جرائم الحرب الإسرائيلية.. المحاسبة واجبة و”ممكنة”

ليلى نقولا

يقف العالم متفرجاً على الإبادة التي تقوم بها “إسرائيل” في غزة، حيث يرتكب “الجيش” الإسرائيلي أفعالاً تشكّل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي من المفترض أن تشكّل وثائق دامغة لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين، وجميع من أمر بهذه الأعمال وحرّض عليها ونفذها. ونذكر بعضها بإيجاز شديد:

الحصار
الحصار المحكم ومنع المياه والمواد الغذائية والمحروقات، هما “جريمة حرب” مؤكدة، إذ إن القانون الدولي يحظر أي شكل من اشكال العقوبات الجماعية ضد السكان، وذلك سنداً للمواد (الـ33، الـ146، والـ147)، التي تؤكد وجوب حماية المدنيين في اتفاقية جنيف الرابعة.

كما أن تجويع شعب بأكمله، ومنع الغذاء والدواء عنه، ومنع الوقود عن المستشفيات، تشكّل “جريمة إبادة” كاملة الأركان، وهي تنتهك على نحو واضح المادة الـ55 من اتفاقية جنيف لعام 1949، والتي تنص على أن “من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا ما كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية. ولا يجوز لدولة الاحتلال أن تستولي على أغذية أو إمدادات أو مهمات طبية مما هو موجود في الأراضي المحتلة، وعليها أن تراعي احتياجات السكان المدنيين”.

الهجمات على المدنيين
تشكّل الممارسات الإسرائيلية جرائم حرب موصوفة بدقة ضمن قائمة جرائم الحرب التي تضمنها نظام روما الأساسي لعام 1998، والتي تشمل الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، وبينها إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك، وتعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم تلك، أو ضد منشآت مدنية لا تشكل أهدافاً عسكرية، ومهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأي وسيلة كانت، وتعمّد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، عبر حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمّد عرقلة الإمدادات الإغاثية.

مخالفات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة:
– وفقاً للمادة الـ147 من اتفاقية جنيف الرابعة، تتضمن المخالفات الجسيمة للاتفاقية أفعالاً معينة إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية، مثل: القتل العمد، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة، وتدمير الممتلكات واغتصابها على نحو لا تبرره ضرورات حربية، وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية.

– الحق في الحياة والسلامة البدنية، وهو حق أساسي تكفله المادة الثالثة من اتفاقيات جنيف، المؤرخة في الـ12 من آب/أغسطس 1949. ويقوم القانون الدولي الإنساني على أساس التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وهذا المبدأ منصوص عنه في المادة الـ48 من البروتوكول الإضافي الأول، والتي تنص على ما يلي:

-“العمليات يمكن أن توجه فقط ضد الأهداف العسكرية، ويجب أن يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة، وبالتالي لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا، وكذلك الأشخاص المدنيون محلا للهجوم. وتحظر أعمال العنف أو التهديد به”.

– “تحظر الهجمات العشوائية”. وقصف منطقة بأكملها يُعَدّ شكلاً من أشكال الهجمات العشوائية المحظورة. فكل هجوم، سواء عن طريق القصف الجوي أو غيره من الوسائل، يعامل عدداً من الأهداف العسكرية المنفصلة المتمايزة على نحو واضح، والموجودة داخل مدينة أو بلدة أو قرية، أو غير ذلك من الأماكن التي تضم تمركزاً مماثلاً للمدنيين، بصفتها هدفاً عسكرياً واحداً، يُعَدّ هجوماً عشوائياً محظوراً.

– كما “تحظر هجمات الردع ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين. وتُحظر أيضاً الهجمات التي تنتهك مبدأ التناسب، وهي هجمات يُتوقع منها أن تسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابةً بهم أو أضراراً بالأعيان المدنية”.

توقيع “إسرائيل” على تلك الاتفاقية
صادقت “إسرائيل” على “اتفاقية جنيف الرابعة” بتاريخ الـ6 من تموز/يوليو 1951، لذا تنطبق هذه الاتفاقية وبنودها على الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” بعد حرب الأيام الستة في عام 1967. بالإضافة إلى ذلك، أقرّت محكمة العدل العليا الإسرائيلية، في قرارها الصادر في 30 أيار/مايو 2004 رسمياً، بانطباق “اتفاقية جنيف الرابعة” على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتنصلاً من مسؤوليتها، تزعم “إسرائيل” أنها لم تعد قوة احتلال منذ أن انسحبت من القطاع في أيلول/سبتمبر 2005، غير أن هذا المبرر لا يستند إلى أي أسس قانونية أو موضوعية. فـ”إسرائيل” تفرض سيطرتها الفعلية على القطاع، من خلال التحكم في معابره وحدوده ومجاله الجوي ومياهه الإقليمية. كما أن قواتها تقوم، بين فترة وأخرى، بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة في أراضيه. بناءً عليه، فإن حالة الاحتلال الإسرائيلي ما زالت قائمة، وهو ما يفرض ضرورة مراعاة الواجبات التي يفرضها عليها القانون الدولي الإنساني كـ”دولة” احتلال، وإيقاف جرائم الحرب المستمرة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين.

هل تستطيع اسرائيل التنّصل من المسؤولية؟
أكدت المحكمة الجنائية الدولية أن اختصاصها يسري على جميع الاراضي الفلسطينية، بعد أن باتت فلسطين عضواً في نظام المحكمة. لذلك، فإن المحكمة ملزمة بعدم السماح بإفلات المسؤولين الإسرائيليين من العقاب، علماً بان نظام المحكمة لا يعتدّ بالحصانات الرسمية.

وتعُدّ المادة الـ8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، بما فيها الهجمات العشوائية المتعمدة وغير المتلائمة، والتي تضر بالمدنيين، تكون “جرائم حرب” عندما يتم ارتكابها مع توافر القصد الجنائي، وهو ما يمكن إثباته بكل سهولة في ظل تصريحات الإسرائيليين التي تجاهر بهذا الأمر، وتدعو إلى إبادة الفلسطينيين في غزة.

ويمكن أيضاً اعتبار الأشخاص مسؤولين جنائياً بسبب “محاولة” ارتكاب جرائم الحرب، بالإضافة إلى أولئك الذين ساهموا في “تسهيل ارتكابها أو المساعدة عليه أو تقديم العون له”، أو قد تقع المسؤولية أيضاً على الأشخاص الذين “يخططون أو يسهلون ارتكاب جرائم الحرب”، أو “يحرضون على ارتكابها”، وهو ما يمكّن من توسيع المسؤوليات لتشمل نتنياهو وأركان مجلس الحرب والجيش وغيرهم.

شاهد أيضاً

بينها 6 في العاصمة.. الإعمار: إحالة 24 مشروعاً جديداً للتنفيذ

أعلنت وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، اليوم الأحد، عن إحالة 24 مشروعاً جديداً للتنفيذ موزعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *