الهويّة السورية من صراع الأجساد إلى….. تفريغ تركيبتها

للكاتب والصحفي السوري || خليل عبد الحميد

رحلة العقد ونيف من المعاناة التي شهدتها الساحة السورية على كافة المستويات، بدءًا من الحرب النفسية ومرورًا بالعسكرية، و الإقتصادية، حتى تفكيك البنية الإجتماعية وما تفرضه هذه المرحلة من مسؤوليات ومواجهة تتعلق بمستقبل وتطور الدولة، وتطلعها وتحررها وبناء مجتمع متقدم، وفي هذا السياق كان على المجتمع السوري أن يواجه الغرب، والصهيونية وعملائهم في المنطقة في ظل ضعف قدرة المجتمع على الصمود، وكسر أدوار الدول الكبرى والفاعلة التي عملت على  تفجير المجتمعات، وتهديد وحدتها ودعم وتيرة الفرز الطائفي والمذهبي والعنصري، وضرب الحدود الجغرافية للدولة لتكريس التجزئة، وما ينتج عنها بتحولات استراتيجية ذات طبيعة محلية واقليمية وعالمية.

 

يمثل الأمن الفكري ركيزة أساسية لكونه يتعلق بعقول أبناء المجتمع وفكرهم وثقافتهم، ويعد الطريق لتحقيق الأمن بمفهومه الشامل، ومن ثم أصبحت الحاجة ماسة اليه، كونه يحقق للمحتمع تماسكه وذاتيته، وذلك بتحقيق الوحدة في المنهج والفكر والغاية، كما أن تحقيق الأمن الفكري هو من أسس التطور ونمو حضارة المجتمع وبناء ثقافته وهويته، وعليه فإن تحقيقه حماية للمجتمع والشباب ووقاية لهم، وإذا كانت المجتمعات تهتم بالأمن الغذائي والصحي والعسكري، فإن الأمن الفكري أمرًا في غاية الأهمية بوصفه بعدًا استراتيجيًا في الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية من التفكك والذوبان في ذاتية الأخرين.

 

توظيف الرقعة الجغرافية السورية للنمط الجديد من الحروب.

يقول الكاتب الإنكليزي باتريك سيل في كتابه الصراع على سوريا (من يريد قيادة الشرق الأوسط، لابد له من السيطرة على سوريا) أرتبط هذا القول بتلخيص ماجرى، ومايجري على الساحة السورية، من تفتيت ونسف ركائز المجتمع، إلى جانب أسلوب التهميش، والفقر، والحرمان ليتماهى مع الجهل والتخلف، والسخط ليصبح المجتمع رهينة التطرف، والعنف وأدوات للتكفير،الأمر الذي يطرح بحد ذاته مسألة مستقبل الهويّة السورية، وما يهددها في ظل التدخلات الخارجية وأبعاد تحولها التدريجي:

تفجير الوضع الداخلي

لقد ربط الاقتصاديون وعلماء الاجتماع بين سياسية الجوع، وتزايد العنف مما يزيد من السخط والتوتر لدى طبقة من الرجعيين لديهم بوصلة أيديولوجية غير واضحة، ويتبعون مصالح قصيرة الأجل، ولكن لديهم إمكانات تخريبية كبيرة وهذا ما قد يحوّل أي شرارة صغيرة في أي مجتمع كان إلى تداعيات عنيفة.

وحول كيفية الاستفادة من العنف الأعمى لدى هذه الفئة لتحويله إلى عنف بنَّاء لإحداث التغييرفي خطة خنق تدريجية، للبيئة المستهدفة بدرجة تفوق الحروب العسكرية، وهذا ماتسميه الإمبريالية ب (حرب الرغيف) أي العقوبات الإقتصادية، وأصبحت هذه العقوبات أداة تستخدم ضد العديد من الدول والشعوب، تحت دعوى فرض قيم العالم الأول والمتقدم، على دول ومجتمعات العالم النامي غير المتحضر.

التهجير وخارطة الشتات

لماذا ساهم الغرب بتهجير السوريين؟.. يعد هذا السؤال نقطة البداية لرؤية تحقيق مصالحهم في المنطقة خلال العقود المقبلة، فالعالم الجديد ستشكله القوى المحركة لتغير “الجغرافيا البشرية”، فإذا كانت الجغرافيا والديمغرافيا من الثوابت المحددة لمصير البشرية، فإن الاتصال قد أصبح من هذه القوى الحتمية، وكذلك الحركة، والتنقل، وتسارع دوامة الحراك البشري، وهذا ما شهدته الساحة السورية من مشهد متسارع من التنقلات، والهجرة نتيجة عوامل عدة: منها الاختلالات الفكرية، والعوامل الاقتصادية بسبب الازمات المالية، والازمات السياسة،  ونشوب الحروب.

هذا وقد كشفت أحدث مؤشرات وبيانات توزيع اللاجئين السوريين حول العالم عن تمركز غالبية اللاجئين في دول الجوار، مثل لبنان، والاردن، حتى أن أكثر 3 مليون لاجئ يتركزون في تركيا، في حين يوجد حوالي 150 ألف لاجئ في مصر، ومن جانب آخر اتجه الكثير من الفئة الشابة إلى القارة الأوروبية، ووفقق أخر البيانات أن عدد الواصلين إلى الإتحاد الأوربي، بلغ حوالي 8 مليون شخص في عام 2023 إذ تستضيف ألمانيا العدد الأكبر منهم.

ووفقًا لما ذكر يمكن تقديم أربعة سيناريوهات متوقعة لمستقبل سياسة التهجير وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1_الإنتقال من “اقتصاد الإنسان الصانع” إلى إقتصاد الإنسان المستهلك.

2_الإنتقال من “النهوض بالقوميّة العربية” إلى تزايد فرص وئدها.

3_الإنتقال من “مكافحة الأمية والجهل” إلى افتراسها للجيل الشاب.

4_الإنتقال من “التصدي لآفة اللامساواة” إلى تآكُل معايير العقد الإجتماعي.

 

تغلل التيارات الفكرية المنحرفة

لم يكن خفيًا على أحد أن الأزمة السورية  أدت الى  خلخلة  التوازنات المجتمعية، فوجدت القوى الغربية الفرصة المناسبة لإطلاق شعاراتها بمنهجية متصاعدة، مما أعطى المأذونيّة لتزاحم التيارات الفكرية، وعلى رأسها الإسلامية المتطرفة “تنظيم داعش، جبهة النصرة، أحرار الشام”  والعلمانيون الماركسوين “الأكراد الانفصاليون” قد يكون يكون هنالك أختلاف في الوسائل لدى هذه التيارات ولكن الغاية هي واحدة، في التطرف، والأرهاب، والرجعية ولا سيّما حين تتجانس خيوط هذه الثلة في تكوين جماعات تدعي الدين، و تدعي الديمقراطية، وتنغلق على ذاتها، وترفض كل من يخالف فكرها وينتقد آراءها، وتصف الآخرين بالأعداء والمتآمرين، وتحكم عليهم بالكفر والخيانة، وهنا يتحول هذا التشدّد إلى خبيثة للإرهاب يقتلُ بها مَن يشاء، وقتما يشاء، وأينما يشاء، تحت عنوان الحل الإسلامي، والديمقراطي الذي سيخلصهم من واقع أليم، لينقلهم إلى جنة الحوريات الموعودة، والدولة المزعومة، ولضمان النجاح في هذه الخطة استُدعيت أخطر النوازع الطائفية، والعشائرية، والمذهبية، والإثنية، والجهوية، لتكون أدوات تمزيق وحدة المجتمع السوري وتخريب نسيجه الوطني.

أخيراً، يمكن القول إن مسار إعادة الأسس للهويّة الوطنية السورية يتمثل في معالجة المشكلات الاجتماعية، التي نتجت عنها الأزمات الفكرية ومن ثم الانهيار المجتمعي الذي نشاهده اليوم، وهذا يتطلب معالجة ذات خصوصية تتوافق مع خصوصية المجتمع السوري، مع وجود الحاجة الملحة للتصدي للعولمة الغربية، حفاظاً على سلامة وأمن وحياة الأجيال القادمة.

شاهد أيضاً

قائد الجيش الإيراني: المقاومة الفلسطينية كشفت عن الوجه الكريه والحقيقي لنظام الكيان الصهيوني

أكد القائد العام للجيش الإيراني اللواء “السيد عبدالرحيم موسوي” ان المقاومة الفلسطينية ومجاهدي غزة كشفوا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *