حسين فلسطين
شكلت اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية صدمة لدول الإقليم والعالم لما تحتويه من بنود رصينة تمنع المساس بسيادة العراق فأظهرت المفاوض العراقي بما لم يظهر به منذ عقود فالعراقيين وغيرهم لا زالوا يتذكرون آخر الاتفاقات والمعاهدات العراقية التي عقدت ابان حكم الطاغية المقبور والتي اتسمت بالاذعان المطلق لأطراف الحوار كأتفاقية الجزائر و “نكسة صفوان” التي انتهت بوصف صدام ب” مستر يس ” بعد أن وافق على جميع الشروط والأحكام الأمريكية_الاسرائيلية أثناء طرد قواته من الكويت عام ١٩٩١ والتي من بين نتائجها تجزئة العراق بمنح الأحزاب والمليشيات الكردية السيطرة على شمال العراق اضافة الى قبول النظام البائد بتعويض الكويت ودول خليجية أخرى.
جرت الاتفاقية الاستراتيجية في ظل أجواء قاهرة عاشها العراق فالأمريكيون بوصفهم وصفتهم كمحتلين رضخوا للارادة العراقية ضمن اتفاقية لعلاقة صداقة وتعاون بين الطرفين وتضمنت هذه الاتفاقية التزامات كثيرة تشمل جميع مناحي الحياة على الولايات المتحدة وقد وردت الاتفاقية على شكل اقسام فكان التعاون السياسي والدبلوماسي بالقسم الثاني والتعاون الدفاعي والامني في القسم الثالث والتعاون الثقافي في القسم الرابع والقسم الخامس في التعاون في الاقتصاد والطاقة والقسم السادس في التعاون الصحي والبيئي والقسم السابع في التعاون في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقسم الثامن في التعاون في القانون القضاء والقسم التاسع في اللجان المشتركة والقسم العاشر في الترتيبات التنفيذية ، كما لم تخفي رغبة العراق وإصراره على انهاء الوجود العسكري الأمريكي من العراق كمطلب حكومي وشعبي ونخبوي عزز بأصرار المرجعية العليا بزعامة الإمام السيستاني على تنفيذ خطط الانسحاب .
وعلى الرغم من إصرار الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق( نوري المالكي ) على تأطير العلاقة بين الطرفين وتبنيه المطالب الشعبية بضرورة إنهاء الاحتلال الأمريكي فإن كثير من القوى السياسية والأحزاب حاولت عرقلة الاتفاقية وإظهارها بمظاهر يشوبها الكثير من السلبيات الاّ أن الحكومة مضت في انجازها كحل وحيد لأستعادة العراق سيادته ، فتحقق الشرط الاهم بسحب آخر جندي أمريكي من العراق على الرغم من عدم رضا أغلب المؤسسات الأمريكية وأبرزها الكونغرس الذي بدأ بأستجواب قادة عسكريين عللوا الانسحاب نتيجة إصرار الحكومة الكبير .
نفذت الولايات المتحدة بعض بنود الاتفاقية ذات المدى القريب او على الاقل إلى حين سيطرة داعش الإرهابية على مدن غرب العراق كألانسحاب العسكري وعدم بناء أي قاعدة عسكرية للقوات الأجنبية كما التزمت الولايات المتحدة مجبرة بعدم اتخاذ العراق منطلقا لأي اعتداء ممكن أن تقوم به ضد دول الجوار والعالم أثناء فترة تواجدها على الأرض العراقية الى أن تغير الأمر تماماً بعد الأزمة السورية التي جعلت واشنطن بحرج شديد نتيجة سياسة حكومة المالكي التي خالفت التوجهات الأمريكية ودعتها لعدم تبني الحرب على سوريا ومساعدة الجماعات المسلحة التي صنفها العراق وتنظيمات إرهابية ستحرق المنطقة والعالم بأسره .
ونتيجة ذلك الإصرار عمدت الولايات المتحدة وبأتفاق دول الخليج على المضي بدعم الجماعات الإرهابية في سوريا وإكمال مخطط سيطرة هذه الجماعات على مدن العراق وبالتالي إسقاط النظام السياسي العراقي الذي بدأ يقوى على الرغم من معاناته من داخليا نتيجة حالة الشذوذ السياسي الذي تبنته قوى وأحزاب كانت ضالعة بمخطط إسقاط بغداد وأخرى اعماها جشع المنافسة وتجاهلت بشكل متعمد النظر لما بعد سقوط العراق !
اليوم وبعد الحديث عن حوار استراتيجي بين العراق و واشنطن وعلى الرغم من حالة الضياع العراقي وضعف واجهته الحكومية لم نرى او نسمع منتقدي الأمس ولم نلمس من مواقفهم الاّ الأذعان والانبطاح للطرف الأمريكي على الرغم من حدوث مالم يحدث قبل عام ٢٠١٤ من اعتداءات امريكية على قواتنا الأمنية و إقامة قواعد عسكرية اضافة لجعل العراق منطلق لأستهداف دول الجوار رغم تصويت مجلس النواب العراقي على قرار يلزم الحكومة العراقية بأخراج القوات الأجنبية من العراق بعد تكرار تجاوزاتها الخطيرة واستهدافهم لأمن العراق ورموزه الوطنية كما حصل في مطار بغداد واغتيال قادة النصر!
ويبدو أن رغبة المحور السياسي المدعوم امريكيا في الإبقاء على التواجد الأمريكي أصبحت واضحة وعلنية كون أطراف المحور يرون في تواجدهم ضمانة لاستمرار تسلطهم على مقدرات الدولة العراقية كذلك يعد تواجدهم غطاء لفسادهم واستهارهم الواضح !!
هنا لا بد من توضيح مسألة مهمة وهي ما مدى فائدة وجود مجلس نواب يمثل الشعب وما مدى صلاحية قراراته دستوريا وهل أن الحكومة وليدة مجلس النواب ام العكس ؟
ولماذا تتعمد الحكومة عدم النظر لمطالب ملايين العراقيين الذين خرجوا بتظاهرات مليونية كبرى ترفض الوجود الأمريكي وهل أن الحكومة لا تبالي بمطالب المرجعية الدينية الواضحة والصريحة بضرورة إخراج القوات الأجنبية من العراق وعدم جعله ساحة صراع ومنطلق للاعتداء على دول وشعوب المنطقة !؟
وماذا عن مسألة ضحايا الاعتداءات الأمريكية وضربها للمؤسسة الأمنية والعسكرية وهل أن شهداء تلك الاعتداءات ليس لهم قيمة في نظرهم؟
أما عن البيان الختامي للطرفين فإنه عبارة عن مجموعة تناقضات ومغالطات غابت عنه حقائق كثيرة فالحديث عن عدم تبني العراق لطلب مغادرة الامريكان يقابله تنكر للوجود العسكري ثم بعد ذلك يتناول البيان ما مضمونه اتفاق آخر يحدد توقيتات زمنية تتناول محادثات فنية !!
كما تناول البيان نفياً أمريكيا تضمن طلب العراق بإنهاء الوجود الأمريكي وهذا ما يدل على عدم اعتراف الامريكان بشرعية ممثل الشعب كون مجلس النواب صوت بالأغلبية على قرار إخراج القوات الأجنبية واعتبارها قوات احتلال في حال عدم الالتزام بقرار المجلس!