المهندس علي جبار ||
كيف سيتعامل مع القيود الأمريكية على استيراد الكهرباء والغاز من إيران؟
ماهي الخيارات المتاحة ؟
يمثل القرار الأمريكي القاضي بمنع تصدير الكهرباء والغاز من إيران إلى العراق تحديًا استراتيجيًا معقدًا، نظرًا للاعتماد الكبير على هذه الواردات في تشغيل منظومة الطاقة الوطنية. تعود صعوبة الموقف إلى الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي وسوء الإدارة المزمن، فضلًا عن ضعف البنية التحتية لقطاع الطاقة، الذي عانى لسنوات من الفساد وسوء التخطيط نتيجة المحاصصة السياسية.
حجم التأثير على قطاع الطاقة
يُقدر التأثير المباشر لهذا القرار بخسارة ما يقارب 40% من إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة، أي ما يعادل 6000 ميغاواط في المنطقة الوسطى، بالإضافة إلى 3000 ميغاواط في المنطقة الجنوبية. كما سيؤدي إلى توقف أربعة خطوط نقل رئيسية (خانقين، خور الزبير، ديالى، العمارة)، مما يفاقم أزمة الطاقة في البلاد.
من ناحية أخرى، فإن المحطات الاستثمارية الكبرى، مثل محطتي بسماية والرميلة، ستواجه توقفًا شبه كامل نظرًا لاعتمادها على الغاز المستورد من إيران. هذه التوقفات ستكلف الاقتصاد العراقي ما يقارب 200 مليون دولار شهريًا، نظرًا لطبيعة العقود المبرمة مع هذه المحطات، مما سيؤثر سلبًا على الميزانية العامة والقدرة التشغيلية للقطاع.
البدائل المتاحة
لا تزال خيارات الحلول المتاحة أمام الحكومة العراقية محدودة ومعقدة، وتنقسم إلى مسارين رئيسيين:
1- المسار الدبلوماسي
يتطلب هذا المسار التفاوض المباشر مع الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في القرار والسماح باستمرار استيراد الغاز والكهرباء من إيران. غير أن هذا الحل قد يستلزم تقديم تنازلات سياسية واستراتيجية قد تؤثر على استقلالية القرار العراقي لفترة غير قصيرة.
2- المسار الفني
يشمل هذا المسار مجموعة من الحلول التي يمكن تنفيذها على المديين القصير والمتوسط، ومنها:
ترشيد استهلاك الطاقة عبر تحسين إدارة الأحمال الكهربائية وجدولة القطوعات بشكل أكثر كفاءة.
التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية، من خلال تسريع المشاريع القائمة وزيادة الاستثمارات في هذا المجال.
الإسراع في تطوير قطاع الغاز الطبيعي المحلي عبر استغلال الحقول غير المستثمرة وتعزيز قدرات التكرير والمعالجة.
الحلول طويلة الأمد (3-5 سنوات)
تتطلب الحلول الجذرية لقطاع الطاقة تنفيذ مشاريع كبرى بالشراكة مع الشركات العالمية مثل “توتال إنرجي” الفرنسية و”أكوا باور” السعودية و”مصدر” الإماراتية. ومن بين هذه المشاريع تطوير محطات الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة شبكات النقل والتوزيع.
كما أن استيراد الغاز من تركمانستان يعد خيارًا استراتيجيًا، إلا أنه مكلف ومعقد بسبب الحاجة إلى مرور الغاز عبر الأراضي الإيرانية، مما يفرض تحديات تعاقدية وسياسية، أبرزها الحصول على استثناء أمريكي لهذا المسار.
أما استيراد الغاز من قطر، فهو خيار واعد ولكنه يعتمد على تطوير البنية التحتية البحرية، بما في ذلك استكمال مشروع ميناء الفاو الكبير خلال السنوات الثلاث المقبلة، لضمان استقبال الغاز المسال القطري بكفاءة.
التحديات المستقبلية
حتى في أفضل السيناريوهات، فإن الكميات المستوردة من الغاز من تركمانستان لن تتجاوز 18-20 مليون متر مكعب يوميًا، وهو ما يضمن توليد حوالي 4000 ميغاواط، أي ما يعادل 15% فقط من إجمالي الفاقد المتوقع. ومع الأخذ في الاعتبار العجز الهيكلي في الطاقة، الذي يتجاوز 48% بين الإنتاج والطلب الفعلي، يتوجب على العراق تبني نهج استراتيجي شامل يعتمد على تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي المحلي لضمان أمنه الطاقوي على المدى البعيد.