وهكذا يقتل باقر الصدرمن جديد

باقر الجبوري

في كل عام تمرُ علينا ذكرى استشهاد السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) فيلسوف العصر ليستعد الجميع كما في العام الذي سبقة للأحتفال بتلك المناسبة والعودة للحديث عن تلك الذكريات المؤلمة والتاريخ الاسود الذي خلفه البعث في الامة ولن يكون ذلك إلا بفتح صندوق الذكريات ليُخرجوا منه بعض الحاجيات التي خبئوها من تلك الذكريات لذلك اليوم ..

فيبحثون في هذا الصندوق عن مجموعة من كتب للسيد .

وعن تسجيل كامل لقصيدة شعبية وشاعر مغمور يتكلم فيها عن حياة الشهيد ليكفر بها عن قصائده التي القاها للقائد الضرورة في زمن البعث ليمجد فيها بطولاته .

وسيبحثون في هذا الصندوق عن احدى التسجيلات الصوتية القديمة للشهيد السعيد يذكرنا فيه بالوحدة الاسلامية واننا شركاء في هذا الوطن (( كي نستميل به قلوب الحاضرين من الطوائف الاخرى )) أثناء الإحتفال والذي يقد يكون من بين الحاضرين اليه مجموعة الجلادين التي كانت تتشفى بجراح السيد الشهيد اثناء حبسه او اعتقاله او من المتباركين للنظام على إعدامه .

ثم سيبحثون في هذا الصندوق عن شاعر نائم القى قصيدة قبل عشرات السنين قال فيها (( باقر الصدر منا سلاما أي باغ قد سقاك الحناما  )) عله قد زاد على قصيدته التي تنام معه في نفس الصندوق ابياتا اخرى قد تتلائم مع التطور الحاصل في العراق بعد سنوات من الحكم الاسلامي الشيعي الذي كان يتطلع اليه الشهيد .

ثم سيبحثون في الصندوق عن مجموعة الصور والبوسترات ليزينوا بها الاحتفالية التي سيقيمونها على شرف الشهيد فهي ما زالت على حالها في الصندوق منذ العام الماضي والذي سبقه والذي سبقه كما هو حال بقيت الحوائج التي ذكرناها …

وقد يجدون في هذا الصندوق تمثالا نصفيا للشهيد صنع بالاف الدولارات ليضعوه قرب منصة الخطابة لأشعار الحاضرين بوجود الشهيد وحضوره للمناسبة فقد قيل ان الميت يعرف كل من يذكره بخير وقد يكون بينهم كروح مجردة .

لمعلوماتكم … فهذا الصندوق لايفتح الا مرة واحدة كل عام لاخراج هذه الحاجيات ليقام بها احتفالية كبيرة تليق بذكرى الشهيد الصدر ليختموها بوليمة لايدعى اليها (( إلا من كان ذو حظ عظيم ))

وللفقراء ان يقفوا بعيدا عن تلك الوليمة (( حيث لاعين رأت ولا أذن سمعت )) وحتى لاينزعج المدعوون من رؤيتهم او رؤية محبي الشهيد الحقيقين

وهؤلاء الفقراء لن يكون لهم كما ذكرنا أي نصيب من الوليمة إلا ما رحم ربي عن قليل من روائح الطعام التي قد يتطاول الهواء فيقذفها بعيدا الى حيث بطون ألفقراء الفارغة  …

لن يبالوا بذلك … فسيحاسبون الهواء على جريمته

أعلم ان المقال لن يرضي احدا …

إلا انها الحقيقة ..

سنوات طويلة مرت على السقوط المهين لطاغية العصر وفي كل سنة ليس لهؤلاء القوم من الذكريات عن الشهيد الثائر محمد باقر الصدر غير مقتنيات هذا الصندوق

وليس لهم من انجازات سوى فتح هذا الصندوق

تاركين خلف ضهورهم تاريخ وثورية الصدر ودماء ومأساة الصدر ومتجاهلين ما قدمه الصدر من كنوز أثرت المكتبات العالمية وسارت عليها الامم التي تريد الوصول الى شاطيء الامل والتحضر .

الإسلام يقود الحياة …

فأين هم من الصدر

الصدر الثائر لم يكن في يوم من الايام مجرد أسم نذكره في احتفالية نقيمها على شرفه في كل عام لنستذكر فيه تقواه وورعه والصدر لم يقدم حياته لاجل ان يكون قصيدة مرثية لشاعر . والصدر لم يكن يبغي ان يكون فكرا حبيسا بين حيطان مسجد بني على قبره يحكي للاخرين حكاية معمم قتله الجلادون وغيبوه لسنوات ثم عاد للضهور محمولا على الاكتاف في صوره القديمة

الصدر الثائر … كان فكرا ثوريا قبل أن يكون ثورة فلسفية أو اقتصادية او مجتمعية كما كان في كل كتاباته التي حيرت عقول العلماء (( فلسفتنا . اقتصادنا . الاسس المنطقية الخ ))

فكرا ثوريا مستمدا ومستنبطا من ثورة جده الحسين عليه السلام موطناً نفسه على المكاره مستعدا بالتضخية بالغالي والنفس والأهل والمال والولد لأجل القضية …

وللاسف فالأمانة تستوجب الاعتراف أن ثورية السيد الصدر قد غيبت لمرتين .

الاولى في زمن الطاغية بإعدامه هو واخته وانصاره

والثانية كانت في السنوات التي تلت سقوط ذلك الصنم الذي أعدم الصدر نفسه وذلك في نسيانه المتعمد ودفن أثاره الفكرية والثورية

واعتقد … ان الاغلب يشاركني القول ان التغيب الثاني للفكر الثوري للسيد الشهيد والذي كان يحمله بين جنبيه كان أعظم على قلب السيد من الأعدام ناله على يد صدام وجلاوزته

✍ … اليوم مظلومية الشهيد الصدر في حبس فكره بين جدران جامع أو أطار صورة أو كتاب في مكتبة تحوي الاف الكتب لمختلف العلوم هو الجريمة الكبرى التي تعرض لها السيد

✍ … سنوات مرت ومرت ومرت …

ثورية السيد الشهيد وليس علومه الفقاهية هي التي دعت مرجعا كبيرا كآية الله العظمى السيد الخوئي ( قدس سره ) للقول عنه (( ما عندنا عند محمد وما عند محمد ليس عندنا ))

ثورية السيد باقر الصدر هي التي دعت مرجع الامة السيد المحسن الحكيم ( قدس سره ) لاحتضانه كأحد ابنائه …

ثورية السيد الشهيد هي التي دعت اية الله العظمى السيد الخميني ( قدس سره ) ليعتبره مؤسس الثورة والحركة الاسلامية في العراق …

✍ … ثورية السيد الشهيد رضوان الله تعالى عليه هي التي دعت اعدائه الى مطاردته واعتقاله لاكثر من مرة ومحاولات بين التوهين والترغيب والترهيب بائت كلها بالفشل لتنتهي باالإعتقال ما قبل الاخير والذي كان المحفز للإعلان عن قيام زينب العصر ( امنة الصدر ) التي خاطبت البعث بلسان حال جدتها زينب وفي حضرة أمير المؤمنين تأسيا بجدتها ولتعلن ان الخط واحد وأن الثورة واحدة مما دعى النظام البعثي لاعدامها مع اخيها حتى لايتكرر الخطأ الذي وقع فيه يزيد لعنه الله عندما ترك زينب لحالها لتكون المكمل لرسالة الحسين والصوت الاعلامي للثورة …

وما تغافل عنه الجميع هو ماهية هذا الموقف الذي لم يكن وليد نزعة أو فطرة عاطفة الاخت على أخيها

تلك كانت الثورية التي نتكلم عنها والتي غرسها السيد في كل المقربين منه واولهم اخته الشهيد ومن ثم طلبته المقربين أمثال السيد الشهيد محمد باقر الحكيم والسيد عبد العزيز الحكيم ( رحمهما الله ) والذان كانا في الحقيقة يمثلان الخط الاوحد في السير على المنهج الثوري الذي رسمه السيد الصدر

الثورية التي نتكلم عنها هي التي حاول الاخرون بعد سقوط الصنم أن يطمسوها لانها ستكون مدعاة للثورة عليهم في المستقبل بسبب فسادهم وطغيانهم ودكتاتورياتهم …

فأين نحن من هذا كله …

في كثير من بلدان العالم كأيران مثلا يدرس فكر السيد الصدر كمنهج في بعض الجامعات والاخذ ببعض رؤاه في صياغة دستور الجمهورية الاسلامية وتقام شهريا الندوات والمحاضرات والمعارض التي تدعوا الى دراسة شخصية السيد ومنهجه العلمي في بناء الدولة والذي لانعرف منه نحن الا سوادا على بياض مع اننا الاقرب اليه

ولو بحثنا في كل جامعاتنا ومعاهدنا حتى الاسلامية منها والشيعية بالاخص فلن نجد في أي منها منهجا دراسيا يشمل كتابا أو بحثا للسيد مع ان كتابه ( فلسفتتا ) و ( اقتصادنا ) و( البنك اللا ربوي ) صارا منهاجا وعنوانا دراسيا لايستغنى عنه في كثير من جامعات الغرب للتعريف بالفلسفة والاقتصاد والثقافة الإسلامية

فأين نحن من ذلك كله …

الغرب ينهض بأفكار الشهيد باقر الصدر في الاقتصاد

ونحن نعود نعود ونعود الى الوراء نتيجة التزامنا بفلسفات الغرب التي لاتسمن ولاتغني من جوع وخير دليل هو ما وصلنا اليه اليوم …

الحقيقة أن أساس الدمار الذي نمر به اليوم هو نتيجة تركنا لأرث السيد الشهيد باقر الصدر ورمي كل ما اتى به في ذلك الصندوق الذي لايفتح الا في المناسبات .

لقد نسينا كل شيء عن الشهيد الصدر حياته ومظلوميته وتركناها خلفنا وبل عودة

نعم فالملك .. عقيم

وكما كان البعض متمسكا في ايام الفتنة بقميص عثمان !!! فبعضنا اتخذ من الشهيد الصدر قميصا ليمرر بواسطته مظلوميته للعالم حتى إذا ما وصل الى مراده خبئه ( القميص ) في ذلك الصندوق المنسي من جديد مع ذكريات القحط والعوز في أوربا والوقوف بالطابور لاستلام المساعدات ..

وحتى لاينسب لذلك القميص الفضل في هذا التحول الجديد

وللاسف فتلك هي الحقيقة …

واعتقد جازما انالسيد الشهيد باقر الصدر كان عالما ومدركا لهذا الامر حتى قبل أستشهاده وبسنوات طويلة حينما قال لمجموعة من طلابه (( من منا مَلك مُلك هارون ولم يقتل موسى بن جعفر ))

كانت الرسالة جازمة …

فالإنتماء للحوزة أو الثورة ضد الطواغيت لم يكن إلا الأختبار الأسهل في مسيرة الجهاد لطلاب العلم أو طلاب التغيير وان الاختبار الحقيقي هو النجاح فيما بعد ذلك بالثورة عالنفس أمام المغريات ومهاوي الشيطان …

للأسف سقط الكثير ولم يعودوا يستذكرون كلام السيد الا في يوم واحد هو يوم أستشهاده ولعلهم ما كانوا ليستذكروه لولا انه نفس اليوم الذي منة الله به عليهم بسقوط طاغية العصر ونظامه الفاشي ليكونوا هم الوريث الشرعي لما ترك من اللانظام والفساد …

هذا مُلك هارون قد اتاهم

وسيسألون عن هارون وما مَلك

لاتنسوا اغلاق الصندوق من جديد بعد ترتيب الحاجيات جيدا للاستفادة منه في العام القادم

انا عن نفسي ساعيد منشوري الى الصندوق المظلم لاخرجه منه في العام القادم لاحكي للجميع قصة الاغتيال من جديد فاعذروني .

شاهد أيضاً

التعداد العام للسكّان..!

الشيخ حسن عطوان ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *