تقمع شركة ميتا الأصوات الفلسطينية بسبب مشكلة تحيز إشرافي، وليس مشكلة تقنية، إذ نشرت المخرجة الفلسطينية الأمريكية ختام جبر في وقت سابق من هذا العام مجموعة من اللقطات عن رحلة عائلتها إلى الضفة الغربية، وعرضت جبر عبر تدوينات مرئية قصيرة خاصة بالسفر مقتطفات من الثقافة الفلسطينية، من تناول الوجبات إلى الرقص في حفل زفاف ابنة أخيها.
وقالت جبر في تصريح لموقع تيك كرانش: “تلقيت تعليقات معادية لفلسطين، ولم أتمكن من الرد عليها أو استخدام حسابي لمدة 24 ساعة. ولم أنشر حتى أي شيء عن الاحتلال. ما حدث في الماضي يتكرر الآن”.
وأدت الغارات الجوية الانتقامية الصهيونية في أعقاب هجوم المقاومة الفلسطينية على الإسرائيليين والحصار الكامل الذي منع وصول الكهرباء والمياه والإمدادات الحيوية إلى تدمير غزة.
وأشارت ميتا إلى أنها تراقب منصاتها مِن كثب بحثًا عن الانتهاكات، وأنها قد تحدد عن غير قصد محتوى معينًا، مع أنها لا تنوي أبدًا قمع مجتمع أو وجهة نظر معينة.
وتحظر منصات ميتا بشكل صريح المحتوى الذي يشيد أو يدعم حماس، التي تحكم غزة والتي تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بصفتها منظمة إرهابية.
ويشتبه العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في فرض منصة إنستاجرام رقابة على المحتوى المتعلق بالأراضي الفلسطينية المحاصرة مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، حتى لو كان هذا المحتوى لا يدعم حماس.
واشتكى المستخدمون أيضًا من تعرضهم للمضايقات والإبلاغ عن نشرهم محتوى حول فلسطين، بغض النظر عن كونه ينتهك سياسات ميتا أم لا.
وتشتبه جبر في أن إنستاجرام قد قيدت حسابها لمدة 24 ساعة؛ لأن مستخدمين آخرين أبلغوا عن فيديوهات سفرها إلى فلسطين. واتهم مستخدمو إنستاجرام في الآونة الأخيرة شركة ميتا بحظر الظل على قصصهم حول فلسطين.
ويُعد الحظر الحالي للمحتوى حول فلسطين الأحدث في تاريخ طويل من الحوادث التي وقعت عبر منصات ميتا والتي تعكس تحيزًا متأصلًا ضد المستخدمين الفلسطينيين في عملياتها، كما هو موثق من خلال سنوات من الشكاوى من داخل الشركة وخارجها.
وقد لا تقمع الشركة مجتمعات معينة عمدًا، إلا أن ممارساتها الإشرافية غالبًا ما تؤثر بشكل غير متناسب في المستخدمين الفلسطينيين.
وتحاول ميتا مواجهة التحديات التي تشكلها الفروق الثقافية واللغوية الدقيقة للغة العربية، وهي لغة تضم أكثر من 25 لهجة، وقد تعرضت لانتقادات بسبب إهمالها تنويع مواردها اللغوية بشكل مناسب.
وتمنع سياسات الشركة بشأن القضايا المتعارضة المحددة بوضوح الإشرافَ الفعّال على أي موضوع دقيق، مثل المحتوى الذي يناقش العنف دون التغاضي عنه.
كما أثارت مجموعات المناصرة مخاوف من أن شراكات ميتا مع الوكالات الحكومية تؤثر سياسيًا في القرارات السياسية للمنصة، مثل شراكتها مع الوحدة السيبرانية الإسرائيلية.
وخلص تقرير بتكليف من ميتا أجرته جهة ثالثة خلال أعمال العنف التي اندلعت في عام 2021 بين حماس وإسرائيل إلى أن تصرفات الشركة كان لها أثر سلبي في حقوق الإنسان فيما يتعلق بحق المستخدمين الفلسطينيين في حرية التعبير والمشاركة السياسية.
ورفض آندي ستون، مدير اتصالات ميتا التعليق على التقرير، وأشار إلى تدوينة غرفة أخبار ميتا حول الصراع، المحدثة في 18 أكتوبر ببيان يتناول ادعاءات حظر الظل.
وجاء في البيان: “صممنا سياساتنا للحفاظ على أمان الأشخاص عبر تطبيقاتنا مع منح الجميع صوتًا. نحن نطبق هذه السياسات بالتساوي في جميع أنحاء العالم، ولا صحة للاقتراح القائل بأننا نقمع الصوت عمدًا. يمكن أن نرتكب أخطاء ولهذا السبب توجد عملية استئناف ليخبرنا الأشخاص عندما يعتقدون أننا اتخذنا قرارًا خطأ، حتى ننظر في الأمر”.
ولا يعد الاعتقاد بأن حظر الظل الذي يحظر المحتوى المتعلق بفلسطين أو يحد من ظهوره أمرًا جديدًا. وزعمت عارضة الأزياء والناشطة ذات الأصل فلسطيني، بيلا حديد، في إحدى قصص إنستاجرام في العام الماضي أن المنصة منعتها إلى حد كبير من نشر محتوى عبر قصتها عندما يكون مقرها في فلسطين.
وأشارت بيلا إلى إنها تتعرض لحظر الظل على الفور عندما تنشر عن فلسطين، وانخفض عدد مشاهدات قصتها بمقدار مليون مشاهدة.
وألقت ميتا باللوم خلال صراع 2021 على أخطاء تقنية في إزالة المنشورات المتعلقة بفلسطين. وأشار ممثل الشركة إلى منشور ثردز الذي كتبه آندي ستون عند طلب التعليق على هذه الادعاءات الأخيرة المتعلقة بحظر الظل.
وقال منشور ستون: “حددنا خطأ يؤثر في جميع القصص التي تعيد مشاركة منشورات الخلاصة و Reels، ويعني ذلك أنها لا تظهر بشكل صحيح في منطقة القصص للأشخاص، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في الوصول. أثّر هذا الخطأ في الحسابات بالتساوي في جميع أنحاء العالم، ولم يكن له أي علاقة بموضوع المحتوى، وقد أصلحنا المشكلة في أسرع وقت ممكن”.
ويشعر الكثيرون بالإحباط من استمرار قمع ميتا للأصوات الفلسطينية بشكل غير متناسب. وأشارت لين السعدي، وهي صحفية فلسطينية مقيمة حاليًا في الأردن ومقدمة بودكاست: “الحفاظ على فلسطين”، إلى أنها معتادة على الخضوع للرقابة باستمرار، إذ قيدت إنستاجرام حسابها في العام الماضي بعد أن نشرت مقطعًا دعائيًا للحلقة الأولى من البودكاست، التي ناقشت فيلمًا وثائقيًا عن فن الشارع الفلسطيني تحت الاحتلال.
وقالت لين السعدي: “يعيش الفلسطينيون حاليًا حربين، الأولى مع المحتل، والثانية مع المشهد الإعلامي الغربي بأكمله، وأعني وسائل التواصل الاجتماعي”.
حظر الظل من ميتا
يتهم مستخدمو إنستاجرام ميتا بقمع ما هو أكثر من مجرد القصص المتعلقة بفلسطين. ويوضح صانعو المحتوى أن التفاعل مع المنشورات تراجع على وجه التحديد بعد أن أدانوا علنًا رد فعل إسرائيل على هجوم حماس باعتباره عنيفًا بشكل مفرط.
ويشير البعض إلى أنهم مُنعوا من النشر أو البث المباشر، في حين يوضح آخرون أن إنستاجرام حددت محتواهم على أنه حساس، مما يحد من وصوله.
ويزعم المستخدمون أيضًا أن المنصة حددت منشوراتهم على أنها غير مناسبة وأزالتها، حتى لو كان المحتوى ملتزمًا بإرشادات مجتمع إنستاجرام.
ولم يتناول ممثل ميتا الاتهامات الأخرى المتعلقة بالرقابة بما يتجاوز مشاهدة القصة، ولم يرد على الأسئلة اللاحقة عندما طلب منه التعليق، واكتفى بالإشارة إلى منشور غرفة الأخبار المحدث، الذي يقول: “حددت ميتا وأصلحت خللًا كان يمنع المستخدمين من البث المباشر. كانت هذه أيضًا مشكلة عالمية وحُلّت في غضون ساعات قليلة. نحن ندرك أن الأشخاص يعتمدون على هذه الأدوات ونأسف لأي شخص شعر بتأثير هذه المشكلات”.
ومن غير الواضح إذا كان هذا الخلل قد أثر في الحسابات التي تنشر المحتوى الذي لا علاقة له بغزة.
ونشر مستخدمو إنستاجرام لقطات للشاشة تظهر أن القصص حول فلسطين حصلت على مشاهدات قليلة مقارنةً بالقصص الأخرى المنشورة في اليوم نفسه، ويزعمون أن عدد مرات المشاهدة قد ارتفع عندما نشروا محتوى لا علاقة له بالنزاع.
وأشارت مستخدمة مقيمة في مصر إلى أن منشوراتها تحصل عادةً على نحو 300 مشاهدة، ولم تحصل قصصها إلا على مشاهدة واحدة أو مشاهدتين عندما بدأت بنشر محتوى مؤيد لفلسطين بعد هجوم حماس.
وقالت: “حدث هذا الأمر لجميع أصدقائي أيضًا. لاحظنا أن نشر صورة عشوائية يؤدي إلى الحصول على مشاهدات عالية، لذا فإن نشر صورة عشوائية، ومن ثم مشاركة مؤيدة لفلسطين من شأنه أن يزيد المشاهدات”.
وقال مستخدم إنستاجرام آخر مقيم في المملكة المتحدة: “عاد عدد المشاهدات إلى طبيعته عندما نشر صورة قطة. انتقلت قصصي من 100 مشاهدة إلى صفر مشاهدة. اضطررت إلى نشر محتوى متقطع غير خاص بغزة من أجل وصول قصصي مرة أخرى للمتابعين”.
وقال المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي لموقع تيك كرانش: ” تلقينا تقارير عن تصفية إنستاجرام للتعليقات المتضمنة رموزًا تعبيرية للعلم الفلسطيني بشكل غير متسق. أبلغ المستخدمون أن المنصة حددت التعليقات المتضمنة الرموز التعبيرية على أنه يحتمل أن تكون مسيئة، مما أدى إلى إخفاء التعليق”.
ويوثق المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي حالات انتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية ويعمل مباشرة مع شركات التواصل الاجتماعي لاستئناف الانتهاكات.
ولم تستجب ميتا في البداية لطلبات التعليق، وأشار ستون عندما طُلب منه التعليق إلى منشور غرفة الأخبار المحدث، الذي لم يتناول بشكل مباشر القضايا المتعلقة بالتعليقات المتضمنة العَلَم الفلسطيني.
كما تلقى المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي أيضًا تقارير عديدة عن تحديد ميتا للمحتوى العربي وتقييده، حتى لو نشرته وسائل الإعلام.
وقال جلال أبو خاطر، مدير المناصرة في المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي: “وثّقنا حالات متعددة لصحفيين عبر إنستاجرام ينقلون الأخبار نفسها باللغات العربية والعبرية والإنجليزية، وتعرض المحتوى العربي فقط للإبلاغ مع أنه محتوى صحفي بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا تقيد الصياغة نفسها باللغتين العبرية والإنجليزية. يبدو أن هناك إشرافًا أفضل لتلك اللغات، وإشرافًا أكثر إهمالًا للمحتوى العربي”.
ورفض ستون التعليق على مزاعم تحديد ميتا للمحتوى الإخباري العربي بشكل غير متناسب، وأشار بدلًا من الرد إلى منشور غرفة الأخبار المحدث الذي لم يتناول هذه الادعاءات بشكل مباشر.
وكما ذكر موقع The Intercept، حددت كل من فيسبوك وإنستاجرام صور المستشفى الأهلي بدعوى أن المحتوى ينتهك إرشادات مجتمع ميتا بشأن العري أو النشاط الجنسي.
وتطبق إرشادات المجتمع بشكل غير متسق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمحتوى المتعلق بفلسطين.
وحاولت السعدي سابقًا الإبلاغ عن تعليق قال إنه يجب اغتصابها وحرقها حية كُتب ردًا على تعليقها على منشور لشبكة CNN حول الصراع، ووفقًا للقطات الشاشة التي استعرضها موقع تيك كرانش، فإن إنستاجرام أشارت إلى أن التعليق لا ينتهك إرشادات المجتمع ضد العنف أو المنظمات الخطيرة.
وقال أبو خاطر: “القيود المفروضة على المحتوى، وخاصة المحتوى المتعلق بفلسطين، مسيسة إلى حد كبير بشكل يغذي التحيز ضد الرواية الفلسطينية بشكل حقيقي”.
تاريخ من القمع
يخضع المحتوى المتعلق بفلسطين للتدقيق بشكل غير متناسب، كما ظهر خلال الأحداث الأخيرة قبل عامين بين حماس وإسرائيل.
واتهم المستخدمون عبر فيسبوك وإنستاجرام شركة ميتا بإزالة المنشورات وتعليق الحسابات التي أعربت عن دعمها للفلسطينيين وسط أعمال العنف التي أعقبت حكم المحكمة الصادر في شهر مايو 2021 بطرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة.
ووصفت مؤسسة الحدود الإلكترونية غير الربحية للحقوق الرقمية تصرفات ميتا في عام 2021 بأنها رقابة منهجية على الأصوات الفلسطينية.
وقال المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي في تقريره لعام 2022 المسمى هاشتاغ فلسطين: “لا زالت ميتا على رأس شركات التواصل الاجتماعي من حيث حجم تقييدها للفضاء الرقمي الفلسطيني”.