د. علاء هادي الحطاب ||
السياسة في أوضح تعريفاتها عرفت بفن الممكن، وهذا الممكن هو الذي يكون بمتناول اليد من دون خسائر، لا الطموح الجامح الذي يتوقف الأداء السياسي إذ لم يتحقق، فكلما وجد المشتغلون في حقل السياسة أن الطريق مغلق أمامهم بحثوا عن خيارات أخرى باستخدام ذات الفن وهو “الممكن” لاستمرار الفعل السياسي الذي يهدف في أحد أهدافه إلى رعاية مصالح الناس.
وقد اعتدنا في العراق بعد عام 2003 ترحيل المشكلات أو أنصاف الحلول في محاولة من الفاعل السياسي المضي بقارب إدارة الدولة ورعاية مصالحهم السياسيّة، لذا نجد أن هناك مشكلات ما تزال تحضر بقوة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان العراق، وهذا المشكلات تطل برأسها بمناسبة او من دونها، تارة بمناسبة تشكيل الحكومات أو إقرار الموازنات أو غيرها وتارة أخرى تظهر نتيجة موقف سياسي أو تصريح انفعالي أو سلوك يغضب طرفاً من دون آخر، وهكذا الحال بين بغداد والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، أو بين الأحزاب داخل المكون الواحد بسبب قانون أو توزيع، ومن ثمَّ يتمُّ ترحيل تلك المشكلات التي تتجدد كل حين في سبيل امضاء الاتفاق السياسي في حينها على موضوع معين، حتى وصل بنا الحال الى أفول حتى مقترحات أنصاف الحلول أو ترقيعها، وبات وجود تلك المشكلات مرضاً مزمناً لا يمكن علاجه، بل يمكن تخفيف حدة ألمه او مآلاته على استمرار ديمومة هذا النظام السياسي.
فالتعداد السكاني وحقوله معلوماته، وقانون الانتخابات وتوزيع المقاعد، والمنافذ الحدوديَّة والعلاقة بين بغداد واقليم كردستان وبقية المحافظات وتوزيع المناصب والدرجات الخاصة، وتوزيع الثروات والنفط والغاز وإدارتها، وغيرها الكثير من المشكلات التي لم تتوفر الإرادة السياسيَّة بعد لمعالجتها ووضع نهاية لوجودها في هذا النظام السياسي، وأعتقد أن غياب فلسفة هذا النظام السياسي، فضلا عن تنوع مصادر القرار والضغط والمكوناتية الحاكمة فيه بالاضافة إلى غياب الإرادة السياسية بعض أسباب ترحيل المشكلات أو ترقيعها، حتى بات وجودها أمراً مألوفاً وكذلك استعصاء حلها؛ لذا اتفق المتفقون على ترحيلها ليوم تتحول فيه هذه المشكلات إلى أزمات تقوّض استدامة النظام السياسي وإعاقته بشكل لا يمكن معه الترقيع والترحيل بعد ذلك.
ويبدو أن هذا الترحيل والترقيع انتقل من أداء سلطات ومؤسسات إلى سلوك أحزاب؛ لذا باتت تتمحور “الثنائيَّة” السياسيَّة المذهبيَّة والمكوناتيَّة بشكل ملحوظ، وربما في المستقبل تصبح خريطة عمل سياسي، وأقصد هنا “الثنائيَّة” الحزبيَّة السياسيَّة.