سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي

وسام داوود

20 يناير كانون الثاني 2025  و  29 آب عام 1949  تاريخان مهمان لهما دلالتهما العالمية الاستثنائية ,فما كان وسيكون بعدهما ليس كما كان  قبلهما, وعليهما انطوى وسينطوي شكل وأدوات الصراع العالمي في رسم الأقطاب والنفوذ .

نبدأ من الأقدم وما كان له من تأثير للوصول إلى الأحداث وما سيكون له من نتائج فعندما أطلقت الولايات المتحدة مشروع “مانهاتن” لصناعة السلاح النووي عام 1939  – على أنقاض مشروع ألماني نازي بدأ قبل ذلك بسنوات – استكملت خطواتها نحو إجراء أول تجربة نووية في 16 تموز 1945 تحت اسم ” ترينيتي” ,وألقت قنبلتيها على اليابان بعد أقل من شهر في ذات العام.

كان الاتحاد السوفيتي آنذاك يراقب ويتابع ويحاول الوصول إلى هذه التقنية بكل الوسائل ,وكانت المخابرات الأميركية قدرت أن السوفيات لن يُنتجوا سلاحاً ذرياً حتى عام 1953 بينما توقع البريطانيون أن ذلك سيحدث عام 1954 , لكن الاتحاد السوفيتي حقق مفاجأة كبيرة غيرت الاستراتيجيات وأجرى تجربته الذرية الأولى الناجحة “جو1” في العام 1949 لينطلق بعد هذا التاريخ سباق نووي جعل العالم يقف على رجل واحدة لعقود من الزمن, ورسم خارطة الحرب الباردة بين حلفي وارسو و الناتو حتى انتصر الأخير بسقوط الاتحاد السوفييتي في العام 1991 .

ما أعادنا إلى ذلك التاريخ القريب هو المفاجأة الصينية التي تعادل التفجير النووي السوفيتي بإعلانها عبر إحدى شركاتها الناشئة عن روبوت المحادثة الذكي الخاص بها كمصدر مفتوح “ديب سيك” في

20كانون الثاني /يناير2025 ,ليوجه ضربة موجعة لمشروع ” تشات جي بي تي ” الأمريكي ,واحتكار أساسيات وتقنيات الذكاء الاصطناعي.  وأول نتائج هذه الضربة كانت خسارة تريليون دولار من القيمة السوقية لأكبر مؤشر لأسهم التكنولوجيا في الولايات المتحدة خلال أسبوع من إعلانه للشركات الأميركية العملاقة السبع، التي تضم “آبل” و “مايكروسوفت” و”غوغل” و”ميتا” و “أمازون” و”تسلا” و” إنفيديا”, وهذه الأخيرة هي من دفعت الثمن الأكبر من الخسائر كونها المصنّع الأول في العالم للرقائق الالكترونية الشديدة التعقيد.

الدخول في المسألة التقنية وكيفية حصول الصين خلال فترة وجيزة على هذه التقنيات يبقى مجال بحث طويل للمختصين في هذا الشأن, لكن نحن نتحدث عن الأبعاد الاقتصادية والسياسية وصراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصين في العالم الجديد عالم الذكاء الاصطناعي ,والذي بدأ يدخل في تركيب كل شيء ,حتى شخصية الإنسان الذي صنع هذه التكنولوجيا .

فكما العامة من الناس يعلمون أن التقنية النووية تختص بالشأن العسكري والكهرباء فقط ولا يعلمون أنها تدخل في الزراعة والغذاء والطب واستكشاف الفضاء وتحلية المياه وأمور كثيرة من تقنيات العصر الحالي ,فالذكاء الاصطناعي يعد اليوم أحد أهم أدوات التطور ليس في مجال السوشال ميديا والتواصل والوصول إلى المعلومات وتداولها بل أيضا  المجال العسكري والاقتصادي والسياسي والطبي والغذائي وكل مناحي الحياة, من يسبق فيه سيكون له السبق في قيادة العالم والتحكم فيه وبمقدراته وحتى التحكم بعقول نحو ثمانية مليارات إنسان على سطح الكوكب .

ولذلك نرى اليوم هذا السباق الجديد للتسلّح بالذكاء الاصطناعي فبعد ” “تشات جي بي تي “و “ديب سيك ” اعلن ايلون ماسك عن برنامج “غروك 3” في خطوة جديدة للتفوق على ما هو موجود حتى الان ولعل الأيام القادمة تحمل لنا برامج  وأسماء جديدة فكما كنا في سباق التسلّح النووي تعود بنا الكرة من جديد بأدوات وأساليب أخرى لأهداف أشد قوة وفتكاً  عبر الذكاء الاصطناعي ,فهنا لا تحتاج القوى العظمى لاستخدام القوة الصلبة في السيطرة بل عبر هذا الذكاء الذي يدمّر البشر من الداخل.

 

 

شاهد أيضاً

التربية توضح تفاصيل مشروع (إيدوبا)

أوضحت وزارة التربية، اليوم الخميس، تفاصيل مشروع (إيدوبا)، وفيما اشارت الى ان ملف الأبنية المدرسية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *