يعدّ التعداد السكاني من الأمور الضروريَّة التي تُتيح الحصول على قاعدة بيانات حقيقيَّة وليست تخمينيَّة لتفاصيل التركيبة السكانيَّة للدولة، ويرى مراقبون وخبراء أنَّ “تعداد السكان” في العراق بات ضرورة وطنيَّة مُلحّة، إلا أنَّ الآراء تختلف بين مؤيد ومعارض بشأن إيراد فقرة الدين أو القوميَّة أو المذهب ضمن البيانات.
وقال رئيس “مركز العراق للدراسات الاستراتيجية”، الدكتور غازي فيصل، في حديث صحفي: إن “الدولة المدنية المعاصرة الحديثة لا تتبنى التقسيمات الطائفية المذهبية والدينية والقومية في مجتمعها، وذلك لسبب بسيط هو أن الدولة المدنية تتعامل مع الإنسان كمواطن لديه حقوق دستورية وحقوق قانونية كحق الحياة والعمل والتعليم والصحة والسكن اللائق”.
وأضاف أنَّ “الإحصائيات السكانية في الأساس تبحث عن الجوانب الاجتماعية المتعلقة بالعاطلين عن العمل ومن هم تحت خط مستوى الفقر، وعن الموظفين والعمال والفلاحين والكسبة من المهن الحرة، أما السبب من الإحصاء السكاني فيكشف عن طبيعة مكونات المجتمعات من الناحية الاقتصادية والطبقية المهنية، وتوضع وفق هذه الإحصائيات تقارير ودراسات ضمن إطار وزارة التخطيط لإيجاد حلول للمجتمع”.
وأشار إلى أنه “إذا ما ذهبنا إلى تحديد عدد القوميات فذلك لا يعني شيئاً بالنسبة لوزارة التخطيط، فهي تتبنى استراتيجيات لضمان التنمية الشاملة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ودراسة حاجة الشعب بمكوناته للسكن”، مبيناً أنه “على سبيل المثال هناك 4 ملايين مواطن يعيشون في المناطق العشوائية، ويمكن من خلال الإحصائيات أن تظهر حقائق خطيرة عن الأوضاع في المجتمع مما يعطي للدولة والمؤسسات المعنية التشريعية والتنفيذية قراءة جدية لوضع الخطط ومواجهة هذه التحديات التي يعاني منها المجتمع”.
وأكد فيصل أنه “من خلال هذه الإحصائيات يمكن الوقوف على معاناة الشباب والمستويات العمرية للكهول، ليأتي دور المؤسسات المعنية لوضع الحلول لها”.
ونوّه بأن “البحث عن تحليل كيفي وكمي من خلال الإحصاء السكاني، سيؤدي لتحقيق الأهداف الكبرى للتنمية الشاملة الوطنية، بينما البحث في الجوانب الطائفية المذهبية والدينية فليس له أي علاقة بالقضايا التنموية للبلد وإيجاد حلول للمشكلات والتحديات الاقتصادية”.
من جانبه، يرى رئيس “المركز الإقليمي للدراسات”، علي الصاحب أنَّ التعداد السكاني حاجة “مُلحّة وضرورية”، لكنه أشار إلى وجود “الكثير من المعوقات وربما المعرقلات في إتمام مثل هكذا عملية تحتاج إلى تخطيط عالي الجودة وتنسيق مع أكثر من وزارة”.
وأضاف أنَّ “العراق أنجز آخر إحصاء سكاني في عام (1997) ولاقى صعوبات بعد انفصال محافظات الإقليم”، ونوّه بأن “اليوم هناك الكثير من المقترحات المقدمة مثل إلغاء فقرة القومية وربما الديانة أو المذهب”، موضحاً أن “هذه الاقتراحات غير علمية بالمرة لأنَّ من أساسيات التعداد السكاني تقديم قاعدة بيانات دقيقة في التركيبة السكانية قومياً ودينياً وعرقياً”.
وتابع أنَّ “هذه البيانات مهمة أيضاً في المسار الانتخابي الذي يجري كل 4 سنوات، لا سيما أنَّ المحاصصة أصبحت من ركائز المشهد السياسي الذي يعتمد قاعدة النسبة والتناسب في توزيع المقاعد البرلمانية وحتى المناصب”.
وأكد الصاحب أن “فكرة إلغاء القومية أو الديانة قد تكون مقبولة في بيانات أخرى ليس بالضرورة أن تُذكر فيها كالبطاقة الموحدة أو إجازة السوق أو جواز السفر؛ لكن بالعودة إلى البيانات الرئيسة تكون أدق التفاصيل حاضرة، وهذه معلومات مهمة تستند إليها بعض المؤسسات وأهمها الأمنية”.