بتوقيت المقاومة…

عماد الحطبة

منذ اللحظة الأولى للإعلان بشأن خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، انهال سيل من التوقعات والأمنيات والتخوفات المرتبطة بمحتوى هذا الخطاب. حاول كل طرف سياسي ترجيح السيناريو الملائم لمصالحه، من دون إغفال الطرف الشعبي العربي، الذي انصبت أمانيه على إعلان السيد حسن نصر المشاركة في معركة “طوفان القدس” بصورة كاملة؛ أي إعلان الحرب المفتوحة على الكيان.

في المقابل، ترتعد فرائص الطرف الرسمي العربي من إمكان هذا الاحتمال، الأمر الذي دفع الموقف العربي الرسمي إلى الاصطفاف إلى جانب الأميركي صراحة، من خلال المشاركة في الحرب على غزة، عبر اعتراض الصواريخ التي يطلقها اليمن في اتجاه فلسطين، وهو ما فعلته السعودية، أو المشاركة العملية في العدوان، كما فعلت الإمارات.

الأطراف العربية الأقرب إلى فلسطين اختارت معادلة تساعدها على الالتفاف على الحالة الشعبية المؤيدة للمقاومة، وخصوصاً بعد فشل مؤتمرات السلام التي حاولت عقدها في الأردن، ثم عقدتها في مصر.

المعادلة قدّمت إلى الولايات المتحدة خيار نصب منصات صواريخ الباتريوت للتصدي لصواريخ المقاومة، التي تستهدف الكيان الصهيوني، ومن ناحية أخرى إعلان سحب سفرائها من الكيان، ونقل عدد محدود من جرحى الجرائم الصهيونية للعلاج خارج قطاع غزّة.

هذه الاصطفافات جرت وتجري، وعيون كل الأطراف على الضاحية الجنوبية، في انتظار خطاب السيد حسن نصر الله. هذا ما قاله صراحة وزير الخارجية الأميركي، ومفاده أن إدارته تراقب وتنتظر الخطاب الموعود، وتتمنى ألّا يلجأ إلى خيار توسيع المعركة والذهاب إلى الحرب المفتوحة.

حقق خطاب السيد حسن نصر الله كثيراً من أهدافه قبل أن يخرج إلى العلن. المعركة تُخاض منذ بدايتها، بحسب توقيت المقاومة. يوم الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر ضبط العالم ساعته على توقيت المقاومة من غزة. ويوم الـ 3 من تشرين الثاني/نوفمبر يضبط العالم ساعته على توقيت المقاومة من الضاحية الجنوبية لبيروت. كلمة المقاومة هي القول الفصل ويدها هي العليا في المعركة، على رغم المجازر الوحشية التي يرتكبها العدو في قطاع غزّة.

كل المجازر والمؤتمرات والقرارات الدولية لن تحسم المعركة. الطرف الوحيد الذي حسم المعركة لمصلحته هو المقاومة، التي استمرت في حسمها من خلال التصدي لتوغلات العدو في غزّة، أو عبر التصدي له في الضفة الغربية، أو من خلال استمرار مشاغلته عند حدود فلسطين الشمالية.

للمرة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية، تُفتح على العدو خمس جبهات عربية (غزّة، الضفة، جنوبي لبنان، العراق، اليمن) موحدة على دعم الفعل الثوري الفلسطيني، من دون صفقات ومؤامرات تحاك في الغرف المظلمة، كما فعلت الجيوش العربية عام 1948، وفعل السادات عام 1973.

جاء الخطاب ليحمل تحليلاً سياسياً مفصَّلا لما حدث منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، من خلال توضيح العوامل والظروف التي سبقت عملية طوفان القدس، الأمر الذي يضعها ضمن سياقها في العملية النضالية المتصاعدة التي يخوضها محور المقاومة، فلا تعود عملية منفصلة مفاجئة خارج حسابات محور الفعل المقاوم، مع تأكيد سماحته أن قرار العملية كان فلسطينياً 100%.

ينطوي هذا التأكيد على أهمية استثنائية، إذ يُظهر وحدة محور المقاومة واصطفافه خلف القرارات التي يجدها أي طرف من أطرافه مفيدة في سياق الفعل المقاوم. هذا ما أظهره انخراط المقاومة الإسلامية في لبنان في المعركة منذ يوم الـ8 من تشرين الأول/أكتوبر، ولاحقاً انخراط المقاومة اليمنية والمقاومة العراقية في المعركة.

الخطاب حمل رسالة إلى الداخل اللبناني، حيث يسود قلق من الحرب، الأمر الذي يفاقم الأزمة التي يعيشها لبنان، على المستويين الاقتصادي والسياسي. فحوى الرسالة أن المقاومة لن تذهب إلى مغامرة عسكرية من دون حساب عواقبها والتأكد من ضرورتها. ترافقت هذه الرسالة مع تأكيد، مفاده أن نجاح العدو في تحقيق أهدافه في غزة يعني بالضرورة الالتفاف نحو لبنان وتعريضه لخطر عدوان صهيوني واسع. لذلك، عدّ السيد حسن نصر الله سلوك الكيان نحو لبنان أحد العوامل التي تحكم مستقبل المواجهة مع العدو، والتي تقع في هذه الحالة مع التزام المقاومة الدفاع عن لبنان، أو ما عبّر عنه السيد حسن بالحديث عن العودة إلى معادلة “المدني في مقابل المدني”.

الرسالة الدولية، التي حملها الخطاب، أوصلها من خلال التهديد الذي وجهه نحو البوارج وحاملات الطائرات الأميركية في البحر الأبيض المتوسط، والتي تتقاطع مع تهديدات المقاومة اليمنية للسفن الصهيونية والأميركية في باب المندب. هذه الرسالة تعني دولاً كثيرة غير الولايات المتحدة، فالمواجهة تعني تعطيل حركة التجارة العالمية، وتكبيد الاقتصادات العالمية خسائر فادحة وغير محتملة، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية القائمة. هذه الرسالة موجَّهة إلى جميع الأطراف، سواء المتحالفة مع العدو، أو المؤيدة لمحور المقاومة، من أجل دفعها نحو تحقيق الهدف الذي تطالب به قيادة المقاومة في غزّة في هذه المرحلة من المعركة.

تحديد السيد حسن نصر الله للهدف المرحلي للمعركة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لقطاع غزّة، يتطابق مع إعلان قيادة المقاومة في غزّة، على لسان قيادتي حركتي حماس والجهاد الإسلامي، سواء قبل الخطاب أو بعده. هذه المطالبة بوقف إطلاق النار ليست الخيار النهائي، إذ أبقى سماحته الخيارات مفتوحة، عندما جعل تطور الأحداث في غزة العامل الرئيس في تحديد الموقف المستقبلي للمقاومة اللبنانية، إذ يصبح فتح المعركة واجباً وطنياً وإنسانياً وأخلاقياً.

لم يستجب خطاب السيد لأماني المتحمسين لإعلان الحرب الشاملة. وهؤلاء، في معظمهم، مدفوعون بإيمانهم بقدرة المقاومة وبصدق وعدها، وكانت الحماسة تدفعهم إلى البحث عن انتقام سريع للمَشاهد المروعة التي يرونها في غزّة. لكن المقاومة، المنخرطة منذ اللحظة الأولى في المعركة، والتي تؤدي دوراً استراتيجياً في دفع جزء من القوة الغاشمة الصهيونية في اتجاهها وإبعادها عن غزّة، تشارك في المعركة من خلال استراتيجية معقدة وسرية لا يجوز أن تكون متاحة في وسائل الإعلام، ولغير قادة محور المقاومة.

تجربة على مدى أسبوع أرسلت رسالة إلى كل العالم المؤيد والمعادي، ومفادها أن التوقيت العالمي اليوم هو توقيت المقاومة، وهي القادرة على فرض شروطها على جميع الساحات، والتحكم في إيقاع المعركة.

شاهد أيضاً

العراق : رفع حظر التجوال داخل المحافظات وتمديد ساعات عمليات التعداد السكاني

أعلن في العراق عن رفع حظر التجوال الخاص بإجراء عملية التعداد داخل المحافظات فقط والإبقاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *