أبواب الإمام موسی بن جعفر(ع) باب الرسالة الإنسانية

د.أمل الأسدي ||

اتسمت الرسالة المحمدية منذ انطلاقها بسمة الإنسانية، فراحت تنقل الإنسان من العالم المادي المشحون بالصراعات القبلية والعرقية، الی عالم البناء الإنساني، القائم علی لغة المحبة والتسامح والرحمة ، فهي اللغة الكفيلة بأنسنة كلِّ شيءٍ.، وهي اللغة الجاذبة المهيمنة علی القلوب أينما حلّت، فبعد مساواة الرسول بين الأفراد جميعا، وبعد مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار،

وبعد قوله:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِأعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)؛ صارت الصفة الإنسانية لازمةً للعمل الرسالي المتمم لعمل الرسول الأعظم، فنجد الإمام علي (عليه السلام) أطلق مقولةً خالدةً ، وذلك حين وجه رسالة إلی مالك الأشتر، إذ بقيت مقولته قانونا يسعفُ كلَّ باحثٍ عن التواصل الإنساني غير المقيد ألا وهي:(وأشعرْ قلبَك الرحمةَ للرعيةِ والمحبةَ لهم واللطفَ بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخٌ لك في الدين وإما نظيرٌ لك في الخلق )) وكذا انسحب هذا السلوك الإنساني علی سائر أئمة أهل البيت ولاسيما الإمام موسی بن جعفر، فكان يتواصل مع فقراء المدينة، يزورهم ليلا تاركا لهم الطعام والمال من دون أن يكشف وجهه أمامهم حرصا علی حفظ كرامتهم.

وكانت له قطعة أرض يزرعها ويعمل فيها بيده، وحين قال له رجل صديقٌ يُدعی (علي): ألا يوجد من يقوم بهذه الأعمالِ بدلا عنك؟
فأجابه الإمام: يا علي، قد عمل قبلي من هو خير مني!
فقال للإمام: من تقصد؟
فقال الإمام:[جدي (صلی الله عليه وآله) وأمير المؤمنين، وآبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين].

ـ مع بشر الحافي:
وكذلك كانت للإمام الكاظم(ع) مواقف ومقولات فيصلية،منها مقولة غيرت حياة رجل من حال الی حال أخری، وذلك حين مرّ من منزل يرتفع منه صوت الغناء الماجن،فرأی فتاةً تخرج من المنزل فقال لها بعد أن سلم عليها: صاحب البيت حرٌّ أم عبدٌ؟ فردت عليه: حرٌّ

فقال الإمام: صدقتِ، فلو كان عبدا لخاف سيّده!
وحين دخلت الفتاة وأخبرت صاحب المنزل، ويدعی (بشر) هزت أعماقه هذه الكلمات، فخرج خلف الإمام يركض حافيا،معلنا توبته وإنابته، ليقضي بعد ذلك بقية عمره بالزهد والعبادة،واشتُهِر بين الناس إلی اليوم بـ(بشر الحافي).
وهكذا ظل الإمام مصدرا للسمو الروحي والحضور الإنساني الملفت، فحين أرسل له هارون الرشيد، جاريةً لإغوائه، عادت الجارية مبهورةً بروح الإمام وخلقه، لتتحول حياتها من اللهو والفجور الی العبادة والإيمان.

لقد كان الإمام يحرص ويؤكد علی قضاء حوائج المؤمنين، نجده يقول لـ( علي بن يقطين): “من سرّ مؤمناًَ فبالله بدأ، وبالنبي(ص وآله) ثنَّى، وبنا ثلَّث”وهكذا كان يسعی بنفسه لقضاء حوائج الناس وسدِّ ديونهم، وبهذه الصفات الإنسانية العملية كلِّها؛هيمن علی القلوب وسيطرت محبتُه عليها، فلا عجب – الآن – وبعد كل تلك القرون أن تجد الملايين من الناس تحج إلی حيث حضرته، وتقف عند بابه متلهفة، مولعة، مناجية، موحدة، سائلة الله تعالی قضاء الحوائج وثبات الإيمان بحق هذا الباب المشرع، باب موسی بن جعفر(ع).

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

التعداد العام للسكّان..!

الشيخ حسن عطوان ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *