الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي ||
قال تعالى: ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)) الأعراف 26.
ظاهر الخطاب القرآني يدعو إلى مواراة السوأة وعدم ابتذالها بالشكل الذي يتنافى مع قوانين الشريعة والفطرة السليمة الحاكمة بضرورة الستر والحشمة, ومنذ بداية الخليقة حاول الانسان أنْ ينماز عن غيره من المخلوقات التي تشاركه في الحيوانية وتختلف عنه في الناطقية, وبحسب النقول التاريخية القديمة فإن الإنسان سعى إلى مواراة بعض جسده بتلك الخرقة البدائية التي لم تكن تستر كثيراً من أجسادهم لكنَّها أكَّدت لجوءهم إلى التستُّر, وبذلك فقد تميزوا عن الحيوانات التي لم نجد عندها هذه النزعة الفطرية.
وبقطع النظر عن الاختلافات بين المجتمعات وثقافاتها المتغيِّرة التي تتأثر بالحوادث والعوارض فإن الجميع يتَّفق على الستر والمواراة, وقد يختلفون على حدوده طبيعته, وهذا الأمر يناسب الذوق السليم الذي يحرز كرامة الإنسان ويُشعِره بتميُّزه عن غيره من الموجودات التي خُلقت كرامة للإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض, والله تعالى يُحبُّ أنْ يرى خليفته مطيعاً لأمره ومستجيباً لدعوته التي فيها سعادة الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة.
وبعيداً عن التأويلات فإن الخطاب القرآني في الآية المباركة فُسِّرت بعدَّة دلالات أظهرها أنَّ الله تعالى أمرنا بضرورة الستر والمواراة والابتعاد عن التعرِّي والسفور, وهذا الأمر بحدِّ ذاته اختبارٌ للفطرة السليمة عند الإنسان الذي يعيش زمن الابتلاء في ملبسه وما يمكن أنْ يستر به نفسه, ولاسيَّما أنّ الوضع الاجتماعي بدأ يتأثر بالعولمة التي حرَّفت الخصوصيات وركَّزت على مواطن الضعف عند الناس بحجة الارتقاء إلى مستوى الشعوب المتطورة التي تتصوَّر بأنَّ من التخلُّف الالتزام بالقيود الشرعية والضوابط المجتمعية.
إنَّ الآباء الواعين والاخوان الشرفاء اليوم يعيشون لحظات التحدي الحقيقية نتيجة السخافة المجتمعية التي تحاول أنْ تبرر التعري والسفور بمواكبة الآخرين متجاهلين أنَّ الحرام لا يكون حلالا وإن فعله كل الناس, لذلك علينا أنْ نمعن في الحلال وحدود الاسلام, فإن الحق قد لا يجد اليوم طريقاً إلى قلوب الجميع؛ بل إنَّ أمر مواجهة الحق محتومٌ من قِبل السفهاء ومروجي الثقافات الدخيلة التي استطاعت أنْ تدخل إلى بيوت المؤمنين كغيرهم عبر منافذ الشاشات المختلفة وبأيسر الطرق وأشرسها عند المواجهة؛ إذ سقط كثيرٌ من الناس في شباك المصيدة.
ويفهم من الخطاب القرآني أيضاً الدعوة إلى التقوى التي جاءت موصوفة بالخير, وهذا لا يختلف عليه أحدٌ, فمن كان سلاحه التقوى فقد أمن الفساد والخروج عن الحدِّ؛ لذلك دأب المؤمنون على تربية أبنائهم وتعليمهم فنَّ مواجهة الانحراف والصبر على الطاعة لأنَّ ذلك من أسباب النجاح, والخشية ليس من وصول الفتنة إلى أبنائنا لأنَّ ذلك واقع لا محالة ولكنَّ الخشية من ضعفهم وعدم قدرتهم في مواجهة الانحراف, وعلى هذا ينبغي التسلُح بالتقوى والايمان لكي نحرز الصمود في المواجهة ونحافظ على الحشمة في زمن التعري.