الشيخ حسن عطوان ||
🖋 من النصوص التي نُقلت عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) أنّه قال :
( مَن سمع واعيتنا او رأى سوادنا فلم يُجبنا ولم يغثنا كان حقاً على الله عزَّ وجل أنْ يكبّه على منخريه في النار ) ( 1 ) .
وأنّه قال لأصحابه في ليلة العاشر :
( هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ) ( 2 ) .
🖋 فهو من جهة كان يدعو الناس لنصرته ، ومن جهة أخرى قد أحلَّ أصحابه عن بيعته وكان يحثهم على تركه .
🖋 لذلك أشكل البعض بأنَّ هنا تعارض لايمكن تفهمه في الروايات التي وصلتنا عن يوم كربلاء !
🖋 وأكتفي هنا بجوابين :
◀️ الأول :
إنَّ دعوته للناس لنصرته ليس المراد منها الإلتحاق به للقتال يوم العاشر من محرم .
بل كان في الحقيقة يوجه رسالة عبر التاريخ لنصرة المباديء التي ثار لأجل ترسيخها .
وأمّا حثّهُ لأصحابه بتركه ليلة العاشر ؛ لأنّه رأى أنَّ لا فائدة من بقائهم معه في ذلك اليوم .
🖋 وهذا الجواب وإنْ كان صحيحاً في الجملة ، بمعنى أنّه ( عليه السلام ) عندما كان يدعو لنصرته إنّما كان يوجه رسالة عبر التاريخ .
لكن بعض طلبات النصرة تلك كان يدعو فيها لنصرته في ساحة الطف ايضاً ، فبعد إعتذار بعض مَن دعاهم كعبيد الله بن الحر الجعفي ، قال له الإمام :
( إنْ قدرت على ألّا تسمَعَ واعيتنا فافعل ؛ لأنّه ما سمع واعيتنا شخصٌ ثمّ لم ينصرنا إلّا أكبّه الله على وجهه يوم القيامة في جهنّم ) .
◀️ الجواب الثاني :
إنَّ ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) كانت خلاف السائد في حركتها واهدافها ؛ لذلك كان فهمها صعباً على الكثيرين بما في ذلك بعض المشفقين عليه كأخيه محمد بن الحنفية وبعض أبناء عمومته كعبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر ، فضلاً عن غيرهم ممن تأثروا بروحية الهزيمة التي رسخها الطغاة آنذاك بترغيب او ترهيب .
من هنا كان الإمام حريصاً على معالجة هذه الروحية بالتدريج ، فكان يحاول أنْ يُحيط نهضته بمجموعة من التدابير لكي لاتبدو وكأنها عملية إنتحار ، وحركة غير ناضجة ، وتغرير بأصحابه وتقديمهم للموت بدون ثمرة .
لكل ذلك أرسل أبن عمه الى الكوفة ،
وأرسل رسائل لبعض زعماء البصرة ،
ودعا بعض مَن كان يلتقيه في الطريق .
وكانت أجوبته حول سبب النهضة وجدواها تختلف من شخص لآخر ، بحسب تفُهم المخاطَب ومستوى تدينه .
فتارة يقول مبرراً خروجه من مكة ، أنّه لا يحب أنْ يُقتل فيها ، وتارة يقول لمن يطلب منه التوجه لليمن ، أنَّ بني امية سوف يخرجونه ويقتلونه اينما يذهب ، وثالثة يجيب أخاه : أنَّ الله شاء أنْ يراه قتيلاً …
وكل ذلك وإنْ كان صحيحاً ، لكنَّ الهدف من إختلاف أجوبته أنّه كان يحاول أنْ تكون حركته مقنعة للمحيط المهزوم نفسياً ؛ لكي لا يُتهم بالتهور فلايكون لدمه أثر .
أمّا ليلة العاشر فقد اتضحت الأمور ولم يبق معه إلّا زبدة المخض وصفوة المؤمنين وخيرتهم ، فأحلَّهم من بيعته ، إمّا لأنّه فعلاً أراد لبعضهم النجاة بعد أنْ أثبتوا خلوص نواياهم ، او لأنّه خطط لمعركة مثالية ، لا نكوص فيها ولا خذلان ، ولاتراجع ولا ضعف ..
معركة ليست ككل المعارك ..
معركة برز فيها أصحاب البصائر وصفوة الإيمان والصلابة الى خلاصة الشر والدناءة واللؤم .
وبهذا يتضح أنَّ لا تنافي ولا تعارض بين السلوكين والنصيّن كما توهم أصحاب الإشكال .
*****
( 1 ) المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، ( ت : 1111 هج ) ، بحار الأنوار ، ج 27 ، ص 204 ، مؤسسة الوفاء ، بيروت .
( 2 ) المفيد ، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ، ( ت : 413 هج ) ، الإرشاد ، ج 2 ، ص 91 ، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث .
*******
عظّم الله أجوركم .
[ حسن عطوان ]
تم تنقيحه في ليلة العاشر من محرم / 1446 هج