زيد نجم الدين ||
في طريقه نحو بغداد ، أصر الملك فيصل رحمه الله على تأخير حفل التتويج واعتلاء العرش حتى يوم ٢٣ آب ١٩٢١ ميلادي والمصادف ١٨ ذي الحجة ١٣٣٩ وهو ذكرى عيد الغدير ليكون اليوم الي يتوج فيه كأول ملك على عرش العراق بعد زوال الدولة العثمانية واندلاع ثورة آيار ١٩٢٠ (ثورة العشرين).
لم يكن المرحوم فيصل الاول مؤمناً بسردية الشيعة حول مناسبة عيد الغدير ، الا انه وجد في تلك المناسبة فرصة جيدة لكسب ود رؤساء العشائر في الجنوب وتعزيز ثقة الشيعة بسلطته فهو يعرف قدسية هذا اليوم عند الشيعة (مهارة سياسية) ، ولم يعترض السنه في ذلك الوقت على مزامنة حفل التتويج واعتلاء العرش مع عيد الغدير لكون ان المزامنة اخذت منحى المجاملة من قبل فيصل لا اكثر.
وفي عام ١٩٧٧ عادت الدولة ومن خلال سلطة حزب البعث بإصدار قرارا صريحاً بمنع اقامة مراسيم عاشوراء (او الشعائر الحسينية وهي جزء من التراث الشيعي) وسرعان ما جوبه قرار السلطة برفض شعبي حيث دخلت سلطة البعث في مواجهة مباشرة مع الشعب في انتفاضة صفر وانتفاضة ١٩٩١ وبقيت العلاقة متوترة حتى زوال البعث عام ٢٠٠٣، ورغم ذلك لم يتمكن البعث الصدامي وبكل الوسائل التي اتبعها من تغيير قناعات الشيعة وبقي الشيعة يحزنون في عاشوراء ويحتفلون في عيد الغدير وزادوا على ذلك يلعنون البعث وصدام في كل مناسبة من مناسباتهم الدينية.
ان الاعياد والمناسبات الرسمية حتى تكون واقعية لابد ان تكون ذكراها حية وحاضرة بشكل حقيقي ضمن مناسبات الشعب السنوية ؛ ولا يوجد ما يشترط ان تكون المناسبة عامة (تخص عامة الشعب) لتتحول الى مناسبة رسمية ، فليس بالضرورة ان تكون كل المناسبات الرسمية هي مناسبات وطنية (بمعنى تشترك فيها كل فئات الشعب) فعلى سبيل المثال تمر على اهل الجنوب اعياد نوروز كيوم عادي بدون اي مظهر من مظاهر الإحتفال عكس الواقع في محافظات شمالنا الحبيب حيث الاحتفالات تملأ الشوارع والازقة.
كذلك في يوم العاشر من محرم حيث يعم السواد ومظاهر الحزن في مدن معينه، هنالك مدن اخرى تعيش الذكرى كأي يوم من ايام السنة.
عيد الغدير عيد من اعياد الشيعة المهمة حيث يحتفل الشيعة بهذا اليوم بشكل ملحوظ من قبل الجميع، وسيبقى الشيعة على هذا الحال سواء اقرت المناسبة ضمن التشريعات ام لم تقر.
لكن ليس من الحكمة ان يرفض ادراج عيد الغدير ضمن التشريعات بذريعة انها محاولة ذات نفس طائفي تستهدف الدولة في اعتدالها، فهذه الذريعة تمس وجدان الجمهور الشيعي (المختلف اصلا حول ادراج المناسبة كعطلة رسمية)، فالاحتفال بعيد الغدير جزء من كينونة المكون الشيعي ، والاحتفال على المستوى الشعبي حاصل على اي حال من الأحوال وبقبول ومباركة وتفهم من باقي مكونات الشعب وهذا الامر بفعل السنين اصبح اشبه بالتراث العراقي. بعبارة اخرى ، الدعوات لإدراج عيد الغدير ضمن المناسبات الرسمية تنطلق من واقع احتفاء شعبي بالمناسبة ، على عكس لو ان الدعوة كانت لإدراج مناسبة ما لا تحظى باحتفاء حقيقي بين ابناء الشعب (اي انها تفتقر لوجود فئة من المحتفلين). ورغم ذلك هنالك الكثير من الشيعة اليوم معترضين على تعطيل الدوام في مناسبة عيد الغدير وسببهم في ذلك هو المبالغة في تكرار العطل والمناسبات فضلا عن عطل الطوارئ التي يشهدها بلدنا و بهذا التسبيب يبدو موقف الرفض سليم وعقلاني و ممكن ان يقبل في سياق الحرص على الدولة عكس الاسباب التي تنطلق من منطلق طائفي.
أخيراً ، الوطنية والحكمة و المسؤولية تحتم علينا ان لا نتخذ موقفاً متشنجاً يؤدي الى سلسلة مزدوجة من المواقف المتضادة والتي تؤدي من جديد الى ميدان صراع الهويات، ومن الجدير بالذكر ان الجدال الحاصل حول موضوع عطلة عيد الغدير هو جدال سياسي بين الأحزاب السياسية (قمة الهرم) في حين ان لا جذور لهذا الجدال بين عامة الشعب. كذلك ، حتى تلك الاصوات السياسية (الشيعية) التي ترفض ادراج عطلة عيد الغدير بداعي ان التوقيت غريب وغير مناسب انما هو كذلك لكن من منظور مصالحهم الحزبية وليس من منظور مصالح الشعب، كما لا استبعد ان تكون دعوات تضمين المناسبة ضمن التشريعات كانت غايتها سياسية بحته ايضا.