًا لمقالة نشرتها مجلة Variety بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أسقطت CAA أيضًا سايرا راو وريجينا جاكسون، اللتين شاركتا في تأليف كتاب 2022 “النساء البيض: كل ما تعرفه بالفعل عن عنصريتك وكيفية القيام بعمل أفضل” بسبب تعليقاتهن الداعمة للفلسطينيين.
وكان جميع الفنانين المعاقبين قد وصفوا الوضع في غزة بأنه “إبادة جماعية”، وهي الكلمة التي أشارت مجلة فارايتي إلى أنها كانت من المحرمات منذ فترة طويلة في هوليوود.
والسبب وراء ذلك ذو شقين: ربط الانتقاد الشديد لـ”إسرائيل” بمعاداة السامية، والإيحاء بأن استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” هو استيلاء على صدمات يهودية سابقة.
ولم يشر أي من التصريحات التي تبرر استبعاد مواهب هوليوود إلى أكثر من 17 ألف فلسطيني و8 آلاف طفل قتلوا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية حتى الآن، أو إلى حركة الصوت اليهودي الأمريكي من أجل السلام التي أشارت في الواقع إلى غزة باعتبارها “إبادة جماعية”، يقول الكاتب.
كما تم إدانة مؤسسات هوليوود لعدم دعمها لتل أبيب بقوة كافية، كما فعل الكاتب ديفيد شور، والذي وبخ جمعية WGA لترددها في دعم “إسرائيل” علنًا، كما يقول.
ولم تدل جمعية WGA أيضًا بأي تصريحات بشأن عمليات القتل التي ترتكبها تل أبيب في غزة، ومع ذلك لم يقم أي صوت في هوليوود بتوبيخها على صمتها.
ويتساءل الكاتب: “إذا كان بوسع حفنة من منتقدي كيان الاحتلال الإسرائيلي الصاخبين في هوليوود الاعتراف بأخطاء قتل المدنيين على يد حماس، فلماذا لا تستطيع موهبة واحدة مؤيدة لكيان الاحتلال الإسرائيلي في تينسلتاون أن تعترف أيضًا بجرائم القتل المتفشية التي ارتكبتها تل ابيب ليس فقط منذ 7 أكتوبر ولكن على مدار الـ 75 عامًا الماضية؟”.
ويردف: “هل الدم الإسرائيلي أغلى وأثمن من الدم الفلسطيني؟ أم أن حياة الفلسطينيين يمكن التخلص منها لدرجة أنها لا تستحق ذكرًا واحدًا؟”.
هوليوود والصهاينة
ويقول الكاتب إن العلاقات القوية بين هوليوود وكيان الاحتلال الإسرائيلي متجذرة في تاريخ طويل، على الأقل جزئيًا، هندسته الحكومة الإسرائيلية والجماعات الصهيونية الأمريكية.
وكما يرى كثيرون، رأى كيان الاحتلال في هوليوود وسيلة مثالية للمساعدة في حشد الدعم العالمي.
وكانت ملحمة أوتو بريمنجر الشهيرة “الخروج” عام 1960 استثناءً لقاعدة ابتعاد صناع هوليوود عن إنتاج دراما سينمائية لتلميع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
فقد كان الفيلم إنتاجا فخما عن ولادة كيان الحتلال الإسرائيلي ضرب على وتر حساس لدى الجماهير الأمريكية بفضل سرد عاطفي يظهر أشخاصًا بيضًا طيبين في خضم معركة جيدة للحفاظ على ما ادعوا انه “بلدهم”.
كان الفيلم معاديًا للعرب بلا خجل، حيث صرح ليون يوريس، مؤلف الرواية التي كانت مصدرا للفيلم، بأنه إذا لم يكن يكتب كتبًا عن كيان الاحتلال الاإسرائيلي، فإنه كان “يفضل أن يطلق النار على العرب هناك”.
وقبل ذلك الفيلم، كان هناك فيلم هوليوود الرئيسي الآخر عن الإحتلال هو فيلم The Juggler (1953) الأقل شهرة لإدوارد دميتريك، والذي تم تصويره في قرية فلسطينية حقيقية بعد تهجير أهلها منها.
وكان الفشل التجاري والنقدي لفيلم “Cast A Giant Shadow” عام 1966، وهو فيلم درامي مرصع بالنجوم في زمن الحرب وكان من بطولة كيرك دوجلاس، وجون واين، وفرانك سيناترا حول عقيد أميريكي يعد “إسرائيل” لمحاربة العرب – سبباً في إضعاف آمال تل أبيب في المزيد من القصص الترويجية.
وتم إنتاج عدد من الأعمال الدعائية الإسرائيلية في هوليوود على مر السنين، مثل فيلم “جوديث” لدانيال مان وبطولة صوفيا لورين؛ وفيلم “الأحد الأسود” لـ جون فرانكنهايمر (1977) ؛ والأفلام التلفزيونية “غارة على عنتيبي” (1976) و”امرأة تدعى جولدا” بطولة إنجريد بيرجمان في دور رئيسة الوزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي الراحلة.
ثم هناك بالطبع ممثلو أفلام الدرجة الثانية في الثمانينيات للمنتجين الإسرائيليين مناحيم جولان ويورام جلوبس، الذين حققوا حياة مهنية صاخبة من خلال السخرية من العرب وتشويه سمعتهم وتجريدهم من إنسانيتهم في أكثر من اثني عشر فيلمًا، وأكثرها إثارة للاشمئزاز هو The Delta Force (1986) بطولة تشاك نوريس ولي مارفن.
علاقة حب
ويقول الكاتب إن العدد المذهل لنجوم هوليوود الذين دعموا الإحتلال على مر السنين هو الذي ينقل علاقة الحب بين هوليوود و كيان الاحتلال الإسرائيلي.
فمن كيرك دوجلاس وسامي ديفيس جونيور إلى إليزابيث تايلور وفرانك سيناترا، احتضنت هوليوود الكيان الصهيوني ودعمته وروجت له بالكامل، وهي معاملة لم يحظ بها أي بلد آخر في تينسلتاون.
تراجع النفوذ
لكن اعتداءات الإحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أواخر السبعينيات، إلى جانب غزو للبنان في العقد التالي، تسبب في خسارة تل أبيب بعضا من نفوذها في هوليوود.
لقد أصيبت الأجيال اليهودية الشابة بخيبة أمل تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي عندما أصبحت أفعاله في فلسطين عنيفة بلا هوادة، في حين حافظت هوليوود كمؤسسة على مسافة بعيدة عن القصص الإسرائيلية، على الرغم من أن تحالفها مع الكيان الصهيوني ظل على حاله.
واقع جديد
ومع ذلك، يرى الكاتب أنه في عام 2023، لن يبقى أي من هذه العوامل قائماً، فهناك عدد متزايد من اليهود الليبراليين في “إسرائيل” وفي جميع أنحاء العالم لم يعد لديهم أي ارتباط بالصهيونية.
ووقع معظم أعداء كيان الاحتلال الإسرائيلي العرب السابقين اتفاقيات سلام مع الإحتلال بما في ذلك مصر والأردن.
وفي الوقت نفسه، فإن استخدام كيان الاحتلال الإسرائيلي للمحرقة كأداة لقمع وقتل وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية في تقرير المصير أثبت مراراً وتكراراً أنه ليس أكثر من مجرد تكتيك يحط من تراثها في نهاية المطاف.
ويضيف: من المحير للعقل أن أي فنان يتمتع بقدر ضئيل من الضمير أو المعرفة أو الذكاء في هذا اليوم وهذا العصر لا يزال بإمكانه أن يساوي بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
ويعتبر الكاتب أن كبار قيادات هوليوود لا تزال تمارس نظرية “جورج بوش الابن” وهي: “أنت إما معنا أو علينا”، ويقول إنه ليس خطاباً عتيقاً ورجعياً فحسب، بل إنه فاشية بكل معنى الكلمة.
ويختم الكاتب مقاله بالقول: لم تعد هوليوود تمثل الرأي العام العالمي. فهي، مثل “إسرائيل”، كيان معزول يخدم مصالحه الذاتية ويزدهر على الإمبريالية.